كتب بسام أبو زيد
طوال سنوات عملي المهني في الإعلام والصحافة لم ألحظ ما أشاهده اليوم من استشراء للفساد والصفقات، وعلى عينك يا تاجر، من دون أي خجل أو ورع أو خوف من المحاسبة.
نعم هذه هي حال الفساد في بلادي، والتي أصبحت صفة تلازم العديد من المسؤولين والقيادات ومن يدور في فلكهم. وغدت إثارة اي قضية أو فضيحة بالنسبة إلى الرأي العام مسألة خلاف على الثروة المنهوبة، وأي تسوية هي على كيفية إعادة ترتيب نهب هذه الثروة، بعدما تكاثرت الطامعون بها.
تلك هي حقيقة ما جرى ويجري في النفايات والكهرباء والانترنت وغيرها من الفضائح السابقة واللاحقة، فهي وكما يقول المثل اللبناني: “بيروح العاشق وبيجي المشتاق”. وتكمن الفضيحة الأكبر في كل هذه القضايا أن المحرض والمخطط والمنفذ معروفون، ولكنهم محميون، ولا تطالهم يد المحاسبة والقضاء.
في كل هذه الفضائح هناك مسؤولون وموظفون رسميون ضالعون فيها، وبنوا لهم مع شركاء من خارج الإدارة اللبنانية مصالح تدر عليهم ملايين الليرات والدولارات. وأسسوا سوية شركات احتكرت السوق في أكثر من مجال، بحيث أصبح لزاما على كل من يريد أن يعمل في اي قطاع من القطاعات التي تستلزم موافقة رسمية، أن يمر في شكل ملزم عبر هذه المصالح والشركات، كي يؤمن ما تحتاج إليه المشاريع التي ينوي تنفيذها. إضافة إلى ذلك، فإن هذه المافيا المتحكمة بهذا القطاع أو ذاك لا توافق على أي التزام أو تعهد إلا بموجب حصة تحصل عليها أيضا من الموازنة المخصصة لهذا المشروع.
إن منظومة الفساد في لبنان كل متكامل. وهي منظومة سيادية، بمعنى أنها تضم كل الطوائف والمذاهب وجميع الاتجاهات السياسية، وتتفق على إبقاء البلاد في حال الفوضى، وتعمل على تشويه صورة اي موظف أو جهة تحاول مكافحة هذه الآفة. والأخطر في كل ذلك، أن هذه المنظومة اشترت ضمائر العديد من المواطنين، من خلال إغرائهم بما يتبقى من فتات الصفقات، ومن خلال خدمات هي حق لهم، فتحجب عنهم كي تعطى لهم في النهاية على شكل خدمة وفرها لهم زعيم الفاسدين والصفقات.
في وثائقي عن كوريا الشمالية، كان بعض من فقد بصره وأعيد إليه بواسطة عملية جراحية، يشكرون الديكتاتور ﻷنه هو من أعاد النور إلى عيونهم وليس الطب والأطباء. وفي لبنان يريدنا غلاة الفساد والصفقات أن نشكرهم على ما يسرقونه، ليعيدوا بعضا منه للناس. ولكن هؤلاء وغيرهم ممن يفترض بهم ألا ينسوا، تناسوا أن يد السارق في بعض الأديان تقطع، وأن في الوصايا العشر وصية “لا تسرق”، وأن القانون يُفترض أن يعاقب السارق، وأن زمن المحاسبة سيحين إن لم يكن على هذه الأرض، فسيكون في دنيا الآخرة حيث لا دولارات ولا شركات ولا صفقات تنفعهم.