داني الامين
في موسم تدفقه بغزارة، جف نبع الحجير. فقد فوجئ أهالي وادي الحجير في الآونة الأخيرة أنّ لا مياه في النبع، أمّا أصحاب المتنزهات المشيّدة على ضفافه، فلا زالوا ينتظرون هطول الأمطار علها تنفع في تدفق النبع بغزارة كما يحصل عادة. المشكلة كما يروي أبناء المنطقة “ليست في هطول الأمطار، بل في الآبار الارتوازية التي تم حفرها في الوادي وقريباً من النبع، ما أدى الى جفاف النبع أو انخفاض منسوبه بشكل يبدو أنه دائم”.
فخلال السنوات الماضية تم حفر ما لا يقل عن 13 بئراً ارتوازياً في وادي الحجير “بعضها للمنفعة الشخصية، والبعض الآخر لنقل المياه الى قرى وبلدات المنطقة”.
يتحدث عدد من أبناء المنطقة عن “خطأ الكبير ارتكبه المسؤولون عن تقديم تراخيص الآبار الجوفية، لا سيما أن هذه الآبار يمكن الاستغناء عنها في ظل وجود مشروع المياه الرئيسي في بلدة الطيبة، اضافة الى مضخات مياه كبيرة تم انشاؤها في أسفل النهر وفي مناطق أخرى كلفت الدولة مئات آلاف الدولارات من دون أن يتم منع أصحاب المرامل من رمي رمالهم في النهر”.
يشير أحد المعنيين في مصلحة مياه الليطاني أن “بئرين ارتوازيين تم حفرهما قرب نبع الحجير سيضخان المياه الى بلدتي الغندوية وفرون القريبتين جداً من نهر الليطاني، لكن ضخ المياه مباشرة من النهر الى هاتين البلدتين، كان حتماً أقل كلفة ويمنع استهلاك مياه الآبار الجوفية وبالتالي جفاف نبع الحجير”.
يؤكد صاحب استراحة الجنان في الحجير أن “مياه النبع كانت لا تجف طيلة السنة قبل حفر هذه الآبار، أما اليوم فقد بات على أصحاب المتنزهات أن يشتروا المياه لملء برك السباحة”.
مشكلة جفاف نبع الحجير، تضاهيها مشكلة تلوث نهر الليطاني الذي أصبحت مياهه ممزوجة بالوحول والرمال، اضافة الى مياه الصرف الصحي. يشكو أبو علي، صاحب احدى استراحات النهر، أن “خلال العامين الفائتين بات لون مياه الليطاني بنياً، بسبب الرمال والوحول التي تنجرف معها جراء انتشار المرامل في أماكن مختلفة قريبة من النهر، وبالتالي بات استخدام هذه المياه محصور بالري فقط، وبات علينا شراء مياه نظيفة لغسل الأواني وتنظيف أجسادنا”. يدرك ابو علي نفوذ أصحاب المرامل فيقول: “نحن نعلم انه لا يمكننا مواجهة أصحاب المرامل، واذا قررنا ذلك فإنه من المحتمل أن نترك هذه الأمكنة بدلاً من منعهم عن رمي الرمال في النهر”. يعتبر ابو علي “الدولة المسؤولة أولاً وأخيراً عن هذا الوضع، فهي لم تبادر يوماً الى مساعدة المقيمين بعد أن أصبحت المنطقة من أكثر الأماكن أمنا واستقراراً، بسبب الأوضاع الأمنية المستجدة خلال السنوات الماضية، حتى أن العديد من أبناء البقاع باتوا يقصدون متنزهاتنا ويصطافون في قرانا”. ويشير الى أن “مياه الصرف الصحي التي ترمى في النهر، سببها عدم تأمين الدولة بنى تحتية لجمع مياه الصرف الصحي وتكريرها، لا سيما بعد انتشار الأبنية السكنية في كل مكان، من دون مراعاة للبيئة”.
