Site icon IMLebanon

فضيحة الإنترنت غير الشرعي تشرّع السؤال أمام الأسباب والحلول

 

سلوى بعلبكي

 

فيما يدخل العالم في مجال الاقتصاد الرقمي على نحو متسارع بعد فورة الإنترنت التي شكّلت الركيزة الأساسيّة المطلوبة لنقل التجارة والمعاملات الرسمية الى العالم الإلكتروني، ينشغل لبنان حالياً بفضيحة الإنترنت غير الشرعي فيما يبرّر البعض حصولها بارتفاع أسعار الوحدات الدوليّة الـ E1 رغم توافرها بكثرة. فأين لبنان من فورة التكنولوجيا وما السبل لضبط الأمور حتى لا نشرّع السوق اللبنانية أمام الإنترنت اللاشرعي؟

لا يستطيع أي اقتصاد أن يدخل المنافسة العالمية ويستمر في النمو إذا لم يدخل مرحلة الرقميّة. ولتحقيق هذا الأمر ثمة عوامل يجب أن تتوافر من بنية تحتية للإنترنت بسعات عالية وكلفة قليلة متوافرة في كل المناطق، مع استخدام كبير للتكنولوجيا من الأفراد والشركات والمؤسسات الرسمية، حماية قانونية للمستثمر، توافر فرص استثمارية في البنى التحتية للاتصالات والمعلوماتية، وان يكون التشريع في هذا المجال ضمن أولويّات الدولة. ولكن لبنان يواجه مشكلات كبرى في هذه العوامل، فالبنية التحتيّة وفق ما يقول خبير الاقتصاد والتكنولوجيا غسان حاصباني، لا تزال في حاجة الى التطوير رغم كل الاستثمارات التي وفرتها الدولة كونها تعتبر اليوم المالك الحصري للشبكات. ورغم أن لدى لبنان شبكة ألياف بصرية تربط مراكز تحويل المكالمات ببعضها البعض، ويملك سعات عالية في الكوابل البحرية التي تصله بقبرص وفرنسا، إلاّ أن هذه الاستثمارات والسعات لا تستخدم برأي حاصباني بمقدار كاف لأن ربط المشتركين محلياً بالشبكة يتطلّب استثماراً في الشبكات المحلية. وإذ لا ينفي أن ذلك يحصل حالياً، إلاّ أنه يعتبر أن هذا الأمر يحتاج الى وقت طويل.
وفيما لا يمكن تبرير ما حصل أخيراً من كشف لشبكات لبيع الانترنت بطريقة غير شرعية، إلاّ أن حاصباني يشير الى أن كلفة التواصل البيّني لا تزال تعتبر عالية رغم التخفيضات، وسعر الجملة الذي يدفعه مقدمو الخدمة هو أضعاف ما تدفعه الشركات المماثلة في دول المنطقة. هذه الحال قد تدفع ببعض الشركات إلى تبني نقاط تواصل دولي للإنترنت غير شرعية ومن دون إذن الوزارة لبيع الإنترنت بكلفة منخفضة. وهذا الأمر يشكل منافسة غير عادلة لموزّعي الخدمة الذين يشترون سعات الإنترنت من الوزارة بالجملة ولكن بسعر السعة الواحدة مهما كان حجم طلبهم نظراً الى طريقة التسعير التي تتطلّب قرار مجلس وزراء في كل مرة تعدّل فيها. إلاّ أن حاصباني يعوّل على الخطة التي أعدتها وزارة الاتصالات لسنة 2020 لنشر الألياف البصرية بكثافة في كل المناطق، بما سيتيح لأن تكون خدمة الانترنت في متناول الجميع وبأسعار مخفضة وسرعة أعلى، ولكن الى ذلك الحين يبقى سعر الانترنت من بين الأعلى في العالم.
