Site icon IMLebanon

إسرائيل لإسقاط الحدود براً للسطو على النفط بحراً

 

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “السفير”:    

لبنان على منصة التصويب الاسرائيلي من جديد.. وثروته النفطية في خطر.

فبعد فضيحة الانترنيت والأصابع الاسرائيلية التي امتدت من خلالها الى مؤسسات رسمية ومالية وأمنية، وقبلها أجهزة التجسس التي يزرعها العدو جنوباً وفي عمق الأراضي اللبنانية، وكذلك المحاولات اليومية للمس بأمن اللبنانيين، تكشفت خيوط واحد من أخطر الاستهدافات الإسرائيلية للبنان: عملية احتيالية كبرى بالشراكة ما بين اسرائيل والأمم المتحدة، للعبث بالحدود اللبنانية. أما الهدف فهو السطو على ثرواته النفطية في البحر.

واذا كانت القرصنة الاحتيالية خطوة غير مفاجئة من قبل العدو، فإن المريب هو تواطؤ الأمم المتحدة، أو بعض مستوياتها، والذي تجلى بمحاولة ترسيخ مقولة «ليس للبنان حدود برية معترف بها دوليا» بذريعة أن لبنان لم يراسلها بما يثبت حدوده البرية. وأخطر ما في هذه الشراكة الدولية محاولة إشراك جهات لبنانية لتثبيت تلك المقولة، التي قد تفتح في نهاية الأمر نافذة، قد تستغلها اسرائيل للتسلل منها الى تحقيق هدفها.

ما تكشف حول هذه القرصنة الاسرائيلية الدولية، فرض استنفارا على مستويات رسمية وسياسية مختلفة للتدقيق في مراميها، خاصة أن المعلومات التي وردت الى بعض المراجع اللبنانية – وآخرها قبل أيام قليلة – ليست مطمئنة، وخلاصتها تعمُّد اسرائيل إثارة موضوع حدود لبنان البرية. وتكشف المعلومات أن ضابطا اسرائيليا كبيرا فاجأ جهات دولية بفتح موضوع الحدود مع لبنان، وخلص الى القول «ليس بين اسرائيل ولبنان حدود برية».

مصادر رسمية لبنانية رأت ان هذه القرصنة الاسرائيلية الخطيرة تتطلب رفع مستوى الجهوزية اللبنانية للتصدي لها على كل المستويات. وتلقي ظلالا من الشك على دور الامم المتحدة وجهات لبنانية تسوق مقولة عدم وجود حدود. وترى المصادر ان اسرائيل تهدف من وراء التشكيك بالحدود البرية اللبنانية الى تحقيق هدفين:

ـ الاول، إسقاط الحدود، فتستغله لتعيد التفكير بتكرار الخروقات (18 خرقا) التي رفضها لبنان عام 2000، كما قد تستغله للقيام بخروقات اخرى تتلاءم مع متطلباتها الامنية على الحدود.

ـ الثاني، السطو على الثروة النفطية والغازية اللبنانية، فالحدود البحرية امتداد عمودي للحدود البرية، وبالتالي فإن إثارة موضوع الحدود يفتح المجال لإسرائيل للعب بالحدود البرية للبنان وحرف هذه الحدود في منطقة الناقورة، الى نقطة اخرى تمكنها من السيطرة على مساحة الـ860 كيلومترا مربعا البحرية الغنية بالنفط والغاز.

ورفضت مصادر رسمية معنية بملف الحدود، ادعاء الامم المتحدة بعدم وجود مراسلات تثبيت حدود لبنان البرية، مؤكدة لـ «السفير» ان لبنان قد يكون الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط، الذي لديه حدود دولية مرسمة ومودعة وفقا للاصول لدى الامم المتحدة.

والقول بأن لبنان لم يبلغ الامم المتحدة بحدوده البرية، مريب ومجاف للحقيقة في رأي المصادر الرسمية وتنفيه الحقائق الآتية:

– بعد إعلان المفوض السامي الفرنسي دولة لبنان الكبير (1920) تولت لجنة فرنسية بريطانية ترسيم الحدود استنادا الى اتفاقية سايكس بيكو، ووضعت 78 علامة حدودية. ورفعت تقريرها الى الحكومتين البريطانية والفرنسية، فصادقتا عليه في 17 آذار 1923، ورفعتاه الى عصبة الامم التي صادقته في العام 1934، وأبلغ لبنان بذلك. واعتبارا من ذلك التاريخ، صار للبنان حدود معترف بها دوليا مع فلسطين.

– بعد اقرار اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل في العام 1949، جرى الترسيم النهائي لخط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، من الناقورة الى تخوم مزارع شبعا. ونظمت تلك الحدود في كتيبات مرسومة ومفصلة على ثلاث نسخ، سلمت نسخ منها الى لبنان واسرائيل والامم المتحدة. واستنادا الى هذا الترسيم والى الخرائط الفرنسية المسلمة الى الجيش اللبناني من الانتداب الفرنسي، نظمت الخرائط الرسمية العسكرية وبإحداثيات تصل دقتها حتى الى بضعة سنتيمترات، وأودعت نسخ عن هذه الخرائط لدى الامم المتحدة. وبناء عليه شكلت الامم المتحدة لجنة مراقبة منذ العام 1949، مهمتها مراقبة أي خرق على خط الحدود الدولية.

– القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن الدولي 425 و509 520 التي نصت كلها على وجود «حدود لبنان المعترف بها دوليا». وكذلك مسودة اتفاق 17 ايار الذي لم يدخل حيز التتفيذ، والتي نصت بوضوح على انسحاب اسرائيل الى ما بعد حدود لبنان المعترف بها دوليا.

