باميلا بارباجليا
تبحث الشركات العالمية عن الإيرانيين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب سعيا لتوليهم مناصب تنفيذية في الجمهورية الإسلامية بعد رفع معظم العقوبات عن طهران لكنها تواجه صعوبة في إقناعهم.
فقد أظهرت مقابلات مع شركات غربية ومكاتب توظيف وما يربو على 20 إيرانيا يعيشون في الخارج أن المغتربين يتريثون انتظارا لرؤية مدى التقدم الحاصل في الإصلاحات الموعودة قبل أن يتخذوا قرارا بخصوص العودة على الرغم من عروض العمل المغرية.
ومما يثني الكثير من المغتربين عن العودة لبلادهم مستويات المعيشة المتردية في إيران وبعض المشاكل مثل الروتين الحكومي وثقافة الأعمال المحاطة بالسرية والمشكلات الأمنية والتلوث وعدم توافر مدارس دولية لأطفالهم فضلا عن قلقهم على حقوقهم وأمانهم تحت مظلة النظام القضائي في الجمهورية الإسلامية.
هذا العزوف يصعب الأمور على الشركات التي تحتاج إلى المساعدة لخوض غمار عالم الأعمال الإيراني المعقد وتدريب العمالة المحلية وسد فجوة ثقافية ولغوية مع المستهلكين المحليين الموسرين في البلد الذي يقطنه نحو 80 مليون نسمة.
وقال جوزيبي كاريلا المدير المسؤول عن إيران في مجموعة نستله السويسرية للأغذية لرويترز “هذا هو المكان الذي يمكن فيه للمغترب الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال والذي يحمل المواصفات المناسبة لريادة الأعمال أن يحدث تأثيرا حقيقيا. لكن رغم ذلك لم يكن هناك إقبال كبير قط من المغتربين على التقدم لوظائف هنا.”
وأضاف كاريلا أن نستله ترسل الخريجين المحليين إلى الخارج لعدة سنوات لتنمية مهاراتهم بعيدا عن إيران لحين يصيرون مستعدين للعودة وذلك في إطار مساعيها لإعداد مديرين يتولون زمام الأمور في المستقبل.
غير أن المغتربين ما زالوا يمثلون أقلية صغيرة بين نحو ألف موظف في فرع الشركة في إيران بعد مرور 15 عاما على تدشينها.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني التقى المغتربين الإيرانيين في نيويورك في أيلول سبتمبر الماضي وحثهم على الانخراط من جديد مع إيران بعد أسابيع على اتفاق طهران على كبح برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته سنغافورة هذا الشهر إن المواطنين الإيرانيين المقيمين بالخارج “هم أفضل جسور لحوار الثقافات والحضارات.”
كثير من الشكوك
ويقدر المسؤولون الإيرانيون عدد المغتربين الإيرانيين بين خمسة ملايين وسبعة ملايين شخص يعيش معظمهم في شمال أفريقيا وأوروبا والخليج.
وبعضهم مثل بانيز جولكار (26 عاما) التي تحمل الجنسيتين الإيرانية والكندية تغريهم العودة إلى البلاد.
وتقول جولكار التي ستنهي دراستها في معهد جنوب كاليفورنيا للهندسة المعمارية في أبريل نيسان “أشعر أن مسؤوليتي تقتضي مني العودة. فإيران بحاجة إلى المحترفين في جميع المجالات.”
وأضافت “سيكون تحديا أن أثبت نفسي كامرأة في عالم الأعمال ولكن توجد فرص عمل في إيران أكثر منها في أي مكان آخر.”
ومضت في القول “كثير من الإيرانيين في كاليفورنيا يتحدثون عن العودة.. إنه خيار لا يمكننا تجاهله.”
لكن هناك الكثير من التحديات ينبغي التفكير فيها.
فبعض المغتربين الذين غادروا إيران مع عائلاتهم قبل ثورة 1979 أو بعدها بوقت قصير يتشككون في فرص العمل ويخشون أن يعرضهم رفض طهران الاعتراف بازدواج جنسيتهم للاعتقال التعسفي.
واعتقلت قوات الأمن عددا من مزدوجي الجنسية الذين يحملون جوازات سفر أوروبية وأمريكية في الأعوام الأخيرة بسبب اتهامات تتعلق بالأمن القومي لم تحددها.
