كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
بعد نحو عامين، لم يتسلّل الضجر الى مزاج ميشال عون. كل يوم سبت هو على التزامه بلقاء «منظّري الرابية». الضيوف الدائمون في «صالون الجنرال» شتاء و «البلكون» صيفاً، يأتون من خلفية ومسيرة مغايرة عن بعضهم البعض. تتعارض الآراء وتتلاقى. يستمع «الجنرال» ولا يتأثّر إلا بالقدر المنسجم مع قناعاته وخياراته.
ايلي الفرزلي، كريم بقرادوني، سليم جريصاتي، حبيب افرام، عبدالله بو حبيب، جان عزيز، وقد انضمّ اليهم مؤخراً العميد شامل روكز بعد إحالته الى التقاعد، هم نواة «العصف» الفكري والسياسي في حضرة «الجنرال».
ولدت «خلية السبت» في بداياتها على يد جبران باسيل حين كان وزيراً للاتصالات ويوم كان «اللقاء المسيحي» يلفظ أنفاسه الأخيرة بعدما جمع حوله نحو 120 شخصية مسيحية واستمر لنحو سنتين. فاتح بعض الأعضاء باسيل بالرغبة بالعمل ضمن الخط نفسه بعدما وجدوا أن «اللقاء» في طور الاحتضار، فكان القرار بالحفاظ على «النواة» من خلال عقد اجتماعات دورية بإشراف باسيل.
لقاء أسبوعي أو كل 15 يوما على الغداء في وزارة الاتصالات حيث يتمّ النقاش في العديد من الملفات السياسية. وبعدما عيّن باسيل وزيراً للخارجية أبلغ الأعضاء أنه لن يكون قادراً على مواكبة هذه الاجتماعات، واقترح على ميشال عون احتضان المجموعات السياسية التي تؤيّد «التيار» لكنها لا تستطيع أن تكون من ضمن نسيجه الحزبي.
رحبّ «الجنرال» وأيّد الفكرة فأجرى اتصالات بـ«المهجّرين» من وزارة الاتصالات ليبلغهم شخصياً أنه سيكون حاضراً لاستقبالهم كل يوم سبت من الساعة 11 الى الـ1 في الرابية.
التزم عون بكلمته على مدى نحو عامين. أعضاء «الخلية» ينقلون تلهّفه لهذا الاجتماع الأسبوعي الذي تتولّى ابنة عون ميراي هاشم كتابة محضر نقاشاته.
على مدى نحو ستة أشهر بقيت هذه الاجتماعات طيّ الكتمان الى أن صار يعرف بها تدريجاً أهل «التيار الوطني الحر» وخارجه. طبعاً منسوب الحساسية كان عالياً جداً من «مجموعة» قد تأخذ من دور الحزبيين. ومظاهر التململ الأولى برزت داخل «تكتل التغيير والإصلاح» نفسه، إضافة الى العديد من القيادات العونية التي رأت أن «فريق جبران» وصفة ناجحة وفعّالة لإيصال ميشال عون الى الحيطان المسدودة.
رسا القرار داخل «خلية السبت» ببقاء اللقاءات بعيدة تماماً عن الإعلام وعدم الإدلاء بتصريحات يستشفّ منها أنها انعكاس لما يجري في مداولات الداخل. ومع ذلك، فإن شريحة كبيرة من العونيين أبقت على رأيها السلبي في «منظّري» الرابية واتهام بعضهم بـ «التبييض»، وتعاطيهم مع عون على قاعدة «كمّ تحب أن تكون الساعة»، وقول شيء في الرابية وعكسه في الخارج، وتمرير «رسائل» مهادنة من خلف ظهر «الجنرال» لمن يفترض أنهم من دائرة خصومه، والأهمّ التأثير في قرارات الرابية الاستراتيجية!
زاد الطين بلّة استشهاد عون نفسه بجزء من مداولات يوم السبت أثناء اجتماعات «التكتل»، ما كان يدعّم وجهة نظر «مجموعة الثلاثاء» بأن «مجموعة السبت» تتعدّى على صلاحياتهم!
«فلاسفة» الرابية يردّون هذه التهم بالقول بأنّهم «الفريق الاستشاري لميشال عون، لكن كلامنا غير ملزم، والقرار الأخير للجنرال الذي يأتي في المرتبة الأولى، يليه جبران باسيل.. ثم جبران باسيل، ثم نحن. كما بيار الجميل كان لديه بشير الجميل، كذلك ميشال عون لديه جبران باسيل، مع فارق أن الجميل كان دوماً يحتفظ بمسافة واضحة حتى من أقرب المقرّبين اليه».
