انخفاض أسعار النفط يمكن أن يشجع دول مجلس التعاون الخليجي على تغيير سياساتها الاقتصادية وإجراء إصلاحات هيكلية في اقتصاداتها المعتمدة على النفط. وذلك وفق ما أكده مجموعة من خبراء مؤسسة إندوسويس لإدارة الثروات، وقالت الدكتورة ماري أوينز ثومسِن، كبيرة المحللين الاقتصاديين في المجموعة “من الواضح أن هذا هو الوقت المناسب للتغيير في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة وأن مداخيل حكوماتها تتعرَّض لضغوط كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط. وتعتبر الأوقات الحافلة بالتحديات كتلك التي نعيشها الآن هي الأنسب في معظم الأحيان لإجراء إصلاحات اقتصادية. فقد غيَّر انخفاض العائدات النفطية ملامح الساحة المالية في دول المنطقة، وسلَّط الأضواء على مخاطر الاعتماد المفرط على سلعة تصديرية واحدة بعينها. من ناحية أخرى، يزداد إلحاح حاجة اقتصادات المنطقة لتعزيز سياسات تنويع مواردها الاقتصادية ومعدلات نمو قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية”.
وأكملت قائلة: “إضافة إلى أسعار النفط المنخفضة، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مشكلة وقوعها في منطقة ذات مخاطر جيوسياسية كبيرة، وبالتالي تحتاج دول المجلس إلى تعزيز جاذبيتها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أكثر من غيرها من الدول. تلك الاستثمارات المباشرة تميل إلى جلب الابتكار والانتاجية وتستطيع تعزيز النمو الاقتصادي بطريقة مستدامة”.
واستطردت قائلة: “يجب التأكيد على أن الركود العالمي لم يكن يوما بسبب انخفاض أسعار النفط. وفي بيئة تتميز باستنزاف كبير للسياسات النقدية والمالية الغربية ويصعب فيها إجراء إصلاحات هيكلية. بات انخفاض أسعار النفط عاملاً داعماً للنمو عموما ولاستحداث فرص عمل جديدة، وارتفاع الدخول الحقيقية، وانخفاض معدلات التضخم وهذا ما تشهده اقتصادات الدول الكبرى. ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3٪، على مقربة من المتوسط خلال 30 سنة البالغ نسبته 3.5٪، ومن الواضح أن هذه التطورات لا تشكل بيئة ركود اقتصادي، بل ما يمكن أن نصفه في هذا السياق بأنه يشكل منفعة للدول المستوردة للنفط وضرراً للدول المصدرة للنفط”.
وأضافت الدكتورة ماري أوينز ثومسِن: “واجه عدد من دول مجلس التعاون الخليجي انخفاض أسعار النفط بالإعلان عن سلسلة من السياسات الجديدة مثل تخفيض دعمها السعري للسلع الأساسية وفرض الضرائب. وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم التي سوف ترتفع أكثر لدى تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المبيعات. ومن المهم أن نلاحظ في هذه المرحلة، أن نمو إجمالي النواتج المحلية لتلك الدول لا يزال إيجابياً وأن معدلات تضخم اقتصاداتها لا تزال تحت السيطرة. إلا أن هناك سقفاً زمنياً لاستمرار هذه الحالة، إذ إنه كلما طالت مدة بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة للغاية كلما ازدادت المخاطر والصعوبات التي تواجه اقتصادات دول المنطقة”.
وتابعت قائلة: “كما تعتبر الاصلاحات الهيكلية من أبرز خيارات توزيع الأصول للاستثمار. ونحن نعتقد أن الاصلاحات الهيكلية تعد من أهم متغيرات الاقتصاد الكلّي التي نستطيع استخدامها لتحديد خياراتنا الاستثمارية. ويُحسِن المستثمرون العالميون صُنعاً إذا ما سعوا للاستثمار في الدول التي تجري إصلاحات هيكلية. حيث تصدرت الصين والاتحاد الأوروبي واليابان (بهذا الترتيب) هذه التوجهات حتى الآن. إلا أن هناك الآن توجهاً عالمياً يثير القلق ويدعو إلى تباطؤ وتيرة تلك الاصلاحات. وفي عالم مثالي، تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي ملء الفراغ الذي أحدثه ذلك التباطؤ في تطبيق الاصلاحات الهيكلية. ومع قيام البنك الدولي بتصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 31 في “مؤشر سهولة ممارسة الأعمال”، تتصدر الإمارات دول المنطقة فيما يتعلق بالاصلاحات الهيكلية مما يوضح ما يمكن فعلاً أن يتحقق عندما يتم تبني مثل هذه السياسة “.
وعلى نحو متزايد ، تنتشر في أوساط صانعي السياسات في تلك الدول دعوة للابتكار وتغيير تركيبة العمالة وتعزيز التعليم الفني وتحرير الأسواق المالية والتخارج من الاستثمارات وفرض الضرائب وتخفيض دعم أسعار السلع الأساسية والانفاق العام والاستثمار في الاقتصادات الوطنية وتشريع القوانين الصديقة للأسواق والمواتية لنمو القطاع الخاص. وتحتاج اقتصادات معظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى الابتعاد عن نموذج الاعتماد التقليدي على العائدات النفطية والانفاق الحكومي والتوجه إلى تبني نموذج اقتصادي متنوع الموارد يقوده القطاع الخاص.
واختتمت الدكتورة ماري أوينز تومسن بالقول: “سيدعم انخفاض أسعار النفط الاقتصاد العالمي على المديين القصير والمتوسط. ورغم أنه سوف يواصل إيلام الدول المصدرة للنفط، فإن الاصلاح الهيكلي وحده كفيل بتخفيف شدة الوطأة. ومن هذا المنطلق، يوفر سيناريو أسعار النفط المنخفضة فرصة كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن الواضح أن الاصلاحات فعالة وأنها لا يجب أن تقتصر على إعادة التوازن للأرصدة المالية، وأن تتم بدلاً من ذلك توسعة نطاقها للترويج لتعزيز كفاءة توزيع موارد الاقتصاد واستحداث فرص العمل وتنمية القطاعات غير النفطية. وتعتبر هذه الاجراءات ضرورية لإعادة معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي لدول المنطقة إلى مستوياتها المعهودة”.