Site icon IMLebanon

صخور أنصار لردم بحر عدلون

آمال خليل

مشروع ردم البحر على واجهة وسط بيروت استهلك مواد تعادل بناء 100 ألف مسكن، وتمّ نهش أكثر من 500 هكتار من المواقع الجبلية المهمّة من أجل إنجاز ردم البحر في ضبية ــ أنطلياس… هذا ما ورد في دراسة الخطة الشاملة لترتيب الأراضي، التي أقرها مجلس الوزراء في عام 2008.

إلا أن هذه الأرقام المثيرة للقلق لم تدفع السلطة للجم الشهية المفتوحة لردم البحر من برج حمود الى خلدة، وصولاً الى عدلون. وها هي بلدة أنصار تتحول الى ضحية لهذه الشهية، إذ يجري نهش جبل السنديان في خراج البلدة من أجل الردم وبناء سنسول “ميناء الرئيس نبيه بري للصيد والنزهة”.
وبحسب البيئيين المتابعين، لا تنحصر مخاطر مشروع وزارة الاشغال والنقل على الموقع الأثري للمرفأ الفينيقي في عدلون والمسبح الشعبي الوحيد لأهالي البلدة، بل تتجاوز ذلك الى مخاطر الكسارات والمقالع التي ستمد هذا المشروع بالصخور والردميات.
الوزارة واصلت الأشغال في الميناء، على الرغم من الحملات والاعتصامات، التي نفذها ناشطون بيئيون وأثريون لمنع تنفيذ المشروع. وشرعت الوزارة بالتنفيذ قبل الحصول على موافقة وزارتي البيئة والثقافة (المديرية العامة للآثار)، بل إن وزارة الثقافة اعترضت، وسطّر وزير البيئة محمد المشنوق قراراً بوقف الأشغال، إلا أن الشغل بقي ماشياً مع تعديل واحد، إذ حيّدت وزارة الأشغال بقايا الأجران والملاحات والآثار، التي يعتقد أنها تتبع للمرفأ الفينيقي الغارق، عن حرم المرفأ بعدما كان مخطط السنسول سيردمها. ووافقت الوزارة أيضاً على توقيف الأشغال ليقوم فريق من الغطاسين التابعين للمديرية بمسح أثري تحت الماء قبل ردم البحر واستحداث السنسول وستة أحواض. لكن الفريق غطس مرتين فقط قبل أكثر من شهر، بحسب مصدر في المديرية، وافتعل المسؤولون الميدانيون عن المشروع إشكالاً مع الغطاسين ومنعوهم من استكمال مهمتهم.
بسرعة قياسية، يعكف المتعهد على ردم البحر لإنشاء السنسول الأول بطول 600 متر يمتد من الجهة الجنوبية للمرفأ، على أن يقابله سنسول آخر من الجهة الشمالية بطول 240 متراً. الورشة لا تهدأ في عدلون. عشرات الشاحنات، تم إلصاق عبارات بالأحمر والأبيض لتمييزها، تقول: إنها تابعة لوزارة الأشغال ــ ميناء الرئيس نبيه بري. هذه الشاحنات تدخل إلى حرم المرفأ، سالكة طريقاً ترابية استحدثت بعد ردم جزء من الشاطئ الصخري المحاذي لسور بستان موز، ترمي كميات من الصخور الضخمة لإنشاء السنسول.
على أنقاض المسبح الشعبي على الشاطئ الرملي، تنتظر مئات مكعبات الاسمنت الضخمة دورها لتنقل بعد إنشاء السنسول من أجل إقامة كاسر الموج. لكن مهلاً، من أين تأتي الشاحنات بالصخور؟
تعقب إحدى الشاحنات يوصل إلى جبل السنديان في خراج بلدة أنصار، تلك المنطقة الحرجية متصلة بوادي جهنم بين أنصار والزرارية والخرايب وعبّا (هناك مساع لإعلانه محمية طبيعية). تتوقف الشاحنة بانتظار أن تقتلع الجرافات الصخور لتحميلها. ماذا يحدث؟ يشير رئيس بلدية أنصار صلاح عاصي إلى أن المجلس البلدي اتخذ منذ سنة قراراً باستصلاح 50 دونماً من الجبل، بهدف إنشاء مقبرة ثانية ومغسل للأموات بمساحة 30 دونماً، علماً بأن الموقع يبعد أكثر من ثلاثة كيلومترات عن الأحياء السكنية ويجاور معمل معالجة النفايات الذي تحول إلى مكب عشوائي. وفوق العشرين دونماً الباقية، تنشأ حديقة عامة. في الشكل، يتضح أن الاستصلاح يقضي على الأشجار الحرجية في جبل السنديان. يوضح عاصي أن البلدية لزمت المشروع إلى أحد المقاولين، الذي يستصلح من دون بدل مادي تدفعه البلدية، لا بل هو من يدفع لها مبلغ عشرة دولارات على “النقلة” الواحدة من الصخور. وهو بدوره يبيعها لوزارة الأشغال لمصلحة ميناء عدلون. يؤكد عاصي أن جزءاً من الصخور يستخدم لإنشاء حيطان دعم في شوارع البلدة.
يقضي القانون باستحصال البلدية على ترخيص من وزارة الداخلية لنقل الصخور، وعلى ترخيص آخر من وزارة الزراعة لاستصلاح المكان. بلدية أنصار لم تقم بالخطوتين، لكنها “رفعت القرار البلدي بإنشاء الحديقة والمقبرة إلى محافظ النبطية وقيادة قوى الأمن الداخلي في النبطية”، يقول عاصي. وهو “يعتقد بأن المستصلح استحصل على رخصة نقل الصخور. أنا لا أعرف بهذه المواضيع”.