ويتردد آخرون في العودة بسبب النظام البيروقراطي وتردي مستوى المعيشة في طهران التي تعاني من اختناقات مرورية فضلا عن القيود التي تفرضها الشرطة الدينية بشأن السلوك والزي الإسلامي.
وقد حاول البريطاني من أصل إيراني علي طهراني (24 عاما) العودة إلى إيران في أكتوبر تشرين الأول الماضي لكنه عزيمته ضعفت جراء التحدي المتمثل في استخراج التصاريح والتراخيص اللازمة وشهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية في إيران التي تستمر 24 شهرا.
وأوضح طهراني “سرعان ما أدركت أنني لا أملك المهارات اللازمة لخوض غمار البيروقراطية في إيران.”
تخرج طهراني من يونيفرستي كولدج لندن وأسس شركة لتكنولوجيا الموارد البشرية تحمل اسم “كي برسوت دوت كوم”. وكان طهراني يأمل بتدشين شركة للخدمات الإلكترونية في إيران تركز على خدمات الدفع عبر الإنترنت لكنه تخلى عن المشروع بعد ثلاثة أشهر.
وأظهر استطلاع أجرته شركة ميرسر الاستشارية عام 2016 وشمل 230 مدينة حلول طهران في المركز 203 من حيث مستوى المعيشة لتأتي في مرتبة أقل من إسلام أباد في باكستان ونيروبي في كينيا.
ويعيش في طهران نحو 14 مليون شخص وغالبا ما يغطي العاصمة الضباب الدخاني وتغلق المدارس في أحيان كثيرة بسب تلوث الهواء الذي يصل باستمرار إلى مستويات مقلقة.
وقال عدد من الإيرانيين المقيمين في الخليج لرويترز إن الشركات الغربية ترغب في توظيفهم لأنهم لا يثقون في القوة العاملة المحلية بسبب مخاوف تتعلق بالفساد والانتهاكات الأمنية وحقوق الملكية الفكرية.
وقال استشاري متخصص في الاستشارات الإدارية في طهران طالبا عدم ذكر اسمه “يظل الولاء أحد المشاكل الأساسية فيما يتعلق بالموظفين المحليين… فالأجور متدنية للغاية إلى حد يدفع الناس للعمل في وظيفتين أو ثلاث من دون أي التزام جدي بالعمل لدوام كامل.”
وجاءت إيران في المرتبة 130 من بين 168 دولة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2015 الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.
وبعد ما رآه الإيرانيون المقيمون بالخارج من تقلبات سياسية كثيرة في السنوات الأخيرة باتوا يشعرون بالقلق أيضا من أن تتعرقل الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها الرئيس حسن روحاني في نهاية المطاف.
ويرغب روحاني في تحديث الاقتصاد بدعم من الاستثمار الأجنبي والمغتربين الأغنياء الذين يملكون أصولا تقدر قيمتها بتريليوني دولار. ومن المتوقع أن تساعده المكاسب التي حققها حلفاؤه في الانتخابات البرلمانية على المضي قدما في الإصلاحات.
لكن الحلفاء المتشددين للزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي قالوا هذا الشهر إن وفود رجال الأعمال الغربيين لم تعد بأي فائدة على الاقتصاد الإيراني.
التنافس على اجتذاب المغتربين
تسعى الشركات الأجنبية التي تدرك تحفظات المغتربين إلى استقطاب المقيمين في الغرب بعروض عمل يمكن أن تشمل رواتب عالية وبدل نفقات عائلية ورسوم المدارس الخاصة فضلا عن أنها تساعد الموظف على صعود السلم المهني بوتيرة أسرع منها في الغرب.
وأوضح عدد من شركات التوظيف والمسؤولين التنفيذيين لرويترز أن الإيراني الذي تلقى تعليمه في الغرب يمكن أن يتقاضى أكثر من 15 ألف دولار في الشهر أي ما يصل إلى نحو 250 ألف دولار سنويا عند توليه منصبا تنفيذيا كبيرا في شركة غربية في إيران.
وأشاروا إلى أن الإيراني الذي يتولى نفس المنصب في شركة إيرانية قد يكسب نحو خمسة آلاف دولار شهريا أو ما يصل إلى نحو 100 ألف دولار سنويا.
