Site icon IMLebanon

فاروفاكيس: دراجي لن يسمح بخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي

Greece-Finance-Minister-yanis-varoufakis
بيتر سبيغل من أثينا

في الأشهر الخمسة التي غطيت فيها فترة ولايته القصيرة، لكن المشحونة، وزيرا للمالية في اليونان، وجدت شيئا سينمائيا حول يانيس فاروفاكيس. بدت خيوط التمرد، متكاملة مع السترة الجلدية المطلوبة، مصممة بشكل مبالغ فيه نوعا ما. وبدا ذهابه إلى اجتماعات مجلس الوزراء باستخدام دراجة نارية مقصودا إلى حد ما. والتحول الذكي للعبارات – “التعذيب بإغراق المالية العامة”، والتقشف الاحتيالي – كأنه نص مكتوب سلفا إلى حد ما. كان الأمر كما لو أنه كان دائما يلعب دور البطولة في يانيس فاروفاكيس: الفيلم.

لهذا السبب أنا لست مندهشا جدا عندما يمشي فاروفاكيس، خلال يوم دافئ على غير المعتاد في أثينا، متجها نحو “المطعم 17” وهو يرتدي وشاحا أحمر مشرقا، مربوطا بشكل أنيق حول عنقه. من المؤكد أنه لم يكن يحتاج إليه من أجل الدفء، بل هو مكمل مسرحي لأسلوب اللامبالاة والتبختر بخوذة الدراجة النارية المتدلية من ذراعه اليسرى وهو يخطو، موجها عن قصد هاتفه الذكي المصنوع من المعدن.

للإنصاف أقول إن فاروفاكيس لم يكن متأكدا جدا مني أيضا. ربما كانت التصريحات الدنيئة اللاذعة التي وجهها إلي عبر التويتر (حيث وصف ذات مرة “ادعاءاتي المشكوك فيها” والتي أوردتها في أحد التقارير بأنها “غير لائقة إلى حد ما”)، أو الأسلوب الازدرائي الذي استخدمه في الإجابة عن أسئلتي في المؤتمرات الصحافية، أو التنديدات التي قدمها حول تغطيتي للاجتماعات الخاصة مع أشخاص أخبروني عما كان يجري بينهم.

ساءت الأمور جدا حيث إن الصحافة اليونانية، في أوج دراما خروج اليونان في العام الماضي، اخترعت شيئا يشبه الصناعات المنزلية للإبلاغ عن التنافس المفترض لدينا، رغم أننا فعليا لم نكن نعرف بعضنا بعضا (أورد أحد العناوين “شجار عبر الإنترنت بين فاروفاكيس وبيتر سبيجل من خلال تغريدات سامة”، بحسب ترجمة تقريبية من اليونانية، ليظهر عبر موقع إخباري في أيار (مايو) الماضي). في رحلة إلى أثينا أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أشهر قليلة على استقالته، قررت حل الخلافات ودعوته لاحتساء القهوة في البلاكا. يبدو أن ذلك الأسلوب كان مجديا: تحيته لي عندما جاء الغذاء تبدو دافئة ومبهجة بحق. ويبدو رأسه الحليق مسترخيا ومرتاحا تماما، مرتديا بدلة سوداء بلا ربطة عنق كالمعتاد وقميصا رماديا.

كان المطعم رسميا – مع مفارش بيضاء منشاة وستائر ذهبية ثقيلة – وموجودا في الطابق الأرضي من مبنى فخم في وسط مركز السلطة في العاصمة، على مرمى حجر من البنك المركزي وعلى بعد مسافة قصيرة من مبنى البرلمان الكلاسيكي الجديد. بالنسبة لرجل كان قد واجه اتهامات بأنه غني ذي ميول اشتراكية بعد التقاط صورة له في شقته الراقية في أثينا وظهورها في مجلة “باري ماتش” الباريسية خلال فترة أزمة خروج اليونان، يبدو الأمر خيارا غريبا. ماذا يقول ذلك عن مختص اقتصادي يعتبر نفسه “ماركسيا متقلبا” حيث إنه يتناول طعام العشاء في مطعم مكتظ مخصص للنخبة في أثينا؟ مع ذلك، عندما يجلس هذا الرجل البالغ من العمر 55 عاما قريبا مني، يعترف بشكل مكتئب بأن موظفا ما كان قد اختار المكان. يقول وهو يهز كتفيه: “لقد اخترت مكانا آخر، وهو مكان جميل. أتمنى لو كان بإمكاننا الذهاب إلى هناك لكنه كان مغلقا. إنه يغلق يوم الإثنين وكنت قد نسيت ذلك”.

