كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يعود الهدوء تدريجيا إلى مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين الواقع في منطقة صيدا جنوب البلاد بعد التوتر الأمني الذي شهده بعيد سقوط قتيلين مطلع الأسبوع نتيجة للصراع المستمر بين حركة “فتح” وفصيل “تجمع الشباب المسلم” المتشدد. ورغم الجهود المتواصلة للفصائل الفلسطينية لضبط الوضع داخل المخيم الذي يستضيف 120 ألف شخص يعيشون في كيلومتر مربع واحد٬ فإن تفلت السلاح فيه كما في معظم المخيمات الأخرى المنتشرة على الأراضي اللبنانية يعود إلى الواجهة بعيد كل حادث أمني٬ لُيذّكر بهشاشة الوضع الأمني في لبنان ككل والذي يتأرجح على وقع التطورات الملتهبة في المنطقة.
وتعقد اللجنة الأمنية العليا في “عين الحلوة” اجتماعات مفتوحة لتدارك تداعيات الحادث الذي وقع الاثنين بعد إقدام عمر الناطور من مجموعة المتشدد بلال بدر التابعة لتنظيم “فتح الإسلام” المنضوي في “تجمع الشباب المسلم” على قتل العنصر في حركة “فتح” عبد الله قبلاوي٬ ليثأر بعدها مسلحون بقتل شقيق الناطور.
وأعقب العمليتين في اليومين الماضيين تبادل لإطلاق النار بشكل عشوائي بالإضافة لاستخدام القذائف الصاروخية وإلقاء قنابل يدوية فيما سجلت حركة نزوح كثيفة من المخّيم إلى خارجه.
ولا يزال المخيم يشهد استنفارا أمنيا بانتظار تسليم الجناة للأجهزة الأمنية المختصة. وفي هذا السياق٬ قالت مصادر حركة “فتح” داخل المخيم لـ”الشرق الأوسط” بأن هناك اتفاقا بين كل الفصائل على تسليم الجناة٬ لافتة إلى أن “تجمع الشباب المسلم” أّكد من جهته رفع الغطاء عن عمر الناطور وجدد التزامه السابق بوقف العمليات العدائية.
وأوضحت المصادر أّنه وبعد إلقاء القبض على الجناة سيتم وكما جرت العادة التحقيق معهم من قبل القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة٬ على أن يسلّموا بعدها إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية لإحالتهم إلى المحاكمة. وأضافت: “يمكن التأكيد أن الوضع الأمني تحت السيطرة٬ ولا مخاوف كبيرة على الوضع في المخيم. نحن جزء من لبنان والمنطقة وحين يسخن المحيط يسخن الوضع تلقائيا”٬ مطمئنة إلى أن كل القوى ملتزمة بـ”مسلمات 3 هي كون أمن المخيم وأمن الجوار والجيش اللبناني خطا أحمر”.
من جهته٬ قال ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة لـ”الشرق الأوسط”٬ بأّنه “تم تشكيل لجنة أمنية تشرف على التحقيقات بالحادثة الأخيرة٬ وهي كلفت القوة الأمنية المشتركة إلقاء القبض على القتلة”. وإذ طمأن إلى أن الوضع في “عين الحلوة” تحت السيطرة معتبرا أن الحالة الأمنية فيه جيدة قياسا بما يجري في المنطقة٬ أشار بركة إلى أن “المخيمات الفلسطينية جزء من المنطقة الملتهبة٬ ولعل وضعها في لبنان أفضل من وضع مناطق لبنانية كثيرة”.
ومنذ العام 2014 تتولى لجنة أمنية مشتركة تضم ممثلين عن الفصائل كافة الأمن في “عين الحلوة”. وتضم اللجنة حاليا 390 عنصرا غالبيتهم من حركة “فتح” التي تغطي 70 في المائة من تكاليفها. وقد تم تسليح عناصر اللجنة الذين يرتدون زيا عسكريا موحدا٬ إلا أن ذلك لا يعني أن مجموعات أخرى بعضها متطرف تركت سلاحها وأبرزها المجموعات المنضوية في إطار “تجمع الشباب المسلم”.
وفي تقرير أصدرته على خلفية الحادث الأمني الأخير الذي شهده “عين الحلوة”٬ نّبهت الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان “راصد” من أن الإفلات من العقاب يتزايد في المخيمات الفلسطينية في لبنان٬ لافتة إلى أن ترويع المدنيين بات طبيعًيا.
وأعربت الجمعية عن “قلقها البالغ تجاه تزايد حالات الإفلات من العقاب وارتكاب الجرائم بحق المستضعفين وتغييب دور القانون والمحاسبة وعدم المبالاة لاحترام وصون الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان في المخيمات الفلسطينية في لبنان وعلى وجه الأخص في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان”.
بدوره٬ وصف هشام دبسي٬ مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية الوضع في المخيمات الفلسطينية وبالتحديد “عين الحلوة” بـ”الخطير”٬ معتبرا أن “هناك مجموعات موجودة داخل المخيم تنفذ أجندات خارجية وقادرة على تفجير الوضع بأي لحظة لولا توافق فتح – وحماس على وجوب ضمان استقرار المخيمات كافة”.
ونّبه دبسي في تصريح لـ”الشرق الأوسط” من “استمرار دفع الفلسطينيين لصراع في الداخل اللبناني وتصويرهم في واجهة التطرف الإسلامي”٬ داعيا لإعادة النظر بـ”الحالة المسلحة” داخل المخيمات والتي باتت تعيق الحياة الطبيعية للاجئين. وأضاف: “المخيم أرض لبنانية يجب أن تكون تحت السيادة والقانون اللبناني٬ وهو ما أّيده أبو مازن عندما زار لبنان في عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان”٬ معربا عن أسفه لعدم تمكن لبنان من اتخاذ أي خطوة عملية في هذا الاتجاه.
يُذكر أنه لا تواجد للقوى الأمنية اللبنانية في المخيمات الفلسطينية التي تتولى أمنها الفصائل المسلحة وعلى رأسها “فتح” و”حماس”.