حسن يحي
على الرغم من أن التكنولوجيا في السيارات لا تزال ضعيفة في العالم العربي عموماً ولبنان خصوصاً، الا أن هذا لا يمنع أن يسهم ما دخل عليها في عالمنا، في تغيير أشكال وظائف عدة واعادة تشكيلها من جديد. ولعل مهنة اصلاح السيارات أو “الميكانسيان” من أبرز الوظائف التي بدأت بالتغير في السنوات الأخيرة، اذ تحولت هذه المهنة من الاعتقاد السائد بأنها مهنة مَن “فشل” في التعليم، إلى مهنة تتطلب مزاولتها تعليماً أساسياً وتطويراً للذات.
ويوضح محمود الحاج سليمان وهو موظف في إحدى الشركات الرائدة في صناعة السيارات في العالم، (فرع لبنان)، أن هذه المهنة تغيرت بشكل جذري في السنوات الأخيرة. إذ أصبح إتقانها مهمة صعبة تتطلب الخبرة الطويلة والقدرة على التعامل مع الآلات. وتأتي هذه التغييرات بعد دخول عوامل التكنولوجيا إلى هذه الصناعة، حيث أصبحت السيارات الحديثة مزودة بأجهزة استشعار تحدد الخلل ولكنها لا تصلحه، الأمر الذي يدفع بمزاولي هذه المهنة إلى معرفة هذه الآلات وكيفية التعامل معها بغية اصلاح الأعطال.
ويشير الحاج سليمان في حديث لـ “المدن” إلى أن التعليم وحده لا يُمكّنه من مجاراة التطور السريع، اذ على رغم من حيازته للشهادة التي تطلبت منه 4 سنوات من التعليم في احد معاهد لبنان، إلا أن الخبرة وتطوير الذات أمر لا غنى عنه في هذا المجال. وتعمد الشركة التي يعمل فيها كغيرها من الشركات الرائدة، إلى متابعتهم بدورات وكتيبات تدريبية حول السيارات المتطورة وكيفية التعامل معها بصورة دورية وذلك لمواكبة التطور السريع الذي يصيب هذا القطاع.
وبدا واضحاً من حديثه حجم التغير في المهنة، اذ اعتبر أن القدرة على ممارسة المهنة من دون تطوير في انخفاض مستمر. فمن لم يجارِ التطور لا يستطيع اصلاح أكثر من 25 في المئة من الأعطال، محدداً هذه النسبة بأنها الأعطال التي تتطلب حصراً مجهوداً بدنياً.
ويلفت الحاج سليمان النظر إلى أن الشرق الأوسط عموماً لا يزال “متخلفاً” في استيراد السيارات المتطورة، اذ تعمد الشركات الكبرى إلى إرسال سيارات أقل تطوراً من السيارات التي تُخصص للأسواق الأوروبية والأميركية على سبيل المثال لا الحصر. الأمر الذي يعطي هذه المهنة فسحة من الوقت لمواكبة التطور قبل التغير النهائي.
هذا التطور لم ينعكس حصراً على القدرة الذهنية لمزاولي المهنة، بل انعكس أيضاً على قدرتهم المالية. فبعد أن كان تجهيز محل لإصلاح السيارات يتطلب بضعة آلاف من الدولارات، أصبح تجهيزه بالأمور الرئيسة اللازمة يتطلب ما يزيد عن 40 ألف دولار، وهو ما يفوق قدرة معظم مزاولي هذه المهنة في السوق المحلية التقليدية.
من جهة ثانية، يسعى بعض مصلحي السيارات إلى مجاراة التطور بما توفر لهم من معدات ووسائل. اذ اعتبر قاسم حجازي وهو ميكانيكي يعمل في بلدة معركة قضاء صور، أن السيارات الحديثة التي أصبحت طاغية على السيارات التقليدية في السوق اللبناني، تتطلب إضافة الى الخبرة، “معرفة” أكبر لإصلاحها. الأمر الذي دفعه إلى تطوير نفسه مستعيناً بشبكة الانترنت. وساعد الانترنت حجازي على تعلم طريقة عمل الآلات، إذ استطاع ترجمة طرق عملها باشكال مبسطة تساعده على مزاولة مهنته، علماً بأنه شبه أمي، حيث لم يكمل تعليمه الأساسي.
ويضيف حجازي في حديث لـ “المدن” أن معظم السيارات التي يعمل عليها أصبحت متطورة، وهو ما حفزه للعمل على تطوير نفسه في هذا المجال. ولكن الأزمة الأساسية تبقى بالموارد المالية، فلا يُمكن للجميع الحصول على الموارد المالية اللازمة لشراء الآلات المطلوبة، سواء كانت “كومبيوترات” أو “سكانر” أو “عفريت الكهرباء”.
هذا التطوير في المهنة أصبح اليوم هدفاً رئيساً في هذه المهنة، اذ تكفي جولة بسيطة في “المدن الصناعية” عموماً لملاحظة بداية دخول الآلات على هذا المضمار. فمحل “الخياط” في المدينة الصناعية في صيدا مثال يُقتدى به في هذا السياق. فالرجل السبعيني الذي يقف على قارعة محله الصغير عمد إلى إدخال العديد من الآلات المتطورة إليه مواكبة لمتطلبات العصر، ليجمع بين خبرة مستمرة على مدار 25 عاماً وبين التكنولوجيا التي أصبحت من أساسيات هذه المهنة في العالم وفي لبنان أيضاً ولو بصورة أقل سرعة. وأدخل الخياط أيضاً العنصر الشبابي إلى محله، فنظراً إلى أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، كان من الصعب عليه الدخول فجأة إلى هذا العالم.