بعد مرور تسعة أشهر على الاستقالة، يعطي فاروفاكيس الآن بانتظام جولة من المحاضرات ويعمل مستشارا مستقلا لمجموعة من الزعماء السياسيين اليساريين. قبل دخوله إلى عالم السياسة، كان قد شغل منصب أستاذ الاقتصاد في جامعات حول العالم. لكن السبب الظاهر لاجتماعنا اليوم هو النشر الوشيك لكتابه بعنوان “وهل لا بد للضعفاء من المعاناة؟” قلبت صفحات الكتاب بفارغ الصبر، على أمل الحصول على رواية مباشرة على لسان المؤلف خلال فترة ولايته العاصفة في الحكومة. بدلا من ذلك، كان هناك خطاب طويل نوعا ما حول معيار الذهب وإمكانية زواله، وحيث كان بول فولكر، بشكل غير متوقع إلى حد ما، هو البطل، يتبعه انتقاد تقليدي بشكل مستغرب للكيفية التي جرت بها أزمة منطقة اليورو.

يفسر قائلا: “كنت قد كتبت ثلثي الكتاب قبل أن أعرف حتى أنني على وشك الدخول إلى عالم السياسة، ومن ثم بالطبع اعترضتنا الأحداث، كما نقول. لكن (…) يلزم الانتظار حتى تهدأ الأمور، حتى في داخل رأسي. لم أقرر كيف سأكتب الكتاب التالي المتعلق بتلك الفترة”.

لم نكن قد طلبنا الطعام بعد لكنني كنت جائعا، لذا بدأت بقضم حبات الزيتون، والخبز العربي، وغموس التراماسالاتا. لم يكن فاروفاكيس يأكل، وعندما سألت حول التكهنات التي لا تنتهي في أثينا بأنه سيعود إلى الحياة السياسية، بدأ مزاجه يتعكر.

أثار ذلك ذكريات مؤلمة ومريرة خلال الأشهر القليلة التي أمضاها في المنصب، عندما تركه أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء، جانبا خلال مفاوضات الإنقاذ وأبرم اتفاقية أخرى مليئة بالتقشف بقيمة 86 مليار يورو مع المقرضين الدوليين – على أمل أن يتم منح اليونان في النهاية بعض القدر من تخفيف عبء الديون. يقول: “بوجود مزيج من الافتقار إلى القدرة على فعل ما ينبغي فعله، وثقل العالم على كاهلي، يمكن أن أؤكد لك أن هذا كان محفزا للتوتر والإجهاد. بالنسبة لي، تغير كل شيء عندما وافق رئيس الوزراء على أهداف عملية الإنقاذ الصعبة في نيسان (أبريل). ولم يكن من الممكن قط تحقيق ذلك ولو اجتمع العالم كله. وعندما سمعت السبب الذي دفعه لذلك، الذي كان في جزء منه مقايضة، نتخيل أنه يمكننا إعادة هيكلة الديون المذكورة، لم يكن ذلك معقولا نهائيا بالنسبة لي”.

ويعترف بأنه كان قد كتب بالفعل رسالة الاستقالة، لكنه قرر عدم إعطائها لتسيبراس لأنه كان يريد “أن يبقى موجودا من أجله” خلال الفترة الحاسمة. متى كتبها بالضبط؟ يقول: “في 27 نيسان (أبريل)”. وهذا التاريخ مألوف، يذكرني بالسبب الذي يجعلني أعتبره – مع كثير من الذين تعاملوا معه في وزارة المالية – مدعاة للسخط بشكل كبير جدا.

كان يوم 27 نيسان (أبريل) هو اليوم الذي كنت قد كتبت فيه موضوعا مفاده أن تسيبراس كان قد همشه في تعديل أجراه على فريق التفاوض لديه. لكن تلك المقالة كانت واحدة من تلك المواضيع التي أمضى أسابيع وهو يندد بها باعتبارها “عارية عن الصحة تماما”، مصرا على أن تسيبراس لم يهمشه على الإطلاق. وهنا كان يعترف على ما يبدو بأنه كان مهمشا جدا ما دفعه إلى تقديم كتاب استقالته. وكان قد قال إن الخبر الذي ذكرته لم يكن صحيحا، لكنه لم يكن شيئا من هذا القبيل.

