ذكرت صحيفة “النهار” أنه قد تكون الهواجس التي تثيرها بعض القوى حيال وجود نية مبطنة لدى الغرب لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان في محلها، ولها ما يبررها خصوصا في ظل الكلام عن مشروع تقسيم سوريا من ضمن مشروع متكامل لتقسيم المنطقة، وما يعنيه من تغيير ديموغرافي مذهبي سيكون للبنان حصة فيه. وان يتم ربط الدعم الدولي بهذا المشروع له ما يفسره، ولكن أن يرفض لبنان الدعم بسبب وجود مثل هذه النية ليس له ما يبرره لسببين: الاول أن لبنان في أمس الحاجة الى الدعم المشار إليه تحصينا لصموده وتماسك اقتصاده ومجتمعه في وجه التداعيات السلبية للجوء، وخصوصا أن هذا الدعم قد يعوض بعضا مما خسره لبنان جراء فتح حدوده أمام اللاجئين، والثاني إن التخوف من التوطين يجب أن يكون مستندا إلى إثباتات ووثائق تؤكد جدية هذا المشروع، وإذا كان حصل نقاش في شأنه مع السلطات اللبنانية.
وإذا كان السوريون اللاجئون اليوم إلى لبنان يستجيبون لرغبة الغرب في البقاء في لبنان وعدم العودة الى بلادهم متى استعادت أمنها واستقرارها وحاجتها إلى سواعدهم (باعتبار أن غالبية القوى السورية العاملة في لبنان تتوزع على قطاعي الزراعة والبناء). ذلك ان قرار التوطين لا يمكن ان يكون دوليا وأن يطبق من دون أن يقابله تجاوب من السوريين واللبنانيين الذين تعود اليهم الكلمة الفصل في هذا الشأن.
يبدو رئيس الحكومة منزعجا جدا من إدارة السياسة الخارجية للبنان، القائمة على منطلقات انتخابية ومزايدات سياسية، ويرى انه “من المعيب للبنان ان يطلب المساعدة لتحمل عبء النازحين، ثم نشكك في نيات حاملها وننتقده”. وهذا الكلام يستدعي التذكير بورقة لبنان الرسمية الى مؤتمر لندن التي كان لوزارة الخارجية حيز مهم منها من خلال المقترح الذي تقدم به باسيل وتبنته الحكومة في الورقة، ويتعلق بمشروع “STEP” الذي يطلب تمويلا دوليا للمساعدة على إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة الحجم لدعم الاقتصاد تشترط توظيف 60 في المئة من اللاجئين، في مقابل 40 في المئة من اللبنانيين لعقود تمتد ثلاث سنوات، على ان يودع الموظفون السوريون 8 في المئة من رواتبهم في حسابات خاصة لا يتم سحبها الا عند المغادرة. ويبلغ الدعم المطلوب على شكل هبات لهذا المشروع 280 مليون دولار على مدى 5 سنوات، منها 60 مليوناً للسنة المقبلة.
وفي رأي مصادر سياسية أن مثل هذا المشروع، الذي يؤمن الاقامة للسوريين لثلاث سنوات على الاقل، يناقض مخاوف باسيل – صاحب المشروع – من التوطين. علما ان هذه المصادر تؤكد أن خطة الحكومة الرامية الى تأمين التعليم وفرص العمل للسوريين تهدف الى منع هؤلاء من التفلت في الشوارع كما هو حاصل حاليا، والتسبب بأعمال مسيئة الى الأمن والاستقرار في البلاد، في ظل معطيات حكومية تشير الى أن 30 في المئة من الجريمة في لبنان أبطالها سوريون.
وعليه، يسأل سلام محدثيه: “هل لدى أحد فكرة او مقترح لإبعاد التوطين إذا وُجد؟ وهل المطلوب ان نترك السوريين بلا فرص عمل يرتزقون منها او بلا علم حتى لا يقال إننا نوطن؟”.
بموازاة ذلك، نقلت صحيفة “السفير” عن مصادر تابعة للأمم المتحدة تأكيدها أن الرفض الدولي للاتفاق الأوروبي – التركي الخاص بإعادة اللاجئين غير الشرعيين واستبدالهم من شأنه تعزيز جهود تلك الدول لتوطينهم في لبنان أو تركهم لمصيرهم البائس.
وتعتبر المصادر أن “لبنان يدفع ثمن تأخره في إدارة الملف وأن الوقت قد تأخر كثيراً للتخلّص أو حتى لتقليص آثار اللجوء السوري على لبنان، خصوصاً أن الدول الغربية لا سيما الأوروبية تظهر تمنعاً شديداً في استقبال اللاجئين، باستثناء القليل الذي يحفظ لها ماء الوجه خصوصاً بعد تفجيرات باريس وبروكسل”.
وترى المصادر نفسها أنه “حتى لو وفت الدول بوعودها المالية تجاه لبنان في ما خصّ هذه المسألة، ستبقى هذه الوعود أكبر من قدرة لبنان على تحمّلها”. وتلمح إلى أن توطين أعداد من السوريين واقع لا محالة، مقابل حملة إنقاذ اقتصادية أمنية سيحتاجها لبنان في الأيام المقبلة.
