اشارت مصادر نيابية بارزة لصحيفة “الحياة” الى أن مسؤولين في “تكتل التغيير والاصلاح” كانوا أبلغوا قياديين في “حزب الله” أن “القوات” يضغط على العماد ميشال عون لتسريع دعوته إلى النزول إلى الشارع، لأن من غير المنطقي ألا يستجيب لرغبة من تبنى ترشحه لرئاسة الجمهورية، وأبرم معه ورقة “إعلان النيات” بدأت تفعل فعلها في فتح صفحة جديدة بين محازبي الطرفين بعد سنوات من الصراع الدموي والنزاع السياسي، ولكن، تبيّن – وفق المصادر نفسها – أن حزب “القوات” لا يحبذ نزول عون إلى الشارع، وكان أبلغه موقفه هذا من خلال قنوات التواصل القائمة بينهما، إضافة إلى أن نواباً في “حزب الله” كانوا فوجئوا بقرار “القوات” الذي تبلغوه من أكثر من نائب في الحزب على هامش اجتماعات اللجان النيابية.
وكشفت المصادر طبيعة الأجواء التي سادت اللقاء الذي عقد بعيداً من الأضواء بين مسؤولين في “حزب الله” وآخرين من “تيار المردة” الذين وضعوهم في صورة الموقف الذي سيتخذه زعيمه النائب سليمان فرنجية في حال إصرار عون على النزول إلى الشارع. ولفتت إلى أن “حزب الله” تبلغ من “المردة” أن فرنجية يتعامل مع نزول “التيار الوطني الحر” إلى الشارع على أنه يستهدفه شخصياً كمرشح منافس لعون على رئاسة الجمهورية، وبالتالي لن يقف مكتوف اليدين وسيدعو محازبيه إلى النزول إلى الشارع أيضاً، إضافة إلى أنه لن يتردد في التوجه إلى البرلمان استجابة لدعوة الرئيس نبيه بري لعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد.
وقالت أن هذه المعطيات التي توافرت لدى “حزب الله” حول ردود الفعل على لجوء عون إلى الشارع، دفعته إلى التواصل مع الأخير لإقناعه بأن لا جدوى من نقل الصراع السياسي من المؤسسات الدستورية إلى الشارع.
وأكدت أن عون لم يتردّد في الاستجابة لطلب حليفه “حزب الله”، خصوصاً أن استخدامه الشارع قد يدفع خصومه إلى استخدام شارعهم مع أن “التيار الوطني” سيجد صعوبة في اختيار الخصم الذي سيوجه إليه رسائله “الشارعية”، وبالتالي فإن مثل هذه الخطوة قد ترتد عليه ولن يحصد منها ما يصبو إليه عدا عن كونها مزايدة “شعبوية” غير قابلة لتوظيفها سياسياً في أي مكان.
واعتبرت هذه المصادر أن عون أخذ بنصائح حلفائه وقرر أن يصرف النظر عن الاستقواء بشارعه، وإلا كيف يفسر “التيار الوطني” ما ورد في البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لـ”تكتل التغيير” وتحديداً لجهة رفضه التشريع طالما أن الميثاق غير مطبق، وأن هناك من يمعن في ضربه. وقالت أنه بموقفه هذا أراد أن يصوب معركته السياسية في اتجاه المؤسسات الدستورية أي الحكومة والبرلمان بدلاً من استخدام الشارع.
ورأت أن دورة جديدة من الاشتباك السياسي ستطغى على طاولة الحوار الوطني في اجتماعها المقبل، وأن ارتداداته ستصل إلى البرلمان مع بدء التحضير لعقد جلسة تشريعية مع سريان مفعول العقد العادي للمجلس النيابي، وقالت أن عون سيجد نفسه وحيداً في الحوار إذا ما أصر من يمثله على حصر أولويات التشريع بوضع قانون انتخاب جديد – ونقطة على السطر – أي رفض البحث في الأمور التشريعية إلا بعد التوافق على القانون، وهذا ما يلقى معارضة من أركان طاولة الحوار في ظل مقاطعة “القوات” له، إضافة إلى موقف حزب “الكتائب” الثابت رفض أي تشريع قبل انتخاب رئيس جديد.
