إفريقيا التي تساهم بـ 73 % من الإنتاج العالمي للكاكاو، ترنو إلى تحقيق استفادة أكبر من هذا القطاع، من خلال الحصول على إيرادات عمليات معالجة وتحويل هذه البذور أو ما يعرف بـ “الذهب البني”، ضمن مساعي القارة إلى دفع اقتصادات بلدانها، بحسب مختصّين في صناعة الشوكولاته، المعتمدة أساسا على الكاكاو.
مساعي تشرّعها مقاربة يعدّها خبراء مختلّة نظرا لإنعدام التوازن بين مساهمة القارة السمراء في الإنتاج العالمي من الكاكاو، والتي تمثّل ثلاثة أرباع المؤشر الأخير، ما يدرّ عليها عائدات بـ 9 مليار دولار، وبين نسبة تعدّ هزيلة ولا تتعدّى الـ 1 % من الإيرادات المتأتّية من معالجة وتحويل “ذهبها البني” المتواجد لديها بإسهاب، بحسب “المنظمة الدولية للكاكاو”.
مقاربة تفتقد إلى الكثير من التوازن، وفقا لمختصّين يرون أنّ حرمان إفريقيا من إيرادات تحويل بذور الكاكاو يمنحها شرعية السعي إلى الاستفادة بشكل أكبر من هذا المنتج الزراعي الحيوي الذي ما فتئ يستقطب عمالقة صناعة الشيكولاته في العالم، من ذلك منظمة “مبادرة شرقي الكونغو” (الديمقراطية) للنجم الهوليودي بن أفليك، والذي يرافق اليوم، أكثر من ألفي مزارع للكاكاو في الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى شركة “ثيو شوكولايت” الأمريكية.
ففي 2014، ابتاعت مؤسسة “ثيو” لوحدها 640 طنا من الكاكاو، أي ما يعادل الكمّية التي كانت الكونغو الديمقراطية تصدّرها في 3 سنوات، بحسب المعطيات الرسمية.
أما في توغو، فالوضع لا يختلف كثيرا عما هو عليه في الكونغو كنشاسا، والمساعي بدت حثيثة باتجاه تغيير معادلة الكاكاو في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. إريك كوميه أغبوكو، وهو أحد أعضاء تعاونية “شوكو- توغو”، قال للأناضول إنه “ومع الإرتفاع الذي تشهده حاليا أسعار الكاكاو على المستوى الدولي، إضافة إلى إعادة الهيكلة على الصعيد المحلي، فإنّ المزارعين يحققون أرباحا أكبر في الإنتاج، ويرفعون بالتالي من استثماراتهم في القطاع”.
وتعدّ التعاونية المذكورة الأولى من نوعها في البلاد، والتي قامت، في 2013، بانتاج الشوكولاطة البيولوجية، بنسبة 100 %، بمعنى أن زراعة الكاكاو تكون بدون استخدام الأسمدة الكميائية، وذلك عقب جلسات للتبادل مع مختصّين في هذا المجال من توغو ومن إيطاليا. إريك لفت في هذا الصدد إلى أن ما تبقّى الآن يشمل تحويل المادة الخام (بذور الكاكاو) بشكل فعلي”.
توجّه يتبنّاه هذان البلدان مع أنهما لا يعتبران من عمالقة إنتاج الكاكاو على الصعيد الدولي. فبحسب بيانات إحدى المواقع الإلكترونية المتخصصة في المجال، فإنّ لائحة عمالقة العالم في إنتاج “الذهب البني” تضمّ، على الصعيد الإفريقي، كلاّ من كوت ديفوار، بـ 32 %، وغانا بـ 9 %، ثم نيجيريا 5 %، فالكاميرون 3 %. أما على مستوى أمريكا اللاتينية، فتوجد البرازيل (11 %) والإكوادور (3 %) وكولومبيا (2 %)، فيما تحافظ أندونيسا على صدارة الترتيب في القارة الآسيوية بـ 10 %.