تصدرت أزمة النازحين والمخاوف من محاولات توطينهم في لبنان، الاجتماع الذي جمع القائم بأعمال السفارة الأميركية في لبنان السفير ريتشارد جونز، ووزير الخارجية جبران باسيل.
وبعد اللقاء قال جونز انه أطلع باسيل “على القمة التي ستعقد في الولايات المتحدة الأميركية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل. وشرحت له الغاية من تنظيم مثل هذه القمة للتشجيع على إمداد اللاجئين بالمزيد من الدعم. وكانت لنا جولة أفق حول مواضيع متعلقة بالنازحين السوريين في لبنان، وإمكانية العمل والإقامة وسواها”.
وقال ردا على سؤال عما إذا كانت بلاده مستعدة لتقاسم أعدادهم مع لبنان: “لقد نظمنا مقابلات لعدد من اللاجئين، وتم قبولهم في السفارة الأميركية في لبنان، وننتظر الموافقة النهائية من واشنطن، لكن نظرا لعائق المكان، فإن عدد المقابلات محدود. وباشرنا أيضا بمثل هذه الخطوة في دول أخرى حيث الوتيرة أسرع كوننا هنا محكومين بضيق المساحة”.
تقرير “أوكسفام”
أصدرت “منظمة أوكسفام” تقريراً جديداً يظهر عدم إيفاء عدد كبير من الدول المتقدّمة بوعودها في ما خصّ استضافة اللاجئين السوريين. وأتى ذلك عشية انعقاد الاجتماع الذي دعت إليه “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” للبحث في تقاسم المجتمع الدولي المسؤولية تجاه السوريين. وقد افتتحه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في جنيف أمس.
وعبّرت “اوكسفام” من خلال التقرير عن أن الاستجابة المتنامية لإعادة توطين اللاجئين الأشدّ عرضة ظلّت مخيبة للآمال، معوّلة على اجتماع جنيف لتغيير المسار. ولفتت إلى أن المفوضية أعلنت أن هناك 481220 لاجئا سوريا، هم أكثر عرضة، وبحاجة إلى إعادة توطين بحلول نهاية 2016. وهم يشكلون 10 في المئة من مجمل أعداد اللاجئين السوريين، بينما تتكفل دول الجوار بغالبيتهم، أي بنحو 5 ملايين لاجئ.
ولفتت المنظمة من خلال جدول عام، إلى ان غالبية الدول المتقدّمة لم تستقبل أكثر من 50 في المئة من العدد المتوجّب أن تستقبله من النازحين، وفق ما أسمته الحصّة العادلة، وهي: النمسا (47 %)، بلجيكا (28 %)، تشيكيا (3 %)، الدنمارك (15 %)، فرنسا (4 %)، إيرلندا (41 %)، إيطاليا (7 %)، اللوكسمبورغ (16 %)، هولندا (7 %)، بولندا (10 %)، البرتغال (2 %)، إسبانيا (6 %)، سويسرا (41 %)، بريطانيا (22 %) والولايات المتحدة الأميركية (7 %). في حين بلغت استضافة كل من اليابان، كوريا، سلوفاكيا وحتى روسيا التي تدخّلت عسكرياً في سوريا، الصفر في المئة.
في المقابل، استقبلت استراليا 64 % من مجمل عدد اللاجئين الذي يجب أن تستقبله، وفنلندا 85 %، وإيسلندا 63 %، ونيوزيلندا 60 % ومثلها السويد. بينما استقبلت بعض الدول أكثر من حجم الحصّة المتوجبّة عليها فأتت نسبة اللاجئين من حصّة كندا 239 %، ومن حصّة ألمانيا 114 % ومن حصّة النروج 249 %.
وكشفت “اوكسفام” أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد وعد بإعادة توطين 10 آلاف لاجئ سوري بين تشرين الأول 2015 وأيلول 2016، ولكن ومع انقضاء نصف المهلة الزمنية لم تستقبل أميركا سوى ألف لاجئ. وكانت قد استقبلت أقل من 3 آلاف منذ العام 2013.
ووفق أرقام المنظمة، تمت إعادة توطين 1.39 % من مجمل أعداد اللاجئين السوريين والتي تناهز 5 ملايين لاجئ منذ العام 2013. وفي حين تطالب المنظمات بإعادة توطين 10 % منهم كحدّ ادنى أي نحو 480 ألف لاجئ، وعدت الدول المتقدّمة مجتمعة بإعادة توطين 129966 لاجئا أي 27 % فقط من العدد المطلوب أساساً كحدّ أدنى. واللافت أن 67 ألفا منهم فقط، بلغ وجهته النهائية.
وإذ ترفض “أوكسفام” الاتفاق التركي ـ الاوروبي معتبرة إياه نوعاً من مبادلة البشر بالتنازلات السياسية، تشدّد على أهمية إعداد برامج إعادة التوطين المبنية على المنح أو التوظيف.