كتبت ربى منذر في “الجمهورية”:
بقلّة مسؤولية وحياء، يختار البعض إطلاق الرصاص في الهواء للتعبير عن سخطه أو بهجته في القرن الـ21. فيما يعتبر أهل الضحايا الأبرياء والمواطنون أنّ “الدولة في سباتها العميق”، تسمح بالقتل غير المقصود، فلا يُحاسَب المجرم، وقد يعاود ارتكابَ جريمته ويزهد بأرواح جديدة “على عينك يا تاجر”. بالأمس قُتلت الطفلة باتينا رعيدي (8 سنوات) نتيجة رصاص طائش أُطلق في إحدى الجنازات المجاورة لمنزلها حسب بعض شهود العيان، لم يهتم مطلقو النار للاتجاه الذي قد تذهب به رصاصاتهم، فهم يحسبون أنهم في غابة لا حسيبَ فيها ولا رقيب، واللائحة في هذا الإطار تطول ويتنوّع ضحايا التفلت العشائري الذي لا يعرف عمراً أو جنساً أو طائفة أو حزباً، فالجميع مهدّد ولا أحدَ يعلم متى تقع القرعة عليه، والجريمة عندما تحصل تندرج بكلّ وقاحة في خانة “القضاء والقدر”.
القانون اللبناني بدوره، وإن بقي أحياناً حبراً على ورق، يحاسب كلّ مَن يطلق النار في الأماكن الآهلة أو بين حشد من الناس، سواءٌ كان من سلاح مرخص أو غير مرخص، لكن من جهة عدم احترامه فحدّث ولا حرج، لأنً أحداً لا يأبى للعقوبة التي يُفترض أن تُنفّذ وهي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إضافة إلى الغرامة ومصادرة السلاح، على اعتبار أنّ الدولة لن تقبض عليه، خصوصاً إن حصلت الجريمة وتعدّد المشتبه بهم.
بين الأفراح والجنازات مروراً بخطابات الزعماء وإطلالاتهم التلفزيونية، وصولاً الى النجاح في الشهادات الرسمية، تتعدّد المناسبات التي يُتاح فيها “القتل الشرعي”، وقضية مقتل باتينا تفتح العيون على هذه الظاهرة، فهل تنقص اللبنانيين طريقة جديدة للموت؟
مصادر أمنية توضح لـ”الجمهورية” أنّ “الدولة تلاحق الأشخاص المشتبه بإطلاقهم النار والتسبّب بمقتل الطفلة باتينا، وهم خمسة حتى الآن، وفي حالاتٍ سابقة تمّ التأكد من بعض الأشخاص ومحاسبتهم”. وتؤكد أنّ “مطلقي النار جميعهم مسؤولون عن مقتل الطفلة وإن كانت رصاصة واحدة هي التي أودت بحياتها”، مشيرةً الى أنه “بإمكاننا معرفة مَن قتلها تحديداً من خلال تحقيقاتنا والطرق التي نتبعها”.
وتلفت المصادر الى أنّ “بين الموقوفين كلّ يوم، أشخاصاً متهمون بجرم إطلاق النار”، منبهةً من “عدم الاستخفاف بهذا الجرم إذ إنّ مرتكبيه يُحاسَبون ولو أنّ الإعلام لا يضيء دائماً على توقيفهم”، معتبرةً أنّ “هذه القضية ليست عملية تطبيق قانون بقدر ما هي ظاهرة مَرَضية بحاجة لعمل على صعيد المجتمع، فإلى جانب الدولة، التربية المنزلية مسؤولة عنها، والبلديات إضافة الى المجتمع المدني، فالناس يعتبرون أنهم يكرّمون الإنسان من خلال إطلاق النار من أجله، وهذا عمل همجي، ولمحاربته يجب قبل كلّ شيء إصلاح عقلية المواطنين”.
في هذا الإطار يقع اللوم بالتأكيد على الدولة التي جعلت من التفلّت الأمني جزءاً من يوميات المواطنين، لكن في المقابل مثلما ينشأ أولاد على ألعاب قد تنمّي مواهبهم، ينشأ آخرون على ألعاب عنيفة ترتدّ بشكلٍ مؤكد على مستقبلهم، وفيما يتربّى البعض على التعبير عن مشاعره بالرسم أو الموسيقى أو الكتابة أو الشعر، يلجأ البعض الآخر للتعبير عما يشعر به بالطرق العنيفة، والتي يُعتبر إطلاق الرصاص أحد أشكالها، إذ بات هذا التعبير جزءاً من المنظومة الفكرية لدى الشعب اللبناني التي تميل فطرياً نحو العنف، أما الأسوأ في هذا الملف بحسب مصادر قانونية فهو أنّ “مطلقي النار وإن أُدخلوا الى السجن يخرجون منه بعد يومين، وهذا ما لا يخيفهم من القيام بهذه العادة الخطيرة”.
إذاً هل سيرتقي بعض من اللبنانيين الى رتبة “إنسان” ويوقفوا تصرّفاتهم العشائرية؟