– قرار اسرائيل الانسحاب من لبنان في العام 2000، وفقا للقرار 425 أي الى الحدود اللبنانية المعترف بها دوليا.

– ما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان غداة القرار الاسرائيلي بأن الحدود الدولية بين لبنان واسرائيل هي تلك المعتمدة استنادا الى اتفاق 1923، بين فرنسا وبريطانيا.. وان هذا الخط قد أعيد تأكيده ضمن اتفاقية الهدنة المعقودة بين لبنان واسرائيل في 23 آذار 1949».

هنا تروي مصادر سياسية معنية ما تسميها «حكاية انتزاع الحدود والحقوق»، وتشير الى ان ما بين إعلان الانسحاب الاسرئيلي وتقرير انان، والانسحاب في 25 ايار، خاض لبنان حربين: «حرب الاجتماعات» و «حرب تثبيت الحدود».

تقول المصادر «في تلك الفترة عين تيري رود لارسن مندوبا عن الامين العام للإشراف على التنفيذ. وعين اللواء جميل السيد رئيسا للفريق العسكري المفاوض عن الدولة اللبنانية في مواجهة لارسن. ومن بعدها عقدت اجتماعات في مكتب السيد مع فريق الخرائط الدولي. وخلال هذه الاجتماعات، فوجئ لبنان بإعلان خبير الخرائط لدى الامم المتحدة «بنتر» PENTHER بأن حدود لبنان مع اسرائيل ليست مؤكدة، فجوبه بالمستندات الثبوتية، وكتيّب خط الهدنة 1949، فكشف ان اسرائيل رفضت تقديم أية مستندات أو خرائط، وكتيب خط الهدنة فقدته الامم المتحدة جراء تسريب مياه حصل فيها. فسارع لبنان الى تقديم المستندات معتبرا ذلك مناورة غايتها التشكيك بالحدود الدولية اللبنانية.

وبنتيجة هذه الاجتماعات، بحسب المصادر، رضخت الامم المتحدة للموقف والمستندات اللبنانية، لكن انان، تعرض لضغط اسرائيلي أميركي لتمكين اسرائيل من وضع اليد على بعض التلال المشرفة على فلسطين المحتلة. فابتدع عبارة «خط انسحاب» لتثبيت الانسحاب الاسرائيلي، فرد لبنان برسالة رسمية الى انان تؤكد عدم إمكان تأكيد الانسحاب إلا على أساس الحدود المعترف بها دوليا، وليس على أساس خط وهمي غير موجود، يسمى خط الانسحاب.

وتضيف: وبعد «حرب الاجتماعات» هذه تم الانتقال الى التنفيذ العملي والإشراف على الانسحاب الاسرائيلي، فتبين للجانب اللبناني الممثل باللواء السيد والعميد أمين حطيط ان لارسن يحاول أن يقيم خط انسحاب متطابقا في مجمله مع الحدود اللبنانية، لكنه تضمن ثمانية عشر خرقا تمكن اسرائيل من السيطرة على نقاط حيوية وحساسة في الأراضي اللبنانية المشرفة على فلسطين المحتلة.

هنا بدأت «حرب تثبيت الحدود»، واستطاع خلالها لبنان إزالة الخروقات التي حاولت اسرائيل تمريرها عبر الأمم المتحدة باستثناء ثلاثة خروقات تحفظ عليها لبنان. بحيث ان خط الانسحاب تطابق فيها مع الحدود الدولية وأقام لبنان الى جانب ذلك الخط في تلك النقاط الثلاث شريطا شائكا آخر بعمق عشرات الأمتار، لمنع الدخول الى تلك البقعة بما فيها الجانب الاسرائيلي، وبما فيها ايضا منطقة الغجر التي أصبحت قسمين، ما هو منها داخل الاراضي اللبناني لا يستطيع الاسرائيلي أن يدخل اليه عسكريا. ودوّن ذلك رسميا بمحاضر.

أما في ما خص مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وصولا الى أعالي الجولان المحتل، فتشير المصادر الى التباس بقي في منطقة المزارع التي تدّعي اسرائيل انها تابعة لسوريا فيما يعتبرها لبنان مشتركة بينه وبين سوريا، علما ان آخر اجتماع حصل بين ممثلي الدولتين اللبنانية والسورية عقد قبل حرب العام 1967، اتفق خلاله بوضوح على أن الحدود الدولية في تلك المنطقة هي الحدود التي تصل اليها الملكيات العقارية في كلا البلدين، علما ان الملكيات العقارية اللبنانية مسجلة في الدوائر العقارية في صيدا.

وتلفت الانتباه الى ان لبنان أبرز تلك المستندات آنذاك لكن الجانب الاسرائيلي مدعوما بلارسن رفض الانسحاب منها بحجة عدم وجود خرائط نهائية بين لبنان وسوريا في تلك البقعة، وان الامم المتحدة تعتبرها ضمن نطاق عمل الاندوف في الجولان. عندها عرض اللواء السيد على لارسن تقديم خريطة حدودية لمزارع شبعا يوقع عليها الجانبان اللبناني والسوري، بحيث تخلي اسرائيل الجانب اللبناني فوافق لارسن على الموضوع، ولكن حين جهزت الخريطة المذكورة ووافق الجانب السوري بوضع توقيعه عليها، عاد لارسن وأبلغ الجانب اللبناني بأن اسرائيل ترفض قطعيا الانسحاب منها.