واذا كان اللبنانيون كأفراد يعتمدون على التكنولوجيا على نحو واسع والطلب على الإنترنت يعتبر عالياً، بدليل أن لبنان صنّف في المرتبة 13 عالمياً في “منتدى الاقتصاد العالمي” حيال نسبة وجود الكومبيوتر في المنازل، فإن الشركات لا تعتمد كما يجب على الإنترنت لإجراء أعمالها لأسباب عدة مردها وفق حاصباني إلى “غياب إطار تشريعي للعقود والتعاملات الإلكترونيّة، فهم يتعاملون مع شركات ومواقع أجنبية ضمن عملهم التجاري لكنه من غير الممكن ان يقوموا بمثل هذا التعامل في لبنان. علماً أن إقتراح قانون التعاملات الإلكترونيّة درس في لجان مجلس النواب قبل أكثر من 16 سنة ولم يقرّ بعد”. أما الحكومة الإلكترونية، والتي تسمح للمواطن باستكمال معاملاته الرسمية عبر الإنترنت، فهي ليست متوافرة ضمن إطار قانوني وتعتمد على مبادرات محدودة من بعض الوزارات، وهي تحتاج تالياً وفق حاصباني الى قانون ينظم العمل بها بالتوازي مع قانون التعاملات الإلكترونيّة. كما أن التشريع في ما يتعلّق بالاتصالات وتقنية المعلومات خصوصاً في ما يتعلّق بتنظيم القطاع بحاجة الى دعم رسمي أكبر، إذ أن “قانون تنظيم قطاع الاتصالات الذي أقر عام 2002 ينظم المنافسة ويستقطب الاستثمارات المحلية والدولية الى القطاع ويوفّر فرص عمل ويحسن الأداء والأسعار مما ينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي”. ولكن هذا القانون لم يطبّق بسبب عدم التقاء المصالح السياسية ووجهات النظر الاقتصادية. ويشير حاصباني الى أن “ثمة من يؤمن بحصرية الدولة في إدارة القطاع الذي يعتبر بمثابة مصدر تمويل للخزينة وهو الثاني بعد الضريبة على القيمة المضافة، وثمة من يراه قطاعاً أمنياً سيادياً إضافة الى من يفيد من احتكار الدولة، فمن يمكنه التحكّم بمفاصل القرار يتحكّم بالسلطة على القطاع تحت عباءة الدولة رغم أن الدولة مجتمعة، شبه غائبة. ومع مرور الوقت، تحوّلت الحصرية الى احتكار بسبب اعتماد الخزينة على القطاع، وبات لبنان الوحيد تقريباً الذي لم يحرر هذا القطاع ولم يتخطّ المعوّقات التى تخطّتها جميع الدول”. ومع انتشار التكنولوجيا التي توفّر الاتصال عبر الإنترنت بكلفة قليلة، من البديهي أن تتقلّص العائدات التقليدية لقطاع الاتصالات وتالياً عائدات الخزينة وترتفع كلفة الاستثمار في البنية التحتية، فيحل بقطاع الاتصالات ما حل بقطاع الكهرباء، لذا يقترح حاصباني اعتماد خصخصة القطاع ووضع مسؤولية الاستثمار بيد القطاع الخاص بما يوفر فرصاً استثمارية للمصارف والمواطنين، وينشّط سوق الأسهم ويفتح المجال أمام شركات عالمية لتؤمن مشتريات البنية التحتية بكلفة أقل من خلال قوتها الشرائيّة. هذا الأمر يحتاج برأي حاصباني الى تطبيق القانون 431 الذي أقرّ عام 2002، وتفعيل الهيئة الناظمة لطمأنة المستثمر من الناحية القانونيّة، ومنع الممارسات غير العادلة والخارجة عن القانون وحماية المستهلك من الاحتكارات وغلاء الأسعار. ويذكر حاصباني أن فتح أسواق الاتصالات للمنافسة هو شرط أساسي للانضمام الى منظمة التجارة العالمية التي توفّر أسواقاً كبيرة للمنتج اللبناني.