كتب ملاك عقيل في صحيفة “السفير”
بين كلام الرئيس أمين الجميل المروّج للذهاب نحو خيار الضرورة بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً «المقبول من 8 و14 آذار في ظل استحالة وصول ميشال عون»، وكلام النائب سامي الجميل الرافض لانتخاب مرشّح من فريق «8 آذار» لأنه «يسلّم الجمهورية الى حزب الله»، ضاعت «الطاسة» الكتائبية. من تدعم بكفيا للرئاسة؟ وبأي شروط؟ وأي رأي هو الغالب؟
أصلاً لا شيء محسوما في «البيت المركزي» طالما ان «مكوّنات» الرئاسة لا تزال ضائعة بين العواصم المقرّرة، وبالتالي المناورات مشروعة ومطلوبة، كذلك توزيع الادوار.
حتى اليوم، الموقف الكتائبي المعلن كلّف بكفيا زيادة منسوب التوتر مع الرابية وقطعاً شبه تام لـ«العلاقات الديبلوماسية» على مستوى القيادة الحزبية مع «القوات اللبنانية»، في مقابل انتعاش لغة الغزل مع الرئيس سعد الحريري وتجنّب القصف المباشر على بنشعي.
الأجوبة التي يريدها رئيس «حزب الكتائب» سامي الجميل على سلسلة أسئلة طرحها على ميشال عون وسمير جعجع بعد إعلان النقاط العشر من معراب، لم تصل بعد. اقترح طاولة مستديرة للنقاش في هذه النقاط المتفق عليها ثنائيا وتوضيح «المشروع» الذي تلاقى عليه الخصمان المسيحيان (سابقاً) كي تكتسب المصالحة المسيحية الحصانة اللازمة، لكن المعنيين أدارا ظهريهما لما اعتبراه «اسئلة وهواجس في غير محلها».
لكن فريق سامي الجميل يعتبر ان «الجواب على تساؤلات الصيفي وصل من زمان بالاعلام، حين أكد عون ان البند العاشر في وثيقة معراب حول عدم السماح باستعمال لبنان مقرا او منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين لا يشمل حزب الله لانه حركة مقاومة يشرّعها البيان الوزاري للحكومة».
سبق للنائب الجميل ان كشف أنه في صدد التحضير لسلسلة من الزيارات تشمل عون وجعجع وفرنجية بعد الاعلان المسبق من جانبه بضرورة «تخلّي الجميع عن انانياتهم». لكن لا توقيت محددا لهذه المبادرة. لا الاعتبارات الامنية تسمح ذلك، ولا القرار اتّخذ سلفا بقيام رئيس حزب «الكتائب» شخصيا بهذه الخطوة او ترك المهمة لوفد كتائبي، مع العلم انه سبق لنائب رئيس الحزب الوزير السابق سليم الصايغ وعضو المكتب السياسي البير كوستانيان ان قاما في تشرين الثاني من العام الماضي بزيارات الى كل من ميشال عون وسمير جعجع، بعد مبادرة باريس بتبني الرئيس سعد الحريري ترشيح فرنجية والتي قال الصايغ آنذاك «انها قد تثمر ايجابيا ومن واجبنا ان نتلقف كل المبادرات»!
اليوم، المواقف على حالها. «القوات اللبنانية» تتمسّك بترشيح «الجنرال» مع ضغطها المستمر على «حزب الله» للايفاء بالتزامه حيال الرابية. تقول أوساطها «نحن نحدّد إدارة هادئة للخلاف حول رئاسة الجمهورية، مع العلم ان ورقة معراب لترشيح عون أقوى بأضعاف من البيان الوزاري للحكومة الحالية الذي لم يتجرّأ على ذكر إعلان بعبدا»، مشيرة الى «الكتائب الذي يرفض عون وفرنجية ولا يقدّم بديلا».
«الكتائب»، من جهته، «يُشيطن» ترشيحي «الجنرال» و«البيك» تحت عنوان «رفض الاستسلام»، اي الخيار الذي سار به جعجع والحريري، معتبراً انه على المستوى المسيحي «الكتائب» لم يتغيّر بل «القوات» هي التي «غيّرت» وتخلّت عن ثوابت الحزب التاريخية، حيث أنها من اربعة أشهر كانت ترفض انتخاب عون رفضا مطلقا «ونحن بالمقابل لا احد يستطيع ان يفرض علينا التصويت لعون الذي يشرّع سلاح حزب الله، كما اننا نرفض انتخاب فرنجية الذي قال لنا إن لديه سيّدا (السيد حسن نصرالله)».
