ديفيد كراو
في ربيع عام 2014، بينما كانت صناعة الأدوية خاضعة لموجة محمومة من إبرام الصفقات، اجتمع التنفيذيون من شركة فايزر في عشاء عمل مع نظرائهم في “فاليانت”، الشركة الأسرع نموا في هذا القطاع.
وفي مرحلة ما خلال تناول العشاء، أثار التنفيذيون من شركة فايزر، ثاني أكبر مجموعة للمستحضرات الدوائية في العالم، فكرة شراء الشركة الكندية، وفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات. في ذلك الوقت، كان مايك بيرسون، الرئيس التنفيذي لشركة فاليانت، يحظى باستحسان بسبب فترة نمو عاشتها الشركة لمدة أربع سنوات ارتفعت خلالها قيمتها السوقية أربعة أضعاف تقريبا.
يقول أشخاص مقربون لشركة فايزر إن المناقشات كانت مبدئية، لكنها كانت جادة بما فيه الكفاية لتبرر أخذها في الحسبان من قبل مجلس إدارة شركة فاليانت. بعض أعضاء مجلس الإدارة والمساهمين، وفي معرض حديثهم حول النمو السريع الذي تم خلال فترة قيادة الرئيس بيرسون، كان لديهم اعتقاد أن وقت البيع قد حان، في الوقت الذي كانوا فيه يتقدمون إلى الأمام. ولو أنهم فعلوا، لكانت قصة شركة فاليانت مختلفة تماما.
بدلا من ذلك، وبعد مضي عامين فقط، تجد فاليانت نفسها تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. انهارت أسهمها بعد أن كشفت الشركة عن مخالفات محاسبية، وحذرت من تعثر محتمل في التزامات ديونها البالغة 30 مليار دولار، وكشفت أنها تخضع لتحقيق من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.
خسر المستثمرون المليارات. بيل آكمان، قطب صناديق التحوط الذي يعد أحد أكبر المساهمين في الشركة، تكبد خسائر نقدية تجاوزت مليار دولار في أسهمه في الشركة في يوم واحد من هذا الشهر. وانخفض بيرشينج سكوير، صندوق التحوط التابع لآكمان، بنسبة 25 في المائة تقريبا حتى الآن من هذا العام، في جزء كبير منه بسبب رهانه الكبير على تلك الشركة المصنعة للعقاقير.
في الأسبوع الماضي، دفع بيرسون وظيفته ثمنا لهذه الأزمة. يقول ديفيد ماريس، من ويلز فارجو، وهو واحد من عدد قليل من المحللين ممن كانوا ينصحون المستثمرين ببيع أسهمهم في شركة فاليانت: “على الشركة الآن أن تعاني عواقب أفعالها. لقد طُنطِن لها كنوع جديد من الشركات، بنوع جديد من الرؤساء التنفيذيين، لكن بالنسبة لي، كانت تبدو دائما كطفل من عصر الثمانينيات – تقتني الأصول، ومن ثم تفكيكها وبيعها”.
عارض بيرسون فكرة بيع الشركة في عام 2014، وفقا لشخص مطلع على القضية، وبدلا من ذلك ركز طاقاته على محاولة غير موفقة لشراء “أليرجان”، الشركة المصنعة للبوتوكس. عندما فشل ذلك المسعى، حول انتباهه إلى صفقات أخرى وحصل على مزيد من الديون لتمويلها.
ولفترة من الوقت، تم تبرير القرار الذي اتخذه بعدم البيع: في الصيف الماضي، بلغت الشركة قيمة سوقية تصل تقريبا إلى 90 مليار دولار، أكثر من قيمة بعض الأسماء المعروفة والمشهورة في قطاع المستحضرات الصيدلانية، مثل شركة جلاسكو سميث كلاين، ونحو ضعف المستوى الذي وصلت إليه عندما كانت تجري محادثات مع فايزر.
تطبيق النظريات
في شركة فاليانت، كان بيرسون قادرا على تنفيذ النظريات التي شحذها خلال سنوات عمله التي امتدت 23 عاما مستشارا إداريا في شركة ماكينزي، حيث كان بانتظام يقدم المشورة لمجموعات كبيرة مختصة بالرعاية الصحية. كانت القواعد بسيطة: شراء الشركات المنافسة، وخفض ميزانية البحوث، ورفع سعر الأدوية لديها، وطرد العلماء منها، ومن ثم إعادة الكرة مرة أخرى.
