IMLebanon

صرخة الوطن… “لم يتمّ كل شيء”! (بقلم رولان خاطر)

cross-kadicha

 

 

رولان خاطر

 

“لقد تمّ كل شيء”… لكنّ قيامة لبنان لم تتم بعد. الجلجلة مستمرة منذ عقود. اللبنانيون يستمرون برهاناتهم وارتهاناتهم، والصليب لم ينزل بعد.

نعم، نحن شعب القيامة، لا ننحني، لا نسقط بسهولة، وإذا سقطنا، نقوم ونكمل المشوار. الوقت ليس للصمت، يجب أن نحرّر مستقبلنا، ومن أجل ذلك، يجب أن نحرّر ذاتنا. فيكون عندها المسيح هو الوحيد الذي نتبع، والأوحد الذي نعبد.

لبنان ينزف، لأن مسيحييه ينزفون. لبنان يرزح تحت ثقل الإيديولوجيات المستوردة، وعناوين التوطين ومخاطر تغيير الهوية، هوية الأرض والنظام والكيان. كلُّ ذلك، لأنّ المسيحيين ينزفون، ويتوجعون، ويتأوهون، ويئنّون، وينقسمون على رغم المصالحات. نسوا دورهم في الإبداع والفكر والثقافة، وغاب دورهم في حماية التاريخ والإرث الايماني الذي ائتمنوا عليه.

نهوض المجتمع اللبناني بكل تلاوينه ومكوناته لم يكن يوماً إلا من خلال دينامية المسيحيين والموارنة بالتحديد. دينامية وطنية، سياسية، فكرية، وسوسيولوجية. دينامية، جعلت الآخرين يحذون حذوهم في تحديد الأولويات، وفي طليعتها، رفع شعار “لبنان أولا”.

من هنا، بات الحمل مضاعفاً على المسيحيين. فكل مرحلة نمرّ بها بالنسبة لنا هي مفصلية وتاريخية، لأنها تحدد وجودنا وحضورنا في المستقبل، خصوصاً أنه في رسم بياني من الاستقلال حتى اليوم نرى مؤشرات الوجود والحضور المسيحي تتضاءل وتتراجع.

ولأن الأحزاب هي اساس العمل السياسي، كيف يمكن اليوم المناداة بالديموقراطية إن كان هناك أحزاب (بعيدا عن التعميم) تعتنق “خلودية” القائد ومبادئ الوراثة والاقطاع؟

كيف يمكن أن نطلق عناوين محاربة الفساد، وأحزاب يغلغل الفساد فيها بأبهى صوره؟

كيف يمكن الحديث عن أنظمة سياسية متطورة، إن كانت هناك أحزاب تكرّس داخلها أنظمة شمولية أو عائلية أو شخصية؟

كيف وكيف يمكن تحقيق الحرية على المستوى السياسي إذا لم تكن أفكارنا وتوجهاتنا ونظم حياتنا ترتوي من مخمرة الحرية ومن معجنها؟

نعم، الخطر على المسيحيين كبير، وعلى لبنان أكبر. بخريطته ونظامه وديموغرافيته لبنان بخطر.

نعم، نحن شعب القيامة، ولكن علينا ان نعبّر بالممارسة عن أننا شعب يؤمن بهذه القيامة ومستعد لتحقيقها عند كل مفصل وجودي ووطني، وعند كل خطر. فلا نبقى “غرقانين” بأمجاد الماضي، ومستلقين على “حرير” الماضي المجيد.

شعار المجد، وشعار المقاومين الأبطال عبر التاريخ، وبطولات إهدن، وجبة بشري، والجبل، وكسروان وكل المقدّمين لن تدوم طالما نقضي على ثروتنا في الحرية والإيمان والعصبية التي تحافظ على المجتمعات.

نداءات بكركي ورمزية المحابس وصوامع النسّاك لن تصمد أمام هجومات أعداء المسيحية وتخاذلنا، امام فتوحات أعداء المسيحية وحيادنا.

“داعش” إسم القرن الواحد والعشرين، لكن جذوره تمتد في أعماق التاريخ. أجدادنا حاربوا “داعش” منذ فجر هذا التاريخ وانتصروا، وأبقوا لنا الايمان بالله وعبادته، لأن روح الثورة والالتزام لم تسقط من جعبتهم يوماً.

أمام أعداء المسيحية، في الداخل والخارج، لا يمكن “النوم”. لا يمكن ان نغفل. أن نشح بنظرنا. علينا وضع الاستراتيجيات التي ترسم الطريق لبلوغ الهدف.

فصول آلامنا باتت تعاصر كل جيل جديد. الوضع في لبنان على المستويات كافة يدعو للثورة.

كم من هيرودوس في عصرنا يحكم على الحقيقة ويسخر من الحق. كم من قيافا في البلاط السياسي اللبناني يحرّض و”يتخابث”. كم من يهوذا يبيع الوطن ويعلقه على مشانق عواصم العالم. كم من تلميذ جبان يتنكر لمسيرة طويلة من النضال والشهادة. كم من جلاّد يرسم علامات “سوطه” على جسم الحقيقة. كم من شهور يزورون تفاصيل التاريخ ومسار التاريخ.

وكم وكم وكم…

الناطقون باسم السماء يكفرون… زعماؤنا ومسؤولونا لكل دوره في اللعبة الوسخة. أصحاب المال والبطش، واًحباب السلطة والجاه، لا يفتشون عن الخلاص إلا في البنوك وشركات المال، ولا يهمهم، ولو أكلوا من “الزبالة”، لزيادة سطوتهم، وجشاعتهم، وبطشهم. فيما من يرفعون اسم المسيح عالياً منبوذون. المساكين والبؤساء والمضطهدون، والمرضى والفقراء والمتفانون.

نعم، نحن شعب القيامة، لا نخاف أحزاباً إرهابية، ولا نهاب أفكارا تكفيرية. غوصوا في جذور الماضي، تروا تاريخنا “جمعة عظيمة”، ووجودنا رسم في ذلك الأسبوع من الآلام. تطلعوا في مسيرتنا تجدوا فيها غصن الزيتون بيد، والبندقية بيد. لكن لا تسرقوا منا الايمان ولا تسحبوا منا الأمل.

شبابنا بحاجة إلى حزب – وطن، إلى كنيسة – وطن، كي لا يفقدوا هذا الوطن – الملكوت. ولبنان بحاجة إلى دور مسيحييه ونهوضهم، إلى مسيحيين حقيقيين، يشهدون للمسيح وليس على المسيح. فينزلون لبنان عن الصليب، وينزلون الصليب، “فيتم عندها كل شيء”.