لا تقدم يذكر على «جبهة بعبدا»، لكن الانتخابات البلدية تَجمع وتفرض التنسيق والتشاور حتى لو كان «الغسيل» الرئاسي منشوراً فوق السطوح.
في الفترة الماضية عقدت اجتماعات دورية عدة، آخرها يوم الاثنين الماضي، بين موفد «القوات» ملحم رياشي والبير كوستانيان. الرجلان يؤكدان ان ما يستدعي جلسات التقارب هو الخلاف حصرا على الملف الرئاسي، أما في المسائل الاخرى فالتعاون قائم من ضمن فريق «14 آذار» والعلاقة التاريخية بين الحزبين.
الثابتة الثانية ان هذه اللقاءات لا تشكّل بالضرورة الارضية للقاء بين جعجع والجميل، حيث لا موجبات طارئة له. لكن ما لا يقال علنا ان معراب تحاذر التعاطي مع سامي الجميل بالاسلوب نفسه الذي تعاطت به مع «الجنرال»، اولا لان ليس هناك تاريخ خلافي بين الحزبين كما مع العونيين، وثانيا بسبب فارق التجربة وعمر «النضال» بين «الحكيم» و «الشيخ»!
رياشي لم يستقل بعد من «مهمته التاريخية» التي هدفت الى جَمع عون وجعجع في كادر سياسي واحد انتهى بتبني «القوات» لترشيح الخصم «الأزلي» الى رئاسة الجمهورية. «ملحقات» هذا التفاهم وصيانته أهمّ من التفاهم نفسه، ورياشي لا يزال في قلب غرفة العمليات لحماية هذا الانجاز المسيحي من النيران الصديقة والعدوة وفرض ترجماته العملية على الارض، لكن ذلك لا يمنع نشاطه على خطوط أخرى بينها إبقاء «لينك» التنسيق ناشطا مع «الكتائب» خصوصا في زمن الانتخابات البلدية، مع العلم ان رياشي اضاف الى رصيد ثقة جعجع به «شيك ثقة على بياض» من «جنرال الرابية».
صحيح ان الانتخابات البلدية مطلب مسيحي بالدرجة الاولى، إلا أنها مشروع «وجع رأس» للمعنيين بها. الكل يترقّب الترجمة العملية للتوافق العوني ـ القواتي على شكل لوائح بلدية، وأول المستنفرين «حزب الكتائب». لذلك فإن لقاءات رياشي وكوستانيان تشكّل «دردشات» جسّ نبض للمكان الذي يمكن أن تذهب اليه الاحزاب المسيحية الثلاثة.
«أمر اليوم» البلدي في الرابية ومعراب هو الآتي: تحالف العونيين والقواتيين في المناطق المشتركة، والتعاون مع «الكتائب» حيث يتواجدون، والامر يسري على كافة الاطراف الاخرى بحسب طبيعة المنطقة ومتطلّباتها من أجل العمل على انتاج مجالس بلدية تنموية ومنتجة تعبّر عن سياسات المصالحة.
في بيروت تحديدا تقول أوساط قواتية إن هناك اتفاقاً مع الرئيس سعد الحريري على ان «نأخذ العونيين معنا على اللائحة»، (عندها سيدخلون المجلس البلدي لاول مرة). التعاون بهذه الحالة سيكون بشكل أساسي مع الوزير ميشال فرعون والارمن و «الكتائب»، لكن من دون ان يتيقّن المسيحيون حتى اليوم إذا كان الحريري قد «رفع يده» بالكامل عن الـ 12 مقعدا مسيحيا. مهمّة التأكّد من هذه «النية» أوكلتها القوى المسيحية الى الوزير فرعون!
في المقلب الكتائبي تأكيدات «بأن ما يصوّر على أنه اجتياح قواتي ـ عوني للبلديات هو حكي أكثر من الفعل. في مناطق عدّة يجد القواتيون والعونيون صعوبة فعلية في توحيد الكلمة كل ضمن نطاق بيته. أما في البلديات الاخرى فالتوافق هو الغالب. في بيروت مسعى لتكريس هذا التوافق الشامل، وفي زحلة ايضا مع امكانية التحالف مع ميريام سكاف، وفي ساحل المتن في البلديات الكبرى قد لا تطرأ تغييرات كبيرة على المشهد البلدي للعام 2010».