كتب ربيع دمج في صحيفة “الراي” الكويتية:
صُعقت بيروت أمام هول الفضيحة المدوّية التي تفجّرت في الساعات الماضية وأبطالها عصابة اتجار بالفتيات السوريات، كانت تستدرجهنّ وتخطفهنّ وتحتجزهنّ في شاليهات وفنادق في منطقة جونية والبوار (شمال بيروت) حيث يُجبرن على ممارسة الدعارة ويتم ضربهنّ بأساليب وحشية وتعريضهنّ للحمل ثم الإجهاض.
75 فتاة غالبيتهنّ من السوريات، كنّ في ما يشبه “قفص جنسي” أداره السوري عماد الريحاوي وشريكه اللبناني علي زعيتر، وكان مسرحه يتوزّع بين فندقيْ silver a (شي موريس سابقاً) و silver b في المعاملتين وشاليهات في محلّة البوار، حيث كان يتم حبْس الفتيات وسط حراسة مشددة منعاً لهروبهنّ وكي يبقين فريسة الدعارة بالإكراه.
وجاء توقيف القوى الامنية اللبنانية أكبر وأخطر شبكة للاتجار بالنساء يتمّ الكشف عنها منذ اندلاع النزاع في سورية، ليلقي الضوء على المأساة التي يعيشها النازحون السوريون في لبنان او الذين يتم استدراجهم للانتقال اليه علّهم يجدون سماء آمنة تقيهم شرّ الموت في الحرب التي تمزّق بلدهم.
وعكَسَ البيان الذي أصدرته قوى الامن الداخلي فظاعة الجريمة اذ أعلن أنها تمكنت “خلال عملية أمنية نوعية تمت على مرحلتين في 27 و 29 مارس، من كشف هويّة مجموعة أشخاص يؤلفون أخطر شبكة للاتجار بالأشخاص في لبنان وتوقيفهم في محلة جونية”.
وأضاف البيان انه تم “تحرير 75 فتاة معظمهنّ من الجنسية السورية، تعرضن للضرب والتعذيب النفسي والجسدي وأجبرن على ممارسة الفحشاء تحت تأثير التهديد بنشر صورهنّ عاريات وغيرها من الأساليب”.
واذ لفت الى ان بعض الفتيات “تعرضن للتشويه الجسدي نتيجة تعذيبهن”، كشف انه تم خلال العملية توقيف عشرة رجال وثماني نساء يعملن على حراسة الشقق التي تستخدم لإيواء الفتيات “ولا يزال اثنان من الذين يديرون هذه الشبكة متوارييَن عن الأنظار”، موضحاً انه “تم تسليم الفتيات إلى عدد من الجمعيات بناء على إشارة القضاء المختص، فيما التحقيق مستمر لتوقيف بقية أفراد العصابة والمشاركين في هذه العملية”.
وفيما أوضح مصدر أمني أن القوى الأمنية وجدت أيضاً “طفلا عمره ثمانية أشهر، هو على الأرجح ابن إحدى الفتيات اللواتي تم إنقاذهنّ”، افادت تقارير ان كشف الشبكة تم بعدما نجحت 4 فتيات في الفرار من الفندقين في المعاملتين والصعود في “فان” وإبلاغ القوى الامنية التي رصدت العصابة قبل أن تتحرّك مفرزة استقصاء جبل لبنان في وحدة الدرك الإقليمي لتحرير الفتيات.
وتمّ بدايةً دهم الفندقين وتحرير 16 فتاة كن محجوزات في السراديب، كما اوقف 8 حراس كان دورهم مراقبة الفتيات وإصدار قرارات العقاب وطريقة تنفيذها، فيما ضُبطت داخل الملهييْن في الفندقين هواتف الفتيات وهوياتهن وكانت في خزانة، كما القي القبض على السورييْن غياث فرحات دفدع ومحمد جميل محمد القصار اللذين أشارت تقارير الى ان دورهما كان يقضي باستدراج الفتيات لخطفهن واجبارهن على ممارسة الدعارة.
وفي المرحلة التالية جرى دهم الشاليهات في البوار وهي تابعة لصاحب الفندقين، وهناك عُثر على الفتيات الاخريات مع حراس.
والأفظع في ما تكشفت عنه هذه المأساة ان عدداً من الفتيات خضعن منذ خطفهنّ لنحو 200 عملية إجهاض على يد طبيب اللبناني ر.ع (مواليد عام 1961) والممرضة اللبنانية التي كانت تعاونه وهي: ج.أ (مواليد 1961) وذلك في عيادته في محلة الدكوانة. وقد أكدت القوى الامنية ان الطبيب ومساعدته باتا في قبضتها.
