كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
يمكن بلدة سن الفيل أن تكون نموذجاً عمّا ينتظر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في الانتخابات البلدية، وعن صعوبة خوض هذه الانتخابات في العديد من البلدات على أساس سياسي بحت. هنا، لم يتمكن التيار والقوات من «المونة» على مؤيديهما، لا بقرار حزبي ولا بعنوان «التحالف المسيحي»، ما أدى إلى انقسامهما بين لائحتين متنافستين، فيما تهدد القوات مرشحيها على لائحة رئيس البلدية الكتائبي بالطرد
في وقت لا تزال فيه اللوائح البلدية في المتن الشمالي مبهمة ولا قرار رسمياً من الأحزاب بشأن دعم مرشح على حساب آخر، حسمت سن الفيل أمرها باكراً، وباتت اللوائح البلدية شبه جاهزة. يدير اللائحة الأولى الرئيس الحالي الكتائبي نبيل كحالة الذي سبق أن فاز بولايتين متتاليتين، وينافسه على منصبه عوني، هو رئيس ديوان نقابة المحامين جوزيف شاوول.
تحرص عائلة شاوول (من أكبر عائلات البلدة) على إبقاء طيفها حاضراً في الانتخابات البلدية. ففي عام 2010، ترشح أحد أفرادها، عبدو شاوول، مدعوماً من التيار الوطني الحر في وجه كحالة، ورسب بفارق 1600 صوت. وهو ما يحاول التيار تجنبه هذه المرة، عبر التأني في إصدار قرار رسمي بدعم جوزف شاوول والتدخل علناً في الانتخابات، رغم وضوح موقف القوات وذهابها حتى النهاية في معركتها ضد الرئيس الكتائبي. إذ يقول مقربون من الرابية إن النائب ميشال عون «لم يلتزم بعد أي خيار، طالباً مهلة يومين ريثما تتضح الصورة ويتخذ التيار قراره». فيما يشير أحد النواب العونيين إلى أن «الانتخابات النيابية على قاب قوسين، وأي خسارة في البلدية ستترجم خسارة أخرى في النيابة. لذلك، ليس من مصلحة أحد معاداة هذا أو ذاك، ومن الأفضل ترك الساحة للعائلات ولما يتوافق عليه تيار سن الفيل».
في المبدأ، لا يمكن التيار اليوم الوقوف في وجه كحالة الذي تضم لائحته 10 أعضاء عونيين من أصل 18 عضواً. وهو، في تكرار لتجربة 2010، عمد إلى تلوين مجلسه عائلياً وحزبياً. لذلك ترجّح المصادر أن «تتغلب العائلية على الحزبية عبر انقسام التيار أيضاً هذه المرة بين شاوول وكحالة. ولن يكون في مقدور التيار، كما سابقاً، لمّ شمل المنقسمين احتراماً لطابع المعركة العائلي». وإلى جانب العونيين تضم اللائحة مستقلين ومنتمين إلى حزب الوطنيين الأحرار وعضوين قواتيين ترجّح المصادر أن يفصلهما حزب القوات.
ينسحب القرار العوني بالتزام الحياد في البلدات التي تغلب عليها الصبغة العائلية على النائب ميشال المر. فالأخير، كما التيار، يلعب على حبلي اللائحتين خوفاً من «إحراق أصابعه». ويبدو ذلك جلياً من مصادر الرئيس الحالي للبلدية التي تؤكد دعم المر لها، ومن مصادر اللائحة الثانية التي تعتبر أصوات «أبو الياس» محسومة، نظراً إلى العلاقة التي تربط شقيق جوزف شاوول، سامي شاوول، برئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر. من جانبه، وعد رئيس حزب الوطنيين الأحرار الطرفين، كلّ على حدة، بتجيير أصوات أحرار سن الفيل لهما. ولا يختلف الأمر عند حزب الطاشناق الذي وعد الطرفين «خيراً»، علماً أن لائحة كحالة تضم طاشناقياً من آل سوكونيان، فيما لم تتضح معالم لائحة شاوول بعد. وتجدر الإشارة إلى أن «الطاشناق» ليس بيضة قبان وازنة في سن الفيل، وهي البلدة الوحيدة في المتن الشمالي حيث يوالي العدد الأكبر من الأرمن حزب الهانشاك، وينحسر التأييد الطاشناقي إلى حده الأدنى. ويلعب الشيعة دوراً محورياً من خلال 400 صوت يوالون في غالبيتهم حزب الله ويتمثلون بالمختار خليل أمهز يترشح مع كحالة.
على المقلب الآخر، وبحسب تقديرات ماكينة رئيس البلدية، و»بوانتاج» العونيين لعام 2012، يحوز التيار الوطني الحر العدد الأكبر من الأصوات (نحو 1400 صوت)، وهو ما يفسر مراعاة رئيس البلدية الحالي لهذا الواقع عبر إصراره على اختيار أكثر من نصف أعضاء لائحته من العونيين. فيما للكتائب نحو 400 صوت وللقوات 200، و200 للمر، و100 للأحرار، 14 لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش). وتضم دراسات الانتخابية في سن الفيل 3 خانات تصنّف المواطنين بطريقة غير سياسية: 80 سريان أرثوذكس، 50 سنّة، و400 «مجنّس» يتوزع ولاؤهم على اللائحتين.
