كتبت فاتن الحاج في صحيفة “الأخبار”:
في اليوم الأول للزيارة المشتركة مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للبنان، كشف رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم عن تخصيص 100 مليون دولار لدعم خطة الحكومة اللبنانية من أجل تحسين نوعية التعليم واستيعاب جميع التلامذة اللبنانيين واللاجئين السوريين في المدارس حتى نهاية العام الدراسي المقبل (2016 ــ2017).
وأعلن جيم أن هذه المبادرة تأتي، وفق تدبير استثنائي، اتخذه مجلس المديرين التنفيذيين في البنك الدولي لتقديم شروط تمويل للبنان كانت مُخصصة فقط للبلدان المنخفضة الدخل. في كلامه، يوحي رئيس البنك الدولي كما لو أن هذا المبلغ هو هبة تقدمها المؤسسة التي يرأسها إلى لبنان. لكن الحقيقة أن جيم يتحدّث عن قرض. ويعني ذلك أن “المجتمع الدولي” الذي يتحدّث عن ضرورة التصدي لأزمة النزوح السوري، واستعداده لدعم لبنان بهدف مساعدة هؤلاء النازحين، لم يجد سبيلاً لمعاونة الحكومة، إلا عبر دفعها إلى الاستدانة. وبكلام أوضح، فإن هذا “المجتمع”، المسؤول الرئيسي عن مأساة النزوح السوري، يريد أن يتحمّل لبنان وحده تبعات هذا النزوح، وفق قاعدة: سنمنحكم حق الاستدانة منا لدعم النازحين السوريين.
ومن شأن هذا التمويل، بحسب جيم، مساندة التعهد الرسمي بإلحاق الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 3 و18 عاماً بنوعية جيدة من التعليم. وبينما يلفت إلى أنّ وزارة التربية سجّلت فعلاً أكثر من 200 ألف طفل سوري في المدارس الحكومية خلال العام الدراسي 2015-2016، يوضح وزير التربية الياس بوصعب لـ”الأخبار” أن هذا العدد يشمل التلامذة في كل المؤسسات التربوية من مدارس رسمية وخاصة، وخاصة غير مجانية ومعاهد مهنية وتقنية، وأن عدد التلامذة السوريين في المدارس الرسمية هو 175 ألفاً.
ويشير بوصعب إلى أنّ المبادرة أتت بعد الاطلاع على الخطة التي قدمناها في مؤتمر لندن، إلا أنها لا تزال في إطار الكلام، إذ ليس هناك كتاب رسمي بها حتى الآن كما تحتاج إلى موافقة مجلسي الوزراء والنواب لتجد طريقها إلى التنفيذ. ويشرح أنها المرة الأولى التي يحصل فيها لبنان على مثل هذا “القرض المجاني” الذي يعطى للبلدان الفقيرة من أرباح البنك الدولي وليس من أموال الدول، مشيراً إلى أن الدولة، في حال موافقتها على هذه المبادرة، “تبدأ بتسديده بعد سبع سنوات وعلى مدى 40 سنة، أي بفوائد لا تذكر”. ويقول إنّه “قرض غير مشروط، أي أنهم لا يحددون لنا أبواب إنفاقه، فيما التداول في أن مثل هذا القرض قد يؤدي إلى توطين السوريين هو غير منطقي وغير واقعي”.
بوصعب يؤكد أن المبادرة “تسمح بتطبيق خطتنا بتحويل الأزمة السورية إلى فرصة لتحسين النظام التعليمي في لبنان، إذ إن المبلغ في حال قبوله سيذهب إلى بناء مدارس جديدة وترميم أخرى واستيعاب تلامذة لبنانيين ولاجئين سوريين وتطوير المناهج التعليمية”.
كيف يمكن تغيير مناهج تربوية بأموال خارجية؟ ألا يسمح ذلك للممولين بالتدخل وفرض أهدافهم ومواقفهم على خلفية من يدفع يأمر كما يقول المثل الفرنسي؟ يجيب: “من يقوم بتعديل المناهج هو المركز التربوي للبحوث والإنماء وهو الذي يدفع للأساتذة والخبراء اللبنانيين بدلات أتعابهم، داعياً إلى الابتعاد عن نظرية المؤامرة، إذ إن مهمة الجهات المانحة تنتهي عند دفع الأموال غير المتوفرة لدى الدولة اللبنانية التي تعجز عن تطوير المناهج منذ 19 عاماً”.
وعما يحكى عن حصر آلية صرف أموال الجهات المانحة التي تدفع لتعليم اللاجئين السوريين بحلقة ضيقة في وزارة التربية وأنها لا تمر عبر خزينة الدولة وأن هناك شكوكاً بشأن أبواب الإنفاق، يوضح أن “إدارة الأموال محصورة كي لا يسرقوها، ومن يزر موقع الوزارة على الإنترنت يستطع أن يعثر على الأرقام والأسماء بشأن نفقات العام الدراسي 2014 ــ 2015، وكل قرش أين صرفناه، وهناك حساب مشترك مع اليونيسف والمفوضية العليا للاجئين يشرف عليه مصرف لبنان ووزارة المال وليس الموظف في دائرة المحاسبة في وزارة التربية”.
في المقابل، يقول وزير المال علي حسن خليل: “ما فهمناه أن المبادرة هي عبارة عن هبة، والهبة تحتاج فقط إلى قرار في مجلس الوزراء ونحن لدينا توجه في الحكومة اللبنانية يقضي بعدم قبول قروض لدعم النازحين السوريين”. ماذا عن آليات الرقابة الرسمية على هذه الأموال؟ يؤكد خليل أنّه “لم يحدث منذ بداية الأزمة السورية أن دخل قرش واحد في حسابات الخزينة، فما يحصل أنّ الهبات تسجل وفق أصول الهبات كهبات للوزارات وهي التي تديرها، وتصبح العلاقة بين الجهات المانحة التي تضع شروطها والوزارات”.