IMLebanon

بين الشعارات المثالية والإرتكابات الفاضحة! (بقلم رولا حداد)

assafir-newspaper

كتبت رولا حداد

يعيش لبنان على وقع تناقضات لا تنتهي. في عزّ الأزمات تظهر تناقضات غير مسبوقة بمنطق الدول والمجتمعات، ثم نسأل لاحقاً لماذا نعاني كل ما نعانيه. مؤخراً تابع اللبنانيون 3 فضائح، أعتمدها مثالا للتدليل، من بين العشرات أو المئات من الفضائح:

ـ أولاً: فضيحة مافيات الإنترنت، ولا أسمي فيها طرفاً، لأن الاقتناع السائد، وعن حقّ، أن كل أطرافها متورطون بشكل أو بآخر. والأهم أن اللبنانيين مقتنعون أن لفلفة هذه الفضيحة بات قاب قوسين أو أدنى، لأن فتح ملفاتها أساساً لم يكن بهدف معاقبة المخالفين بقدر ما كان بهدف إعادة تقاسم جديد للجبنة! ولا تزال قضية انترنت الباروك ماثلة في الأذهان، ويكفينا أن يكون القضاء أنهى البحث في تلك القضية وأعاد المعدات الى الذين كانوا متهمين فيها!

وفي ظل انعدام إمكانية المحاسبة، لا يبدو أن أي طرف في لبنان قادر على كسر الآخر، لأن للجميع مخالفات وتجاوزات وملفات، وبالتالي ليس من مصلحة أحد أن تذهب أي قضية حتى النهاية، وخصوصاً أن القضاء في لبنان أيضاً يرزح تحت التذخلات السياسية في الكثير من قراراته.

ـ ثانياً: فضيحة، وأشدد على كلمة فضيحة، امتناع أو رفض الحكومة اللبنانية تبني ترشيح الوزير السابق الدكتور غسان سلامة لمنصب الأمين العام لمنظمة الأونيسكو. ففي حين يُجمع اللبنانيون، تماماً كما أصحاب الاختصاص، على أن سلامة هو المرشح الأكثر أهلية لتبوّء هذا المنصب، وتبني ترشيحه من الحكومة اللبنانية سيحقق للبنان انتصارين: الأول إيصاله الى هذا المركز الذي يبدو سهلاً، حتى ولو لن تتبناه الحكومة. والثاني أن يكون في هذا المنصب لبناني يرفع راية لبنان ويُعلي شأنه عالميا.

لكن الحكومة اللبنانية كما يبدو، تصرّ على منطق “عنزة ولو طارت”، فترفض تبني ترشيح سلامة، وتصرّ على ترشيح المدعوة فيرا خوري التي لا يعرف اللبنانيون تاريخها ولا إنجازاتها. كما أن ترشيحها يُعتبر سلفاً معركة خاسرة. وفي خلاصة هذه الفضيحة أن ثمة من في مواقع المسؤولية في لبنان من يهابون من وصول كبار الى مواقع مسؤولية عالمية، لأن هؤلاء المسؤولين سيبدون صغاراً أكثر فأكثر!

ـ ثالثاً: مسرحية صحيفة “السفير”. والمفارقة هنا أنه إذا كانت الجهات الرسمية في لبنان فاشلة وعاجزة، فإن ما جرى في موضوع صحيفة “السفير” أشّر الى وضع لا يقل سوءًا في القطاع الخاص، لا بل في أقدس مواقع القطاع الخاص، ونعني هنا “السلطة الرابعة”. فاللبنانيون أيقنوا بعد إسدال الستارة على هذه المسرحية، أن كل ما جرى فيها كان أشبه بفيلم مجوج، والهدف واحد: استدراج عروض المال السياسي تحت تهديد القرار بالإقفال.

وإذا كانت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تحولّت بهدوء تام من الورق الى الإصدار الالكتروني حصراً، ومن دون مناحة، فإن ما يجدر بالصحف اللبنانية مجتمعة أن تدرسه، هو كيفية مواكبة العصر من دون عويل وبكاء على الأطلال.لكن عندنا يصرّ بعض الصحف على افتعال دراما، في حين أن الحقيقة كانت تكمن منذ اللحظة الأولى بأن كل ما جرى، لم يكن سوى استدراج عروض داخل فريق 8 آذار لتأمين التمويل السياسي لصحيفة تُعتبر ناطقة باسم هذا الفريق.

المشكلة في الصحافة اللبنانية، وبكل أسف، لا تكمن في أن تنتقل أي صحيفة، مهما كان اسمها ومهما بلغت عراقتها، الى الإصدار الإلكتروني بالكامل وإلغاء الإصدار الورقي، بل تكمن في إصرار بعض المؤسسات الصحافية على أن تكون مرتهنة ومرهونة لتمويل سياسي يفقدها أي صدقية، مهما تلطّى البعض بشعارات الصحافة والثقافة!

هكذا نعيش الازدواجية في لبنان بين مثاليات شعرية نختبئ خلفها وننظّر لها، وبين ممارسات فاضحة نرتكبها علناً في الفساد والطائفية والمذهبية والحمايات السياسية، وفق منطق “الشاطر بشطارته”، وكل ذلك من دون أن يرفّ لنا جفن في وطن ينحدر بسرعة قياسية نحو الانهيار الشامل.