يجزم هؤلاء «بأن آراءنا غير متطابقة، ولذلك ليس هناك نوع من غسيل الأدمغة، وليس نحن من يتحمّل مسؤولية أي قرار. والدليل، مثلا، مسألة النزول الى الشارع حيث هو موضوع جدلي بامتياز، منّا من يؤيّده ومنّا من يراه وسيلة خاطئة في التصعيد. التعدّدية في الآراء هي التي تجذب عون، وإلا لو كنّا نبخّر له لما كان ضايَن معنا».
الصداقة مع عون لا تحجب الانبهار الدائم به ورهبة حضوره. «عون لم يرث الزعامة بل صَنعها، ولم ينظّم حزبه إلا بعد سنوات طويلة، ومع ذلك هو على رأس أكبر حزب عرفه لبنان، وأسّس وحده ما يوازي الجبهة اللبنانية. حتّى كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده مع رهبان الكسليك لم يتمكّنوا من ربح جبل لبنان كلّه حيث كانت دائماً تحدث خروقات. البطريرك نصرالله صفير نفسه بعد انتخابات 2005 قال: بات للمسيحيين مرجع سياسي.. نحن في حضرة الشخص الأكثر تمثيلا لدى المسيحيين، وقد تكرّس هذا الواقع أكثر بعد الاتفاق مع سمير جعجع».
يجتمع الفريق الاستشاري عند الساعة العاشرة والربع من كل يوم سبت في مقهى في الرابية للتداول في المواضيع التي ستطرح كـ «بروفة» قبل الانتقال الى منزل عون، فيما امتياز افتتاح الكلام في «صالون الجنرال» أعطي منذ البداية لإيلي الفرزلي.
لا جدول أعمال إلا الأحداث السياسية والآنية التي تفرض نفسها، مع إصرار من عون على أن يدلي الجميع برأيه في الملفات الأساسية. وغالبا ما يقوم الأخير بإطلاع «فريقه الاستشاري» على أبرز بنود خطابه في بعض المناسبات لأخذ رأيهم بها والاستماع الى الملاحظات.
مطوّلات ضيوف الرابية لا تشكّل بالضرورة جزءاً من «قرار الجنرال»، كما أن الغالبية العظمى منهم تتبلّغ أحيانا بالإعلام ما يكون الجنرال «في جوّه» مع دائرة ضيقة جداً من مساعديه. يوم السبت الذي سبق لقاء معراب في 18 كانون الثاني تداول الحضور في كل شيء إلا في قيام سمير جعجع بترشيح ميشال عون والإعلان عن النقاط العشر حيث أبقى الأخير المفاجأة في «عبّه»، وهو الأمر نفسه الذي حدث بشأن «ورقة النيات». لا قرارات ولا خريطة طريق للاستحقاقات. إنه Think Tank الرابية. أهميته باهتمام عون به وبلهفته لخوض نقاشاته على مدى ساعتين، وبالحرص على عدم تأجيله حتى أيام الأعياد.
بتكليف من عون شخصياً يقوم الوزير السابق سليم جريصاتي بصياغة معظم بيانات «التكتل». هو وجان عزيز فقط يجمعان بين «خلوة السبت» و«دردشات الثلاثاء» في التكتل. جريصاتي «منظّر» الرابية القانوني «يزيدها» كثيراً حين يطلّ على المنبر، ما يحيله شاعراً في بلاط عون. هو مخترع «عماد التكتل» و «عمادُنا». «بهاراته» التي لا تغيب عن البيانات الأسبوعية تكشف عن أحد أوجه شخصيته في لقاءات الـ «ويك اند».
سليم جريصاتي الأكثر «تفلسفاً». جان عزيز الأكثر جرأة في طرح الرأي الآخر. ايلي الفرزلي هو «العوني» الى درجة المزايدة على عون نفسه. كريم بقرادوني يتكلّم اللازم وباقتضاب محاولا إيصال الفكرة من دون مطوّلات. حبيب افرام المتبرّع الدائم بقالب الكاتو في عيد ميلاد «الجنرال» والأستاذ في «قضية الأقليات» هو الأكثر تمسّكاً بضرورة العبور نحو صيغة جديدة للنظام بعكس بقرادوني الأكثر تمسّكاً بالصيغة القائمة. عبدالله بو حبيب هو بدوره أكثر من يدور في فلك طيّ صفحة الطائف. أما شامل روكز فهو الأقلّ كلاماً والأكثر استماعاً بين مجموعة المنظّرين، وأفكاره تسلك دوماً «الخط العسكري».