في منطقة العيشية (قضاء النبطية) يوجد ثلاث مرامل كبيرة، بحسب مصدر في مصلحة مياه الليطاني، لا يزال أصحابها يرمون الرمال الناتجة عنها في النهر، ما يؤدي دائماً الى توقف مضخات النهر عن ضخ المياه الى أكثر من 50 قرية وبلدة في بنت جبيل ومرجعيون. حاول الموظفون تشغيل المضخات الأسبوع الماضي، لكنهم فشلوا في ذلك. يقول المصدر ان “الوضع يزداد خطورة سنة بعد سنة، رغم كل الأموال التي دفعت على محطات ضخ المياه، لتأمين المياه الى أبناء المنطقة”، مؤكداً أن “محطة ضخ المياه الكبيرة التي تم افتتاحها قبل سنتين في بلدة شقرا، لتضخ المياه الى بلدات بنت جبيل، لن تصل اليها المياه طالما أنه لا يمكننا ضخ المياه اليها من نهر الليطاني بسبب الرمال”. 220 مليون ليرة دفعتها مصلحة مياه لبنان الجنوبي، العام الفائت، لتنظيف محطات الضخّ الأربع الموجودة في أسفل النهر، “استغرقت عملية التنظيف أكثر من 40 يوماً، اذ اقفلت الرمال كل الثغرات التي يمكن أن تنقل منها المياه عبر المضخات، إلا أن المشكلة لم تُحل اذ تابع أصحاب المرامل رمي الرمال في النهر فأغلقت المضخات مجدداً. كذلك لم يعد هؤلاء ينتظرون هطول المطر للقيام بفعلتهم بل أصبحوا أكثر وقاحة”. المضخات المتوقفة يمكنها ضخّ أكثر من 20 الف متر مكعب يومياً من المياه، الى قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون، أي “ما يفيض عن الحاجة المطلوبة”.
شكاوى متعددة، موثقة بالمعلومات والصور، قدمت من الموظفين الى المراجع المختصة خلال السنوات الثلاث الماضية، من دون جدوى. يشير المصدر الى أن مياه الصرف الصحي لإحدى بلدات مرجعيون كانت، قبل أيام، لا تزال ترمى في النهر. ويذكّر أن القرار الذي صدر في تشرين الثاني 2015 عن وزارة البيئة بوقف جميع المقالع والمرامل، لم يلق استجابة في المنطقة، ولم يتم فرضه على أصحاب المرامل المذكورة.
لا يقتصر ضرر المرامل على عدم ايصال المياه الى القرى، إنما سُجّلت أضرار كبيرة أيضاً بمزارع تربية الأسماك في نهر الليطاني. يشير سعدالله ونّى، صاحب مزرعة لتربية الأسماك في منطقة الخردلي الى أن “المزرعة قد تقفل قريباً بعد أكثر من عشرين سنة على تأسيسها، بسبب المرامل التي أدت الى القضاء على الأسماك الموجودة في مزرعته التي تعتمد على مياه النهر، وبالتالي خسارة أكثر من 50 الف دولار اميركي”.
يعتبر مصدر معني أن “الاعتداءات على المياه تشمل أيضاً تلك التي يقوم بها بعض النافذين عبر منع وصول المياه الى بعض القرى. أحد رؤساء بلديات المنطقة لا يزال يستغل نفوذه لمنع وصول المياه الى عدة بلدات بحجة حاجة بلدته اليها”. كذلك يشكو العديد من أبناء بنت جبيل، من أن “بعض أصحاب القصور يعمدون الى سرقة المياه، عبر قساطل مخفية، لتأمين ري أراضيهم وحدائقهم الواسعة، كما أن أحد الموظفين تبين انه يحصل على بدلات اشتراكات المياه، من دون أن يؤمن وصل قبض بها، ليتبين لاحقاً أنه يسرقها”.
قبل عامين اجتمع رؤساء بلديات بنت جبيل ومرجعيون للاطلاع على ما تم إنجازه من “مشروع الليطاني” على منسوب 800 متر الذي يهدف إلى “نقل حوالى 110 ملايين متر مكعب من مياه الشفة والري لأكثر من 100 بلدة وقرية جنوبية، على ان يتم تنفيذه على مرحلتين: الأولى يتم فيها نقل المياه من سد القرعون إلى الجنوب، أما الثانية فتشمل أشغال تجهيز الأراضي الزراعية بشبكات وتجهيزات الري إضافة إلى أشغال استصلاح الأراضي والطرق الزراعية ومراكز الإرشاد”. لكن رغم مرور أكثر من 4 سنوات على البدء بتنفيذ المرحلة الأولى، فإن “الأشغال لا تزال قائمة حتى الآن، اضافة الى أن الاستفادة من هذا المشروع الضخم تحتاج أصلاً الى منسوب مياه كبير في بحيرة القرعون، وهو ما يصعب الوصول اليه”.