يتجه كثيرون من مزارعي الحمضيات في جنوب لبنان، إلى استبدال الحمضيات بزراعات أخرى، أبرزها الموز والأفوكا. ويستغل المزارعون فترة بلوغ الشتول مرحلة الإنتاج لزراعة الخضار التي لا تحتاج إلى وقت طويل وعناية كبيرة كالأشجار البالغة. ومن هذه الخضار، الملفوف والخس والقرنبيط والفول… وغيرها.
ظاهرة تعديل الزراعات، لم تصل إلى مرحلة تبديل الخريطة الزراعية الجنوبية، فالحمضيات ما زالت صاحبة الحضور الأبرز جنوباً، وهي جزء من الإنتاج اللبناني الذي يراوح بين 140 و150 ألف طن سنوياً، وتختلف من موسم لآخر بحسب الإنتاج ونوعيته، بحسب مصادر “المدن” في وزارة الزراعة. لكن استمرار تراجع القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية قد يهدد الخريطة الزراعية على المدى البعيد. فتصريف الإنتاج، وفق ما يقوله لـ”المدن”، رئيس جمعية المزارعين انطوان حويك، “ما زال يعاني من أزمة التصدير التي رفعت كلفة الإنتاج، وبالتالي أفقدت الحمضيات اللبنانية قدرتها التنافسية”، وفق الأرقام، فإن تصدير الحمضيات تراجع “من نحو 125 ألف طن في العام 2011، إلى نحو 55 ألف طن في العام 2015”. وبتعبير أبسط عن أزمة إنتاج الحمضيات، فإن كلفة “ضمان” صندوق الليمون “كانت تصل إلى 15 ألف ليرة، فتراجعت إلى نحو 10 آلاف، أما اليوم فتصل إلى نحو 4 آلاف ليرة”. وعليه، فإن مزارع الحمضيات “يهرب” من هذه الزراعة باتجاه زراعة أخرى تضمن ربحاً أكثر وتصريفاً أسهل.
بساتين الحمضيات الجنوبية، وتحديداً تلك الممتدة من منطقة أبو الأسوَد وصولاً إلى الناقورة، بدأت تغزوها التغيرات. فيشير أحد أصحاب بساتين الحمضيات في منطقة صور، قاسم حسّان، إلى أن “الحمضيات باتت بلا أسعار اليوم، ما دفع المزارعين إلى التعويض بزراعات أخرى، واستغلال المساحات بزراعة الخضار، فالأشجار الجديدة تحتاج إلى سنتين لتبدأ الانتاج، فيستغل المزارعون هذه المدة لزراعة الخضروات وتحقيق مداخيل إضافية”. ويشير حسان لـ”المدن” إلى أن “المزارع لا يستفيد من التصدير، والسوق المحلية لا يعول عليها كثيراً بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج أيضاً. فكلفة اليد العاملة وأسعار الأسمدة والأدوية مرتفعة، فضلاً عن إغراق السوق بأدوية مجهولة المصدر والفعالية، وهذا كله يؤثر سلباً على نوعية الإنتاج وكمّيته”. ويشرح بأن كل شجرة ليمون تحتاج تقريباً إلى 4000 ليرة من “الكيماوي”، إلى جانب رش المبيدات التي يتغير نوعها وكميتها بحسب الطقس، فكلما زادت نسبة الرطوبة والجفاف، كلما إحتاجت الشجرة الى أدوية أكثر، لأن الرطوبة تحمل معها حشرات كثيرة تضر بالشجرة وثمارها. وسرعة تبدل الطقس بين الحار والبارد، تؤذي الشجرة، و”تضرب” ثمارها. وكل هذا يُسجل ضمن الكلفة. أما وزارة الزراعة، فيرى حسان أنها غائبة، ليس لجهة عدم تأمين الأدوية والأسمدة اللازمة، وإنما لجهة عدم إجراء رقابتها بشكل فاعل، “فمكتب الزراعة في صور يحصل على الأدوية، لكن أين تذهب؟ لا أحد يعلم. فالتوزيع يخضع للمحسوبيات. حتى أن مواعيد وصول الأدوية تبقى مجهولة، أو يُعلن عنها بعد توزيع الجزء الأكبر من الأدوية على بعض المزارعين”.
وفي السياق نفسه، تشير مصادر من المزارعين لـ”المدن” إلى أن ملف توزيع الأدوية على المزارعين في منطقة الجنوب، يفتح الباب أمام نقاش كبير، يقع ضحيته صغار المزارعين، أو من ليس لديه “ظهر يحميه”، في إشارة إلى غياب الدعم السياسي لهؤلاء. وتؤكد المصادر أن بعضاً ممّن يأخذون أدوية زراعية، لا يملكون بساتيناً ولا يزرعون أياً من المنتجات الزراعية، وإنما يحصلون على أدوية، أو أنواع معينة منها، ليبيعونها “على شكل إحتكارات”، ما يضاعف من صعوبات زراعة الحمضيات، فمن كان قادراً من المزارعين على تحمل مشقة زراعة الحمضيات، يصل أحياناً إلى مرحلة “القرف” من واقع السوق والسمسرات التي تحصل في المكاتب الزراعية، فيترك الزراعة، أو يتحول إلى زراعات تعفيه من الدخول في متاهة أدوية زراعة الحمضيات، وأكلاف هذه الزراعة عموماً. هذه التجاوزات لم تنفها مصادر في وزارة الزراعة، وإنما أعادت وجود هذه الظاهرة الى “ضعف إمكانيات الوزارة”.
تضيف المصادر لـ”المدن” أن “في لبنان 28 مكتباً زراعياً، يتلقون مساعدات من الوزارة بحسب المزارعين المسجلين في المكاتب، وعموماً فإن المساعدات تأتي بنسبة 30 إلى 40 في المئة من حاجة المزارعين، ولا تأتي كاملة، بسبب غياب الإمكانيات”. ما يعني أن النقص الذي تعاني منه الوزارة يساهم في عدم إجراء الرقابة اللازمة للحد من أي تجاوزات تؤثر على مصلحة المزارعين.