Site icon IMLebanon

البدانة والتلوث على علاقة

obesite

 

 

 

كتبت سينتيا عواد في صحيفة “الجمهورية”:

 

إذا كنتم تعتقدون أنّ خطر إصابتكم بالبدانة مرتبط فقط بمجموع كالورياتكم، ونوعيّة أكلكم، ونشاطكم البدني، ونمط حياتكم العام، أعيدوا حساباتكم جيداً وأضيفوا إلى هذه اللائحة الملوّثات بمختلف أشكالها بعدما وجد العلماء أخيراً أنها مسؤولة بشكل كبير عن إرتفاع البدانة وأيضاً السكّري عالمياً. إليكم أبرز التفاصيل!

لطالما رُبِط التلوّث بتعزيز خطر الإصابة بالتهاب الرئة المتكرّر، والحساسيّة، والربو، والأمراض السرطانية، لكن يبدو أنّ إنعكاساته تُطاول مشكلات صحّية أخرى لم تُؤخذ يوماً في الحسبان.

وقالت خبيرة التغذية، كريستال بدروسيان لـ”الجمهورية” إنّ “البدانة لم تعُد مجرّد مسألة متعلّقة بالأكل والرياضة، إنما باتت هناك قصّة جديدة لها عنوانها العريض هو التلوّث الذي يشمل الهواء، والتربة، والمياه، وأيضاً البلاستيك المتراكم في البيئة”.

مركّبات الـ”POPs”

وتحدّثت بدايةً عن “الملوّثات وتحديداً الـ”POPs”، أي الملوّثات العضويّة الثابتة كمُبيدات الحشرات، والمواد المضادة للفطريات، والـ”Polycyclic Aromatic Hydrocarbons” المعروف بالـ”PAHs”، وهي موجودة في بيئتنا يومياً وحتى في بعض المأكولات كاللحوم، والسمك، ومنتجات الحليب. شملت إحدى الدراسات نحو 151 بالغاً يعانون البدانة، وتمّت مقارنتهم بـ44 متطوّعاً يشكون من زيادة الوزن.

وبعد دراسة الـ”POPs”وتأثيرها في أيض الغلوكوز وتركيبة الجسم، تبيّن أنّ المستويات العالية من هذه المركّبات السامّة موجودة عند البدناء خصوصاً الذين لديهم نسبة عالية من الدهون الداخليّة، كما وإنها مرتبطة برفع معدل الغلوكوز في الدم وبالتالي تعزيز خطر السكري. ويعود سبب هذه النتيجة إلى أنّ إرتفاع دهون الجسم يُتيح إمتصاص كمية أعلى من الـ”POPs”، لذلك يجب الحفاظ على وزن سليم لتقليص كمية تخزين هذه الملوّثات”.

تراكم النفايات

أما في ما يخصّ النفايات، فأكّدت بدروسيان أنها “لا تبقى في مكانٍ واحد، إنما تبدأ أثناء تفكّكها بإنتاج كيماويات سامّة على الأرض ثمّ تنتشر في المياه والهواء وتصطحب معها ملوّثات وكيماويات أخرى سامّة، ما يزيد الوضع سوءاً ويعزّز ظهور الأمراض وتفاقم حجم التلوّث. كلما إنتشرت هذه المخلّفات زاد وصولها إلى المحيط، وقد تبيّن أنّ 20 مليون طن من النفايات يُضاف سنوياً إلى المحيطات، 80 في المئة مصدره من صنع الإنسان.

ومن أبرز الكيماويات الموجودة في النفايات مركّب البلاستيك الذي يرتبط بدوره بالصحّة، والبدانة، وإرتفاع الحساسيّة، والسكري، والسرطان. عندما لا يتم التخلّص من النفايات بشكل صحيح، يلتصق البلاستيك ويتفكّك مع الوقت ليتحوّل إلى جُزيئات صغيرة تغيّر النظام البيئي. والخطير في الأمر أنّ كلّ الكيماويات السامّة ستمرّ إلى المأكولات لتعبر بذلك الجسم”.

… وحرقها

مشكلة النفايات لا تقتصر فقط على تراكمها وعدم التخلّص منها بشكل سليم، إنما الأخطر عندما يتمّ حرقها. وفي هذا السِياق أكّدت خبيرة التغذية أنّ “هذه العمليّة تولّد نسبة عالية جداً من الملوّثات، خصوصاً الـ”Dioxin” والـ “PAHs”، وبالتالي تزيد إحتمال الإصابة بأمراض عديدة مثل السرطان، وتلف الكبد والكِلى، والحساسية، وتهيّج البشرة نتيجة إستنشاقها أو إبتلاعها”.