ووفق معلومات “الراي” فان الفتيات الأربع قرّرن عصر يوم الجمعة العظيمة (25 اذار) وبما أن حركة الزبائن كانت خفيفة نوعاً ما، الهروب من أحد الأبواب السرّية الموجود في “شي موريس” الذي كان مطعماً في الأساس ومسجلا عقارياً على هذا الأساس، وقد ساعدتهن فتاة اسمها رنا، وهي الأقدم بينهن على أساس أن تلحق بهنّ مع صديقتها نسرين. وقد خططت رنا لضرب الحارسة المشرفة على الفتيات والتي تراقبهنّ وتصدر قرارات التعذيب بحقهن، وسرقت المفتاح منها وفتحت الباب فهربت الأربعة، الا انه ومع بدء الحارسة بالصراخ حضر شباب “البادي غارد” وتمكنوا من التقاط رنا ونسرين وتم تحويلهما إلى “محكمة عماد الريحاوي” وتعرضا لضرب مبرح جداً.
وعلمت “الراي” ان الهاربات وبعدما صعدن في “الفان” أقنعهنّ السائق بضرورة الذهاب إلى مفرزة استقصاء جبل لبنان وتقديم بلاغ، وهكذا كان.
ونجحت “الراي” في التحدث الى عدد من الفتيات المحرَّرات قبل أن تتسلّمهن الجمعيات المختصة. وقالت ساندرا (وهو اسمها “الفني” الذي أعطاها إياه الريحاوي) انها اتت إلى لبنان قبل 15 يوماً فقط عبر شخص اسمه أحمد وهو فلسطيني، على أساس العمل في مطعم سيتم افتتاحه في جونية. وقد أخبرها احمد انها ستنام في فندق في الكورة ( الشمال وهذا الفندق يتم الاتفاق معه على أنه سيحجز للبنات السوريات كي يأخذن إقامة للدخول إلى لبنان)، وحين وصلت تم تسليمها لشخص اسمه غياث الدفدع الذي بدوره أخذها إلى الريحاوي وهناك أخبرها انها لن تخرج من المكان وستمارس الجنس. وبعد توسلات من ساندرا وتقبيل قدميه قال لها “فقط ليلة واحدة ستمكثين هنا وسنطلق سراحك غداً”.
مرّت الأيام الـ15 وهي داخل غرفة كأنها سجن، ومهمتها في الحياة إشباع رغبات الزبائن. وكونها حديثة العهد في المجال وعدم تقبلها للأجواء القذرة، لم تتجاوب مع أي زبون فكان نصيبها الضرب العنيف على جميع أعضاء جسدها.
حكاية ساندرا تشبه حكايا الفتيات الأخريات، وملخصها أن الحارسة كانت مهمتها مراقبة ترتيب وأناقة ونظافة كل بنت، ولكل مجموعة بنات حارسة مشرفة، وفي حال لم تتقيد أي فتاة بترتيب أظافرها أو إزالة الشعر وغيرها من الأمور النسائية فلكل عقاب عدد جلدات، فمثلاً على عدم طلي الأظافر هناك 10 جلدات، وصولاً إلى الـ100 جلدة بالكرباج على القدمين وهذا العقاب في حال دخل الزبون وخرج غير راضٍ عن “الخدمة”.
وبحسب رنا، وهي أسيرة القبو عند “شي موريس” منذ سنتين، فإن جميع الفتيات كن محرومات من الخروج بتاتاً، ولم تعرف شخصياً الشارع إلا لدى تحريرها من “قيود العبودية”. ولكن خلال نقلها إلى الطبيب (ر.ع) لإجهاضها كانت ترى الشارع وسط حراسة أمنية من عصابة الريحاوي.
وعن موضوع الإجهاض الذي يُعتبر بحد ذاته فضيحة، فإن نحو 25 فتاة أجرين عمليات إجهاض في عيادة الطبيب ومنهن (ولسبب خطورة حالتهن خاصة في مرحلة الحمل المتقدّم) تم نقلهن إلى أحد المشافي في جل الديب وخرجن بكل بساطة.
وعن سبب وكيفية الحمل، تقول نسرين، إنها شخصياً أجهضت 4 مرات بسبب ممارستها الجنس مع الزبائن، وفي حال إصرار الواحدة منهن على “طلب خاص” من الزبون، كان عقابها 100 جلدة مع حرمانها من الطعام لأيام.
وفي هذا السياق، تقول مصادر أمنية لـ “الراي” ان عمليات البحث جارية عن جثة قد تكون داخل “شي موريس” وجرى قتلها قبل 3 أعوام (بحسب إفادة الفتيات القديمات العهد في الأسْر) ودفنها في حائط ما وصبّ الإسمنت عليها، وربما الأيام المقبلة قد تكشف اموراً جديدة، فيما روت احداهن في إفادتها أن هناك فتاة قُطع لسانها كون عماد الريحاوي سمعها تحكي عليه مع الزبون،وانه كان يزرع في الباريْن كاميرات لسماع ومشاهدة ما يدور بين الزبائن والفتيات اللواتي كن محرومات من الاتصال بذويهنّ او حتى مشاهدة التلفزيون.
كما علمت “الراي” أن 30 فتاة سيتم مساعدتهن بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للعودة إلى سورية، فيما الباقيات اللواتي فقدن ذويهن في الحرب، فقد جرى نقلهن إلى شقق تم استئجارها خصيصا لهن في قضاء كسروان (جبل لبنان) وستوضع لهنّ حماية لمنع أيّ كان من الوصول إليهن.