يأتي ذلك مقارنة مع الحد الأدنى للأجور الشهرية للعمال المحليين والبالغ 225 دولارا وفقا لدراسة أجرتها مجموعة آر.إي.إف الاستشارية التي تتخذ من طهران مقرا لها عام 2015.
وقال وزير العلوم والتكنولوجيا السابق رضا فرجي دانا عام 2014 إن نحو 150 ألفا من “الأشخاص الموهوبين للغاية” يغادرون إيران سنويا ويكلفون الاقتصاد نحو 150 مليار دولار في السنة.
وقال سرمد أفارينش وهو إيراني تلقى تعليمه في النمسا وتساعد شركته أرهاكس كونسلتنج ومقرها فيينا الشركات المتعددة الجنسيات على دخول إيران “على مدى سنوات عانت إيران من هجرة العقول. والان يمكن لحاملي الشهادات العلمية من الغرب أن يحظوا بوظائف عالية الأجر ويرتقوا في المناصب (في إيران) بوتيرة أسرع بكثير من أي مكان آخر.”
وتقول بعض شركات التوظيف إن المستشارين الذين يقدمون خدماتهم للشركات الغربية التي تسعى لدخول السوق الإيرانية – وهو نوع من الأعمال التي تنمو سريعا في جميع القطاعات – قد يتقاضون ما يصل إلى عشرة آلاف دولار في الشهر من دون الانتقال بشكل دائم إلى البلاد.
وكان رضا جورابشي (35 عاما) وهو كندي من إصل إيراني قد غادر إيران وعمره ستة أشهر لكنه عاد إلى طهران في نوفمبر تشرين الثاني لمساعدة الشركات الأجنبية على دخول السوق.
وقال جورابشي “الجميع متفاجئون لأنني صمدت أكثر من شهرين. فمستوى المعيشة مترد جدا إلى حد أن الكثير من المغتربين يكادون يفقدون الأمل على الفور. يجب أن تتحلى بقدرة كبيرة على التحمل كي تستطيع الصمود.”
وأضاف أنه يتعين على الشركات الأجنبية أن تفرق الآن بين المغتربين الإيرانيين المستعدين للعيش في إيران ومن هم مستعدون للسفر فقط إلى هناك لفترة محددة.
ويفضل الكثير من المسؤولين التنفيذيين الإقامة في دبي التي تتخذ منها الشركات العالمية مقرا لها في الشرق الأوسط.
وقالت شركة وايز آند ميلر المتخصصة في الأبحاث التنفيذية والتي رشحت أفرادا لتولي مناصب إدارية عليا في شركات عالمية مثل رويال داتش شل ويونيلفر وهاينكن وفيليبس في الشرق الأوسط إنها تعد قاعدة بيانات عن الإيرانيين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج ومستعدون للانتقال إلى إيران.
وقال مارك مولدر أحد مؤسسي الشركة إنها “سوق تزداد ازدحاما” مشيرا إلى أنه يتواصل مع عشرات المرشحين أسبوعيا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ليكون على اتصال بالمحترفين الإيرانيين حول العالم.
ويقدم حميد بيجلاري وهو نائب رئيس مجلس إدارة سيتي جروب السابق والخبير المالي المعني بالأسواق الناشئة استشارات للمستثمرين في الوقت الحالي بخصوص إيران.
وقال بيجلاري إن إيران يجب أن تقدم حوافز للأشخاص ذوي الأصول الإيرانية للعودة إلى البلاد مثل إصدار بطاقات هوية خاصة بهم تسمح لهم بالسفر والاستثمار في إيران من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول أو استخدام جواز السفر الثاني.
وقال بيجلاري الذي غادر إيران عام 1977 “يجب القيام بالمزيد لإقناع المغتربين الإيرانيين بالانخراط مجددا مع بلدهم الأم.”
وأشار إلى أن دورهم يجب أن يكون مماثلا للمغتربين الهنود في الولايات المتحدة الذين ساهموا في الارتقاء بالهند إلى مصاف الدول الكبرى في صناعة التكنولوجيا.
وأضاف “الإيرانيون في الخارج يمكن أن يساهموا برأس المال والمعرفة وعلاقات العمل وهي جميعها عوامل أساسية لإعادة بناء البلاد.”