لائحة تضمّ عددا كبيرا من المنتجين، غير أنّ عدد الناشطين في مجال التحويل والمعالجة محدود للغاية. أحد المسؤولين في “بنك التصدير والإستيراد الإفريقي”، أشار، خلال اجتماع عام لتحالف البلدان المنتجة للكاكاو، عقد في يونيو/ حزيران 2013 في العاصمة الكاميرونية ياوندي، إلى أنّ “نسبة الكاكاو الإفريقي المعالج محليا لا تتعدّى الـ 17 %، مقابل 40 % في كلّ من أوروبا وآسيا”.
استنتاج ينطبق على كوت ديفوار، هذا البلد الإفريقي الذي يسجّل، رغم ذلك، أرقاما قياسية في إنتاج الكاكاو في القارة الإفريقية، غير أن معدّلات إنتاج الشوكولاته تظلّ ضعيفة نسبيا، نظرا لإعتبار هذا المنتج من الكماليات أو من المنتجات المخصصة للمرفهين إجتماعيا، ولذلك فإن تصنيعها ينبغي أن يكون في الخارج.
موريس ساوادوغو، أحد المقرّبين من المدير العام لمجلس القهوة والكاكاو، وأحد المنتجين في منطقة “أبونغوزرو، شرقي كوت ديفوار، قال للأناضول: “نحن لا نعتمد على ما يكفي من السياسات الإستهلاكية لمنتجات الكاكاو، رغم أننا نحتل المرتبة الأولى عالميا في إنتاجه، ومع ذلك لا نستهلك القدر الكافي من الشوكولاته”، لافتا إلى أنه “يتعيّن على الحكومة تشجيع ال سكان على استهلاك هذا المنتج وحتى في منطقة غرب إفريقيا عموما، وتقديم منح لأوّل المستثمرين في مجال تحويل الكاكاو”.
من جانبها، تسعى السلطات الإيفوارية إلى تجاوز مجمل هذه العقبات، حيث افتتحت، في مايو/ أيار الماضي، أوّل مصنع لها لتحويل زبدة الكاكاو إلى شوكولاته، وذلك في المنطقة الصناعية بـ “يوبوغون” في أبيدجان، بحسب تقارير صحفية.
المسؤولون عن هذا المصنع قالوا إنه يقوم بتحويل ما بين ألفين إلى 3 آلاف من جملة الـ 150 ألف طن من حبوب الكاكاو التي يبتاعونها سنويا من المزارعين الايفواريين، في انتظار تعزيز هذا التوجّه.
ورغم أنّ المبادرات بهذا الاتّجاه تظلّ محدودة، إلا أنّ المنتجين الأفارقة مصمّمون على ما يبدو على المضي على خطى كوت ديفوار، من أجل استفادة أفضل من منتجها الحيوي، والذي يحقّق قيمة إضافية أكبر للبلدان الناشطة في مجال تحويله، من ذلك الأوروبية والآسيوية، من البلدان المنتجة له.
ولتحقيق مساعي البلدان الإفريقية، اتفق كل من الىبنك الإفريقي للتنمية والمنظمة الدولية للكاكاو على تعزيز التعاون بينهما خلال السنوات القادمة، في عدد من المجالات، أبرزها خلق القيمة والترويج لاستهلاك الكاكاو والشوكولاته في إفريقيا، بحسب بيانات البنك الإفريقي المنشورة على موقعه الرسمي على الأنترنيت.
وبمرور الزمن، سجل استهلاك الشكولاتة المستخرجة من الكاكاو ارتفاعا ملحوظا، خصوصا في الدول الأوروبية، حيث يتصدّر سكان سويسرا المرتبة الأولى في استهلاك هذا المنتج وبنسبة 9.7 كغ سنويا للفرد، تليها النمسا بـ 8.7 كغ، والنرويج بـ 8.1 كغ، ثم بلجيكا بـ 7.3 كغ، فـ المملكة المتحدة بـ 7.3 كغ، بحسب إحدى المواقع المختصة.