يستذكر أحد التنفيذيين في شركة أمريكية كبرى لتصنيع الأدوية، أن بيرسون كان يعبر أحيانا عن إحباطه من أن الشركات لا تتبع النصح الذي يقدمه لها: “اعتدنا على وجود مايك لدينا هنا في الشركة طوال الوقت”.
عندما سنحت له الفرصة لتنفيذ الاستراتيجية على أرض الواقع، بدا الأمر وكأنه كان على حق طوال الوقت. يقول بعض التنفيذيين في مجال صناعة الأدوية إن المستثمرين لديهم بدأوا في التساؤل عما إذا كان ينبغي لهم أن يكونوا أشبه بفاليانت.
بالاستفادة من التجارب السابقة، يقول عدد من كبار المستثمرين في شركة فاليانت إنهم دائما ما كانت تراودهم الشكوك. يقول أحد كبار المساهمين: “كانت فاليانت واحدة من تلك الشركات التي تعلم أن شيئا ما فيها سيصاب بالاختلال، لكن ينبغي لك الانتظار حتى يسوء الأداء قبل أن تتمكن من التدخل والتصرف”.
مع ذلك بالنسبة للآخرين، بدت الشركة كما لو أنها كانت حلم وول ستريت الذي تحقق. فكثير من كبار موظفيها، شأنهم في ذلك شأن الرئيس التنفيذي، جاءوا من شركة ماكينزي، في حين أمضى هوارد شيلر، كبير الإداريين الماليين من عام 2011 حتى الصيف الماضي، 25 عاما مصرفيا استثماريا في جولدمان ساكس. واثنان من أبرز المستثمرين النشطاء -جيف أوبن، من شركة فاليو أكت، وبيرشينج سكوير- من بين المستثمرين فيها.
وفي الوقت الذي توسعت فيه شركة فاليانت، أصبحت روابطها مع وول ستريت أقوى. بدءا من عام 2013 ولدت الشركة ما يقارب 400 مليون دولار من الرسوم لصالح المصرفيين الاستثماريين، ما أدى بالمحللين إلى إنتاج بحوث تسدي النصح والإرشاد للمستثمرين لاقتناص فرصة الحصول على أسهم الشركة.
لكن الصيف الماضي كان بمثابة نهاية للأوقات السعيدة. بدأ البائعون على المكشوف، الذين يجنون أرباحا من خلال خفض أسهم الشركة، يتساءلون عن الوضع المالي في شركة فاليانت، وعما إذا كانت فاليانت هي “إنرون، الجزء الثاني” -إشارة إلى شركة الطاقة التي شهدت عمليات غش كبيرة- في الوقت الذي انتقد فيه رجال السياسة “تلاعبها” بالعملاء من خلال ارتفاعات كبيرة في أسعار أدويتها.
انتبه البائعون على المكشوف لعلاقة الشركة المصنعة للأدوية مع فيليدور، سلسلة صيدليات الطلب عبر البريد التي سيطرت عليها فاليانت من خلال اتفاقية خيارات بقيمة 100 مليون دولار أبقتها مخفية عن المستثمرين. أنكرت الشركة ارتكابها لأي خطأ، لكنها اعترفت منذ ذلك الحين بأنها سجلت (بشكل غير صحيح محاسبيا) نحو 80 مليون دولار من المبيعات التي تمت عن طريق الصيدليات.
حجزت فاليانت المبيعات عندما تم تسليم منتجاتها إلى فيليدور، بدلا من أن تنتظر حتى يتم تسليم الأدوية إلى المرضى، كما كان ينبغي أن يحصل. وما زاد تعقيد الأمور، حساب مزدوج لبعض الإيرادات عندما بيعت المنتجات إلى العملاء.
يعتبر مبلغ الـ80 مليون دولار رقما ضئيلا نسبيا في سياق الإيرادات التي بلغت 2.8 مليار دولار التي حققتها فاليانت خلال الربع الرابع من العام الماضي، لكن على حد تعبير أحد كبار المستثمرين: “الأمر ليس في حجم الدولارات -عندما تمارس الإدارة عملا كهذا، ينبغي لك التخلي عنها”. فتحت السلطات الأمريكية، بما في ذلك لجنة الأوراق المالية والبورصات الادعاء في اثنتين من الولايات، تحقيقات في قضية الشركة.