أمسكت لساني لأنني وضعت في اعتباري أنه ما زال يتعين علينا طلب الطعام. بدلا من ذلك، أمسكت نسختي من كتابه وقرأت فقرة منه، تتعلق بفترة تولي المنصب في الحكومة. في تلك الفقرة، يجادل بأن تسيبراس كانت لديه ثلاثة خيارات في المحادثات: الموافقة على تدابير التقشف الجديدة كجزء من عملية إنقاذ جديدة، أو “خروج قاتل من منطقة اليورو”، أو خيار ثالث يتمثل في “شن حملة عصيان للمراسيم المتبعة في بروكسل وفرانكفورت” – المسار الذي كان يدعو إليه فاروفاكيس.

أنا لا أفهم الخيار الثالث، لأن الحكومة بالتأكيد سينفد منها المال بعد فترة ممتدة من العصيان، ما يؤدي إلى أكبر حالة إعسار في العالم والخروج من اليورو. لكن فاروفاكيس يصر على أن الدائنين كانوا يتحايلون، وحتى إن تعثرت اليونان في تسديد جميع ديونها، فإن رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، لن يسمح أبدا بتنفيذ الخروج. وقال لي إنه كان لا بد أن يعود الدائنون إلى طاولة المفاوضات.

يقول: “من أجل الحصول على مثل هذا النوع من الحل التوافقي، نعمل على أساس أننا لا نلعب، هذه ليست لعبة. إن الفرق بين اللعبة وهذا الموقف هو أنه في اللعبة ستتخذ مسارا آخر إن كنت تعتقد أن الطرف الآخر لن يغير مساره. وكان رأيي أننا لا نغير مسارنا. بل نلتزم فقط. نقوم بإغلاق أعيننا فقط ونسير، ونسمح بحدوث أي شيء يريدون حدوثه”.

من المثير للصدمة إلى حد ما أن نسمع أن فاروفاكيس يعترف بهذا علنا. فقد توقع مسؤولو الاتحاد الأوروبي منذ زمن طويل بأنه كان مصرا على إيصال اليونان إلى الهاوية. برأيي، كانت سياسة حافة الهاوية تلك وصفة لحدوث كارثة، لأنني لم أكن أعتقد أن مقرضي الاتحاد الأوروبي كانوا يتحايلون. كنت أعلم أنهم كانوا قد استعدوا لخروج اليونان من اليورو. في النهاية وافق تسيبراس. مع ذلك، يعتقد فاروفاكيس أن السبب كان الضعف الكبير لدى تسيبراس. يقول: “أدركت أنه كان في حالة انهيار. لكن ما الذي يفعله المرء في مثل هذه المرحلة، ولا سيما عندما لا يكون لدى الجمهور أي علم بهذا؟ هل تخرج للناس وهل تختلف علنا مع رئيس وزرائك؟”.

أخيرا حضر النادل ليسألنا عن طلبنا. يختار فاروفاكيس طبق سلطة مع السلمون والروبيان لكنه ينصحني باختيار ما أريده “بالشكل الصحيح”. دائما ما تجعلني اليونان أتوق لتناول المأكولات البحرية، لذلك طلبت حساء السمك متبوعا بقطع معجنات وبعض السمك. بعد محادثة باليونانية مع النادل، يخبرني فاروفاكيس بأنه طلب الشاردونيه اليوناني الذي لم يسمع عنه من قبل. يقول، وهو يهز كتفيه بخيبة أمل لأن ذلك النوع لم يكن موجودا: “النوع الذي كنت أطلبه كان من سانتوريني. وهو النوع الأقدم من العنب في العالم، الذي يجري حصاده باستمرار”.

عدت مرة أخرى للحديث عن علاقته مع تسيبراس، لأن فاروفاكيس الآن اعترف علنا بأن الرجلين كانا قد اختلفا وأن رئيس الوزراء كان قد تخلى عن القتال حتى النهاية. وقلت له إن الأمر يبدو وكأنه يعتقد بأنه تعرض للخيانة.

يصر قائلا: “أنت تضع الكلمات في فمي. أولا، لم أشعر قط بأنني قد تعرضت للخيانة شخصيا. بل أقول لك إنني لم أتعرض للخيانة بأي شكل من الأشكال، وفي أي وقت. دعني أحاول أن أكون منصفا قدر الإمكان. كنت أشعر بأنه كانت لدينا فرصة. كانت فرصة ضئيلة. لكننا لم نستغلها. إنها…”. تردد قليلا، وهو يبحث عن الكلمات الصحيحة، “إذن الشعور كان خيبة أمل. لم يكن شيئا آخر. فقط خيبة الأمل”.