ولدى سؤال المصادر نفسها عن موقف “تيار المستقبل” الذي كان التزم زعيمه الرئيس سعد الحريري إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأولى، قالت أنه لا يزال عند التزامه، لكن ما العمل في حال لم يقر البرلمان القانون في ظل استمرار الخلاف حوله، وهل يوقف التشريع؟
ويفهم من كلام هذه المصادر أن “المستقبل” يدعم العودة إلى “تشريع الضرورة” على أن يترك للبرلمان الذي هو سيد نفسه القرار حول ما يجب القيام به لإعادة التواصل للبحث في هذا القانون. مع أن “القوات” الغائب عن الحوار لا يرى مبرراً لإدراج تقرير لجنة التواصل النيابية لوضع قانون انتخاب جديد على الطاولة بذريعة أنه من صلاحيات البرلمان الذي لا بد من الاحتكام إليه ليُبنى على الشيء مقتضاه.
واعتبرت المصادر أن معظم الكتل النيابية تميل إلى إعادة الاعتبار إلى تشريع الضرورة إذا ما استفحل الخلاف حول قانون الانتخاب لأن المحادثات التي أجراها الأمين العام للأمم المتحدة في بيروت في حضور رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي، انتهت إلى إقراض الأخير لبنان 300 مليون دولار وهذا يتطلب تشريعاً ليصبح نافذاً، إضافة إلى بنود مالية أخرى من قروض وهبات خارجية تستدعي الموافقة عليها في البرلمان.
وسألت المصادر عمّا إذا كان الاتفاق بين “المستقبل” و”القوات” و”اللقاء النيابي الديموقراطي” بزعامة وليد جنبلاط حول قانون الانتخاب، وفيه انتخاب 68 نائباً على أساس النظام الأكثري و60 وفق النظام النسبي لا يزال نافذاً أم إن هناك من يريد أن يدخل عليه تعديلات؟
وبصرف النظر عن مدى صمود مثل هذا الاتفاق في وجه المتغيرات التي طرأت على التحالفات على خلفية إعادة خلط الأوراق المتعلقة بمواقف الكتل من ترشح عون ومنافسه فرنجية لرئاسة الجمهورية، هناك من يتوقع – كما تقول هذه المصادر – أن ينتهي الاشتباك السياسي إلى دعم الغالبية النيابية تشريعَ الضرورة لاعتبارات أبرزها أن لا مجال للاتفاق حالياً على قانون الانتخاب بسبب التباين حول أبرز بنوده، إضافة إلى أن البرلمان كان أوصى بعدم وضع قانون انتخاب قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن التمديد له سيؤدي إلى ترحيله الى ما لا نهاية. ناهيك بأن بعض الكتل النبابية، وإن كانت تحبذ وضع القانون في العلن، فإنها تسأل في السر عن الجدوى من وضعه قبل انتخاب الرئيس، لأن معظم الكتل الكبرى تتريث في حسم أمرها من القانون قبل أن ينتخب الرئيس العتيد ليكون في وسعها الضغط ليكون هذا القانون، ليس على قياس هذا الرئيس فحسب، وإنما يأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة السياسية المقبلة التي يكتنفها الغموض حتى الساعة طالما أن الجهود الرامية إلى تسريع انتخابه ما زالت تراوح مكانها.
وعليه، لم تستبعد المصادر أن تؤدي التطورات إلى تغليب موقف “الكتائب” المؤيد بقوة لانتخاب الرئيس أولاً قبل الخيارات الأخرى من تشريع الضرورة وقانون الانتخاب الجديد. لذلك، فإن عامل الوقت سيدعم وجهة نظر “الكتائب” لدى من يعارضه في منطقه هذا، وقد يضطر عون للدخول في اشتباكات سياسية على محوري الحكومة والبرلمان، وبالتالي لا بد من السؤال عن موقف “القوات”، فهل يتضامن معه… وهل سيغطيه “حزب الله” الذي لديه حسابات أخرى أبرزها أنه ليس في وارد “تذخير” اشتباكاته إذا ما استهدفت الرئيس بري.