نهاية عصر
خلال فترة عيد الميلاد، نقل بيرسون إلى المستشفى بسبب تعرضه لالتهاب رئوي. تولى المنصب شيلر، المدير المالي الأسبق، وقال الأصدقاء إنه كان يأمل أن يتمكن من تأمين المنصب بشكل دائم. لكن بعد مرور شهرين على إجازته المرضية، وكثير من المماطلة فيما بين أعضاء مجلس إدارة فاليانت حول إمكانية إعادته إلى المنصب، عاد بيرسون إلى الشركة هذا الشهر.
استغرق التحقيق الداخلي في قضية فيليدور وقتا أطول مما كان متوقعا، ما منع المجموعة من تقديم بيان الأرباح السنوي إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات. ألغى بيرسون بيان الأرباح الذي كان قد تأخر في الأصل مرتين، وألغى كذلك أهداف الربح للمرة الثانية خلال خمسة أشهر وحاول التخطيط من أجل عودة الشركة.
وكما هي العادة في الفصل الثاني من الأحداث، كانت التطورات كارثية تماما. خلال إجراء مكالمة جماعية مع المحللين والمستثمرين قبل أسبوعين – أول ظهور علني لبيرسون منذ عودته – أثارت فاليانت احتمال أن الشركة قد تصاب بالعجز عن الوفاء بالتزامات ديونها، وأفسدت إطلاق أهداف ربح جديدة أقل، واعترفت بأن أداء عديد من الوكالات الرئيسة كان سيئا. وخسرت أسهمها 50 في المائة من قيمتها في يوم واحد.
بهذا التصريح، انتهى أمر بيرسون. يقول أحد كبار المساهمين: “لقد كان الرئيس التنفيذي للشركة على رأس أحداث أدت إلى فقدان تام للثقة. كان لا بد لمايك أن يذهب”.
حاولت فاليانت البدء من جديد من قبل، لكنها لم تحاول اتخاذ خطوة حاسمة كالتي أقدمت عليها الأسبوع الماضي. إضافة إلى الإعلان عن تعيين آكمان عضوا في مجلس الإدارة ورحيل بيرسون، الذي يبقى في منصبه خاليا الآن خلال فترة البحث عن خلف له، ألقت الشركة باللوم على “تصرفات شيلر غير اللائقة” حين كان يشغل منصب كبير الإداريين الماليين في إحداث مشاكل محاسبية.
كان شيلر مصدوما بهذا الاتهام العلني، وفقا لأشخاص مقربين منه، لكنه رد على الادعاءات بلهجة إنكار حادة. وكان قد قاوم مطالبات من أعضاء في مجلس إدارة بالاستقالة من مقعده في مجلس الإدارة.
محاولة إخراجه هي في جزء منها صراع بين فاليانت ومراجع حساباتها، شركة برايس ووترهاوس كوبرز، المترددة في توقيع الحسابات السنوية حتى يتم إلقاء اللوم على أحدهم في التسبب في تقديم أرقام خاطئة، وفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات. ونظرا لأن فاليانت أخطأت في بيانها للأرباح على مدى ربعين منفصلين، هناك سلسلة من البيانات المالية التي “ينبغي ألا يتم الاعتماد عليها بعد الآن” بحسب الشركة – والعديد منها يحمل ختم الموافقة من برايس ووترهاوس.
وما لم تقدم فاليانت التقرير السنوي بحلول نهاية الشهر المقبل، يستطيع مقرضوها اعتبار أنها مصابة بعجز في تسديد جزء من ديونها. تقول الشركة إنها واثقة أن بإمكانها الوفاء قبل الموعد النهائي، لكنها لا تزال تسعى للحصول على تنازل من البنوك. ويقول الدائنون إنهم من المرجح أن يقدموا تنازلا واحدا، لأنه ليس لديهم حافز يذكر للاستمرار.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة كان تنصل الشركة من ثقافتها القوية التي تتسم بالإصرار. قالت فاليانت إن “اللهجة المستخدمة من قبل كبار الموظفين لديها” و”البيئة المستندة إلى الأداء” مع الأهداف المرتبطة بالدفع “ربما كانت عوامل أسهمت في الاعتراف غير اللائق بالأرباح”.