التحدّي الرئيسي اليوم للمرشحين يتلخص بجذب العائلات الكبيرة إليهما، فكل لائحة تضم عائلات أبي راشد وعازار وأبو نادر والغزال والخازن وكحالة وأبو خليل ترفع أسهم فوزها؛ وهو ما بات مفهوماً لدى كحالة الذي احتضنها في مجلسه السابق، ويسعى إلى احتضانها مجدداً، أكان في المجلس البلدي أم من خلال المخاتير. الأمر الذي يصعب المهمة على شاوول الذي يخوض معركته مدعوماً من عائلته ومن حزب القوات (انسحب رئيس القسم جورج بو أنطون لمصلحته)، ومن عائلة الخازن بعد أن نقل رجل الأعمال طوني الخازن بارودته من معسكر كحالة إلى معسكر شاوول، وانسحب لمصلحته بغية التكتل ضد «الريّس». وفيما لم تتضح معالم لائحة شاوول البلدية بعد، أنجز كحالة لائحته، وتضم: نبيل كحالة، نقولا عازار نائب الرئيس (عوني)، إيلي حكيم (تيار وطني حر)، كمال صفير (تيار)، جوني غزال (عوني)، زياد قازان (كتائب)، عبدو عزام (عوني)، غابي عطالله (تيار)، رفقة معلوف (عونية)، إدوار فرح (عوني)، إدغار طربيه (تيار)، إيلي مطر (مستقل)، افيديس ياريميفان (هانشاك)، ريشار أبي راشد (مستقل)، روبير أبي خليل (تيار)، أندريه أبو زيد (قوات)، فيكتوريا زوين (أحرار)، أسعد قسيس (قوات)، وعضو من عائلة سوكونيان (طاشناق).
جوزيف شاوول: «قصر الريّس أكبر من قصر نيويورك»
خلافاً لرئيس البلدية نبيل كحالة، يبدو رئيس ديوان نقابة المحامين جوزف شاوول أقل تجاوباً مع الإعلام، وإن كانت كلماته أكثر حدة. هو من أصول شمعونية، ولكنه اليوم يناصر التيار الوطني الحر. فالرئيس دوري شمعون «لا يمثل الأحرار». ماذا عن أعضاء البلدية المرشحين على لائحة رئيس البلدية من التيار الوطني الحر؟ «هودي للتذاكي، وحلفنا مع القوات قائم. ماشيين عالأرض سوا ولو لم يصدر القرار الرسمي بعد». يترشح شاوول إلى البلدية متسلحاً بإجماع عائلته حوله: «مشروعي الاعتناء بالإنسان، ومن حقي المطالبة بتداول السلطة، نظراً إلى استمرار كحالة في منصبه لمدة 12 عاماً». وأيضاً لسبب ثالث: «مش راضي عالرّيس، إنجازاته (القصر البلدي) مبنية على 8000 متر أرض وسعر المتر ألف دولار. نريد أن نعرف ما الجدوى من ذلك القصر وماذا استفاد منه الأهالي الذين يدفعون الضرائب وموّل المبنى من صندوقهم؟ كان يمكنه أن يبني مبنىً لائقاً ويستثمر الأرض في مشاريع تنموية، ولكنه أراد قصراً أكبر من قصر نيويورك». لذلك يعمل شاوول جدّياً على الأرض وقد أطلق ماكينته لثقته بأن الانتخابات ستحصل في مواعيدها.
نبيل كحالة: «إذا بيحبونا الأحزاب يتركونا»
لا يترك رئيس بلدية سن الفيل نبيل كحالة مجالاً للصحافي كي يبادر بطرح الأسئلة وكأنه ينتظر الاتصال طويلاً حتى يفرغ ما يكتنزه صدره: «تكتبون أن سنّ الفيل هي أم المعارك، كيف ذلك ونتائج الـ2010 شاهدة على فوز لائحتي بفارق 1600 صوت على المرشح عبدو شاوول. هل يمكن وصف ما سبق بمعركة؟». ينفي الريّس في هذا السياق مقولة أن «آل شاوول يعدّون أكثر من آل كحالة»، مشيراً إلى أن «كحالة العائلة الأكبر عددياً تليها عائلة عازار». وفي الأصل، «حرصت قبل إقفال لائحتي على مفاوضة آل شاوول والتوافق. اجتمعت بهم ست أو سبع مرات، ولكنهم رفضوا مشاركتي، يريدون الترشح لإثبات وجودهم». يضيف الرئيس الكتائبي أن «القوات وبيت الخازن يديرون معركة ضدي ورئيس قسم القوات جورج بو أنطون يشهّر ويجرّح بي منذ عامين، ووجدوا في شاوول الفرصة المناسبة للانقضاض عليّ». ويشير إلى أنه يثق بـ»العائلات العونية، وهي الأغلبية في المجلس»، مستبعداً أن يصدر قرار مركزي من التيار الوطني الحر بتأييد مرشح على آخر: «كل حزب بيفوت عالانتخابات البلدية بيفوت بالحيط… بكرا الحزب بيرشح للنيابة بيخسر ناس وبيربح ناس. وقد أدرك ذلك النائب إبراهيم كنعان الذي وقف مع آل شاوول سابقاً ورسب مرشحهم بفارق كبير، فيما يقف على الحياد هذه المرة. التقيت به أخيراً، كما المرشحون العونيون على لائحتي، ووعدنا بعدم التدخل وترك القرار للعائلات بعيداً عن السياسة. إذا بيحبونا الأحزاب يتركونا». يضيف: «تجمعني علاقة طيبة بالجميع، النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس حزب الأحرار دوري شمعون، فيما علاقتي مميزة بالنائب ميشال المر خلافاً لكل ما يقال». يعدد «الريّس» إنجازات مجلسه ردّاً على سؤال عمّا يدفع أهالي سن الفيل إلى إعادة انتخابه مرة ثالثة: «أنجزنا مبنى بلدياً لا مثيل له، وهو إنجاز العمر بعد أن كانت البلدية تستأجر المباني. باتت لدينا مؤسسة فيها مكتبة عامة ومسرح وقاعة متحركة ومستوصفات ومواقف سيارات».