حسن يحي
لكل سطح قعر، وللانترنت قعر أيضاً، يُدعى “ديب ويب” (Deep web). ويحمل هذا القعر في طياته كُل ما يمكن للعقل البشري أن يتخيله من العمليات التجارية القانونية أحياناً وغير القانونية معظم الأحيان.
وبالرغم من غياب الدراسات المفصلة عن حجم العمليات التجارية التي تجري تحت سطح الإنترنت، إلا أن بعض الدراسات ترجح أن حجمه يصل من 5 إلى 500 ألف مرة من حجم الإنترنت العادي الذي نستخدمه يومياً، بما في ذلك “غوغل” و”فايسبوك” وغيرها من المواقع.
ولكن ما يميز قعر الإنترنت عن سطحه، أنه لا يمكن لأي متصفح “عادي” دخوله، فالدخول يتطلب أولاً متصفحاً مخصصاً يُدعى “تور” (TOR)، الذي صُمم في الولايات المتحدة لمنع التجسس على “البحرية الأميركية” ليصل بعدها إلى المستخدمين الذين أصبح في إمكانهم تنزيله على حواسيبهم الشخصية. ويحتاج من يريد دخول هذه السوق إلى خبرة واسعة في عالم التجسس و”إخفاء الأثر الالكتروني” لضمان الهروب من الوكالات الأمنية التي تتربص بمن يدخل هذا العالم.
ويعود التربص الأمني، إلى نوعية المشتريات التي يُمكن أن يشتريها المستخدم من المواقع الموجودة في هذا العالم. إذ تختلف المشتريات من الأعضاء البشرية والأطفال إلى المخدرات وصولاً إلى الأسلحة والمعلومات الشخصية كبيانات البطاقات الائتمانية أو أرقام الضمان الاجتماعي الأميركي، وحتى جوازات السفر المزورة.
وتحاول السلطات العالمية وخصوصاً “مكتب التحقيقات الفدرالي” الأميركي (أف بي آي) الوصول إلى بيانات هذه المواقع ومستخدميها. وقد استطاعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وبعد سنوات من التحقيق، أن تُغلق موقع “سيلك روود” أحد أهم المواقع الموجودة في “ديب ويب” واعتقال مؤسسه روس أولبريتش. وقدر المكتب حجم العمليات التجارية التي استضافها هذا الموقع بـ 1.5 مليون عملية، وصلت قيمتها إلى 1.2 مليار دولار أميركي أغلبها من عمليات تجارة المخدرات. واللافت أنه بعد شهر من الإغلاق، ظهرت نسخة جديدة من الموقع بالعنوان نفسه، ومُدار من قبل الأشخاص الذين أداروا الموقع الأول.
عموماً، وصل الحجم التقريبي للسلع في “ديب ويب” إلى نحو 50 ألف منتج غير قانوني، وأظهرت دراسة منشورة في العام 2014، أنه بعد اعتقال أولبريتش تضاعف عدد المنتجات المعروضة في “ديب ويب” من 18 ألف منتج إلى 41 ألف منتج خلال ستة أشهر. وفي الشهر الذي تبعه فقط، أضيف نحو 10 آلاف منتج جديد، رغم المحاولات الحثيثة لإغلاق الوكالات الأمنية هذه المواقع.
وعمد موقع “بيزنيس انسايدر” إلى التجول داخل موقع “سيلك روود 2.0” الجديد لتصفح أسعار المنتجات ونوعيتها، واتضح على سبيل المثال لا الحصر، من خلال الصور التي نشرها، أن كلفة قتل شخص ما، تصل إلى 20 ألف دولار فقط! ويطلب “القاتل” نصف المبلغ قبل التنفيذ، والنصف الآخر بعد اتمام عملية القتل، بالإضافة إلى صورة واضحة لوجه الضحية والمعلومات الشخصية عنه والمدينة التي يوجد فيها. ويمكن أيضاً شراء الأموال المزورة “بتقنية عالية” من هذا الموقع، سواء كانت “يورو” أو “دولاراً” مقابل 52 دولاراً أميركياً مقابل كل 100 دولار مزورة.
ومن خلال المنتجات التي يعرضها هذا الموقع والمواقع المشابهة في “ديب ويب” يتضح أن التبادل التجاري الذي يحصل في الخفاء، لا يمكن حصره أو حصر جنسيات المستخدمين إلا بعد إغلاق الموقع. إذ لا يمكن استبعاد استخدامه في لبنان مثلاً أو أي من الدول العربية المحيطة، وخصوصاً أن استعمال متصفح “تور” أصبح رائجاً بعد ثورات الربيع العربي في الوسط الشبابي للهروب من الرقابة الحكومية على ما يُكتب وما ينشر، الأمر الذي يرتب على السلطات الأمنية اللبنانية مهمة جديدة شاقة قد لا تقوى على تحملها، فيما قضية “صغيرة نسبية” كقضية الانترنت غير الشرعي لم تصل إلى خواتيمها السعيدة حتى اللحظة.