أشعر بأن الوقت قد حان لطرح بعض الأسئلة الأكثر صعوبة. أخبرته أنني قمت بجولات في بروكسل قبل القدوم إلى أثينا، مخبرا كبار المسؤولين أنه سيكون هناك لقاء بيني وبينك على الغداء. وقلت له كان هناك كثير من الاستغراب، ممزوجا بالكثير من المرارة حول الدمار الاقتصادي والمالي الذي كان قد تسبب به لليونان. وكانت أثينا قد خرجت تقريبا من عملية الإنقاذ في عام 2014، وهي مثقلة الآن بعملية أخرى، وكان اقتصادها آخذا في الانتعاش، لكنها الآن عادت إلى حالة ركود. أخبرني بعضهم أن الخطأ في حساباته كان قد كلف الدولة عشرات المليارات.

يقول، مشيرا إلى أن قروض عملية الإنقاذ الجديدة كانت بكل بساطة تكمن في استبدال ديون جديدة بالديون القديمة، وكانت المصارف اليونانية في حاجة إلى مليارات الدولارات لإعادة الرسملة على أية حال: “هناك بعض الحسابات الرياضية السيئة الكامنة في تلك الأسئلة، أولا. كان الانتعاش وهميا. وحقيقة أن اليونان كانت قادرة على اقتراض المال في سوق السندات قبل توليه المنصب لم تكن دلالة على صحة الاقتصاد، بل كانت مساومة سياسية لمساعدة الحزب الحاكم. ولم يقدم أي اعتذارات عن موقفه.

وصل طبق الحساء الذي طلبته، ساخنا، وشجعني فاروفاكيس على تناوله. سألته لماذا كان هناك الكثير من الغضب المتبقي تجاهه في بروكسل. يقول: “لأنني أشعرتهم بالإحراج. انظر يا بيتر، أتفهم سبب خوفهم. لأنني قلت إنهم يفتقرون إلى الكفاءة. وهم كانوا كذلك بالفعل”. أفسر بلطف أن السبب في إثارة غضب زملائه الوزراء كان هذه الغطرسة بالذات، حتى الذين كانوا حلفاء اسميا. ألم يكن هذا تكتيكا تفاوضيا سيئا؟ “لا، كان هذا صوب النهاية”، يصر قائلا: “إن كنت كذلك منذ اليوم الأول، تكون شخصا أبله. السبب في أنني نشرت على موقعي الإلكتروني أول خطاب لي في أول اجتماع لي مع وزراء المالية في منطقة اليورو هو أنني أردت أن أثبت أنني ذهبت إلى هناك بشكل متواضع ومعتدل (…) ومن ثم تبدأ اللعب بشكل أصعب (…) أليس كذلك؟”.

أخذ يتحمس للموضوع، وراح يجادل بأن المفوضية الأوروبية، إحدى هيئات المراقبة الأساسية لعمليات الإنقاذ، وكبير الاقتصاديين فيها، وزير المالية الفرنسي الأسبق، بيير موسكوفيتشي، ببساطة شعروا بالاستياء بسبب عدم تقبله لوجهة نظرهم. “كما تعلم يا بيتر، لم تعد المفوضية موجودة. وقد كانت مهمشة تماما وتم إذلالها مرارا وتكرارا أمامي. مرارا وتكرارا”.

لم يكن هذا مفاجئا. كان لدى المسؤولين الألمان ازدراء يكاد يكون مكشوفا لمختصي الاقتصاد في المفوضية، الذين يعتقدون أنهم لينون جدا في تعاملهم مع الحكومة اليونانية. لكن بعد ذلك، وبشكل عفوي، كانت مفاجأة فاروفاكيس بالفعل، مثيرا واحدة من الحوادث الأكثر تداولا خلال فترة عمله في الوزارة: تقرير في الصحافة الفرنسية بأنه كاد أن يتعارك بالأيدي مع خيروين ديجسيلبلوم، وزير المالية الهولندي، الذي تزعم مفاوضات منطقة اليورو. يقول: “لم يكن ذلك حادثا بيني وبين ديجسيلبلوم، بل كان حادثا بين موسكوفيتشي وديجسيلبلوم. لقد رأيت تعرض موسكوفيتشي للإذلال تماما أمامي. هذا ما حدث”.