لقد كان اعترافا مذهلا بالنسبة لشركة كانت قد أشادت بخطة التعويض لديها بوصفها واحدة من أفضل الأمثلة على التوفيق بين مصالح الرئيس التنفيذي ومصالح المساهمين. وكانت شركة فاليو آكت، صندوق التحوط الذي ساعد في تصميم المخطط، قد تفاخرت مرارا وتكرارا بمشاركتها. وخلال العام الماضي، انخفض صافي ثروة بيرسون، التي تتألف في معظمها من أسهم فاليانت، من أكثر من مليار دولار إلى نحو 175 مليون دولار.
بعد “التعديل” الذي أجري في الأسبوع الماضي، سجلت الأسهم في فاليانت صعودا، لكنها تخلت عن مكاسبها أمس الأول بعد أنباء عن استدعاء بيرسون للمثول أمام لجنة لمجلس الشيوخ بخصوص قضية تسعير الأدوية. صعود الأسهم هذا أعطى بعض المستثمرين أملا بأن المرحلة السيئة قد انتهت، رغم أن قيمة حقوق ملكية الشركة البالغة 9.1 مليار دولار تعادل تقريبا عشر قيمتها في الصيف الماضي. ويجادل مؤيدو فاليانت بأنه سيكون من السهل نسبيا إيجاد رئيس تنفيذي جديد، في الوقت الذي اقترب فيه الانتهاء من التحقيق في قضية فيليدور ولم يتم الكشف بعد عن مشاكل أخرى. يقول أحد المستثمرين: “إنه حل سهل”.
المغالطة القياسية
مع ذلك، حتى وإن وجدت فاليانت رئيسا تنفيذيا جديدا وقدمت ملفات حسابات خاضعة للمراجعة مع الجهات المنظمة في الوقت المحدد، يقول كثيرون إنها لا تزال تواجه أزمة وجودية.
يقول ماريس، مشيرا إلى اعتقاد فاليانت أن بإمكانها النجاح في مجال الأدوية دون العثور على أدوية جديدة: “المشكلة هي أن الشركة بأكملها مبنية على مغالطة قياسية في المنطق. أن تخبر شركة أدوية بعدم الاستثمار في البحوث لأن ذلك قد يكون غير مربح بالنسبة لها هو بمثابة إخبار شركة تنقيب عن النفط بعدم إهدار وقتها في الحفر والتنقيب”. ويضيف ماريس أن كثيرا من الحيل في جعبة بيرسون لم تعد فاعلة. والشركة، التي تئن الآن تحت ثقل ديونها، ستكون غير قادرة على الشروع في موجة صفقات أخرى، في الوقت الذي أصبح فيه رفع أسعار الأدوية (بالمقدار الذي اعتادت الاعتماد عليه) مستحيلا الآن من الناحية السياسية. وبامتناعها عن الاستثمار في بحوثها الداخلية، لن تكون هناك أدوية جديدة لتنتجها.
الأمر الأكثر إلحاحا هو مبلغ القروض والسندات المستحقة لدى فاليانت، البالغ 30 مليار دولار، الذي يجعل الرسملة السوقية للشركة لا تذكر. بعيدا عن القضية الملحة المتمثلة في حدوث إعسار فني، لدى الشركة مخطط زمني مؤلم للسداد خلال السنوات المقبلة. في عام 2018 سيتعين عليها تسديد نحو 4.5 مليار دولار، ترتفع إلى 8.4 مليار دولار في عام 2020.
يقول جيم سانفورد، وهو مدير محفظة في شركة ساج هاربر الاستشارية: “أصحاب السندات هم الذين يمسكون بجميع الأوراق الآن. الأمر لا يتعلق فقط بتجنب حدوث إعسار فني – بل يتعين عليهم البدء ببيع الأشياء على نحو يخفض الأرباح فقط للوفاء بمتطلبات الديون لديهم”.
في الوقت الذي يقر فيه أكبر المنتقدين لفاليانت أنها ليست قضية إنرون أخرى – أدويتها ما زالت توصف بأعداد كبيرة – لا يشكل هذا عزاء يذكر لدى المساهمين الذين خسروا المليارات.
ديفيد بايوت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أليرجان، يقارن وضع شركة فاليانت ليس مع إنرون بل مع تايكو، شركة الأنظمة الأمنية التي انهارت بعد موجة شراء امتدت لعقد من الزمن. قدَّم المقارنة في البداية في الوقت الذي كان يصد فيه محاولة عدائية من شركة فاليانت. يقول بايوت الآن: “أعتقد أن التشبيه بتايكو أفضل بكثير. يجري تغليف معظم أجزائها في قطع من أجل بيعها، وكل ما يتبقى غير لازم”.