وأضافت أنّ “معظم الـ”Dioxin” الذي يتم إنتاجه ورميه في الهواء يأتي بسبب حرق الأشياء، كالنباتات والنفايات، ما يؤدي إلى تصاعد مستوياته ودخوله مساحات زراعية تتغذى منها الحيوانات، فيمرّ من النباتات إلى الحيوانات فالإنسان. أظهرت الأبحاث أنّ الـ”Dioxin” ينعكس سلباً على الخصوبة، والنموّ، وجهاز المناعة، والهرمونات التي تؤثر في البدانة والسرطان.

أما ملوّثات الـ”PAHs” التي رُبطت بتحفيز بدانة الأولاد، فهي لا تأتي بسبب المواد التي يتمّ حرقها فحسب، إنما أيضاً نتيجة السجائر، والسيارات، وشَوي الأطعمة وتعريضها لحرارة مرتفعة. أظهرت الأبحاث أنّه كلما تعرّضت المرأة لهذا النوع من الملوّثات خلال حَملها، إرتفع خطر إصابة طفلها بكمية أعلى من الدهون بمعدل مرّتين ونصف. كذلك تبيّن أنّ “PAHs” توقف قدرة الجسم على تفكيك الدهون الموجودة فيه، ما يعني أنها تمنع خسارة الوزن”.

التدخين والسيارات والهواء

وعن تأثير التلوّث المُنبعث من التدخين والسيارات، كشفت بدروسيان أنّ “إحدى الدراسات التي شملت 3318 ولداً في العاشرة من عمرهم وإستمرّت حتى بلوغهم 18 عاماً، وجدت أنّ الذين دخّنت أمّهاتهم أو تعرّضن للتدخين السلبي خلال فترة الحمل عانوا مؤشرَ كتلة جسم (BMI) أعلى. كذلك كلما زاد عدد المدخنين في المنزل إرتفع خطر تعرّض الولد للبدانة. كلّ هذه النتائج تفسّر حجمَ تأثير التعرّض للتدخين وتلوّث السيارات في بدانة الأولاد، علماً أنّ توافر هذين العاملين في آن يعزّز أيضاً البدانة”.

وفي ما يتعلّق بتلوّث الهواء عموماً، أشارت إلى أنّ “الفئران التي تمّ تعريضها للهواء الملوّث في مدينة “Beijing” الصينية واجهت مستويات أعلى من الكولسترول السيّئ في الدم بنسبة 50 في المئة، وتريغليسريد أعلى بنسبة 46 في المئة، ومجموع كولسترول أعلى بنسبة 97 في المئة، مقارنةً بنظيراتها التي وُضِعت في غرفة مُجهّزة بالـ”Air Filters”، حتى على رغم تناول المجموعتين الغذاء نفسه. الأمر الذي يزيد خطر الإصابة بالبدانة والسكري”.

الـ”BPA”

كذلك أفادت بدروسيان أنّ “البدانة والسكري مرتبطان بكيماويات تغيّر هرمونات الجسم، من بينهاالـ”BPA” الموجودة في زجاجات المياه البلاستيكية، والمعلّبات المعدنية، والمنظّفات، والألعاب، والماكياج. حتى إن تعرّض الأم خلال حملها لهذه الكيماويات يمكن أن ينقل الخطر للطفل ويصبح بديناً.

هناك دلائل أكثر على أنّ هذه المادة تغيّر نظام الغدد الصماء الذي ينتج الهرمونات المرتبطة بعملية الأيض، والنمو، والأداء الجنسي، والخصوبة، والمزاج. لتخفيف التعرّض لهذه الكيماويات، منعت الـ”FDA” إستخدام الـ “BPA”في زجاجات وأكواب الأطفال، لكن على رغم ذلك فإنها لا تزال متوافرة بنسبٍ عالية في الأدوات المستهلكة يومياً، خصوصاً معلّبات الأكل البلاستيكية.

صحيحٌ أنه يصعب تنظيم التعرّض لها، لكن يمكن التقيّد ببعض التدابير على المستوى الشخصي، مثل الحرص على تناول أطعمة غير مغلّفة، واللجوء إلى المأكولات الكاملة، وشراء زجاجات المياه الخالية من الـ”BPA”، والتقيّد بنمط حياة صحّي ونشيط”.

وختاماً شدّدت على أنّ “التلوّث بمختلف أنواعه يسبب البدانة، وهو مسؤول عن 40 في المئة من الوفيات عالمياً. بالتأكيد لا يمكن عكس الدمار الذي تسبّبنا به حتى الآن، ولكنّ الأوان لم يفت بعد لإجراء تغييرات فعّالة وعيش نمط حياة صديق للبيئة والصحّة قدر المستطاع”.