كان يبدو مسرورا جدا لأنه بين بوضوح ما حدث فيما يتعلق بمسألة التعارك بالأيدي، وأخذت ملاحظة في ذهني بأن أسأل أطراف النزاع الآخرين حول هذا الأمر. وصلت الأطباق الرئيسية التي طلبناها، وبدلا من طبق سلطة بسيط، يجد فاروفاكيس نفسه يحدق في كومة ضخمة من الخس مغطاة بشرائح كبيرة من السلمون المدخن وقطعة من الجمبري العملاق. ويبدو أنه أخذته الدهشة. ضحك بصوت خافت قائلا: “اعتقدت أنني سأحصل على شيء بسيط”. بعناية قدر الإمكان، أوضحت له أن الأمر ليس مجرد البيروقراطيين في الاتحاد الأوروبي الذين قالوا كلمات قاسية لي، بل كانوا الزملاء اليونانيين أيضا، بمن فيهم الزملاء الأكاديميون القدامى في جامعة أثينا.

رويت له قصة أعرفها حول يانيس ستاورناراس، سلفه في منصب وزير المالية، الذي يترأس الآن البنك المركزي في اليونان. كان الاثنان زميلين في قسم الاقتصاد، وقيل لي من قبل الذين عملوا معهما إن ستاورناراس منح فاروفاكيس ترقية رغم عدم شعبيته بين الزملاء الآخرين، قائلا إن ثكنة صغيرة كأثينا كانت تحتاج إلى شخصيات كبيرة حتى يتم الاعتراف بها. وقد أصبح الاثنان صديقين مقربين وارتبطت زوجتاهما بعلاقات اجتماعية. لكن العلاقة بينهما ساءت عندما أصبح فاروفاكيس واحدا من أول الشخصيات المرموقة التي تندد بستاورناراس بوصفه وزيرا للمالية. روى الزملاء هذه القصة لي كمثال لتفضيل فاروفاكيس الأنا الخاصة به وسمعته السيئة قبل حتى أي علاقة صداقة شخصية.

لكن فاروفاكيس يبدو مرة أخرى غير منزعج، مصرا على أن أي خلافات مع ستاورناراس كانت تتعلق بالسياسة وليست خلافات شخصية. “لقد كنت أحبه، وفي الواقع، كانت علاقة متبادلة، وأمضينا بعض الوقت الجيد معا، من العطلات وما إلى ذلك. وكان هناك علاقة ود وحب بين زوجتينا”.

لكن في وصفه للعلاقة، هناك أيضا القليل من التعليقات الجانبية اللاذعة. كان ستاورناراس في الجامعة لمدة يومين في الأسبوع فقط، في الوقت الذي كان هو يمضي هناك “عشر ساعات في اليوم”. كان ستاوراناس يعمل على تحسين دخله من خلال العمل الاستشاري. “أصبحت رئيسا للقسم. وهو لم يكن قط رئيسا للقسم”. ويتساءل عما إذا كان نقل ستاوراناس من وزير للمالية إلى رئيس للبنك المركزي عند إجراء انتخابات لحكومة جديدة أمر أخلاقي.

يصر في النهاية قائلا، ويبدو غير مدرك تماما أنه قام للتو باتهام رئيس البنك المركزي بالمحسوبية السياسية: “لم أقل أبدا أي شيء أنتقد فيه ستاوراناس، مطلقا”. طلبنا القهوة، وانتهى حوارنا بالتحدث حول مشروعه الحالي “حركة الديمقراطية في أوروبا”، وهو جهد لجعل الاتحاد الأوروبي أكثر خضوعا للمساءلة أمام الناخبين. أخبرته بأن بعض انتقاداته للاتحاد الأوروبي تجعله يبدو وكأنه من البريطانيين المناهضين للتكامل الأوروبي – ووافقني الرأي، مشيرا إلى أنه من أفضل أصدقائه نورمان لامونت، وزير المالية البريطاني الأسبق، الذي يؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول إن الفرق هو أنه يؤمن بإصلاح الاتحاد الأوروبي بدلا من مغادرته. وماذا عن الشائعات بأنه يحاول بالفعل تكوين حزب سياسي يساري لعموم أوروبا، برئاسته؟

يقول لي: “اسمع. ليست لدي أدنى فكرة ماذا سيكون مصير هذا الموضوع. على الأرجح سيكون مصيره الفشل، مثل جميع الأمور التي تنطلق من النيات الحسنة. دعنا نكن صادقين حول هذا الموضوع: الحياة تنتهي بالموت. نحن نعلم ذلك. لكن هذا ليس سببا لكيلا نعيش. أليس كذلك؟”.