كتب غسان سعود في صحيفة “الأخبار”:
في كل قضاء هناك بلدة أو بلدتان يحسب سياسياً حساب انتخاباتها البلدية وتطغى السياسة فيها على كل ما عداها: ببنين والقبيات في عكار. مدينة طرابلس في طرابلس. مدينة جبيل وعمشيت في جبيل. جونية في كسروان. بسكنتا وبيت شباب وجديدة في المتن. وفرن الشباك والحدث في بعبدا. إلا أن الأهم سياسياً من هذه جميعها هي زحلة التي تستعد للمعركة السياسية الأوضح
يتكدس أمام السيدة ميريام سكاف الخصوم منذ أشهر: مطران الكاثوليك في زحلة. رئيس المجلس البلدي وأكثرية الأعضاء. خلية السفارة السورية التي كلفت نفسها بنفسها عناء البحث في مستقبل زحلة بعد غياب الوزير إيلي سكاف. الخلية السكافية المناوئة لميريام من داخل البيت.
نواب القضاء، والتيار الوطني الحر والكتائب، وخصما الكتلة الشعبية التاريخيان: القوات والنائب نقولا فتوش. وهي تواجه ضغط الثرثرات اليومية التي تستنبط موضوعاً تلو آخر. وهو ما كان يفترض أن ينهك السيدة الزحلية الأولى ويشتت تركيزها، فتكون الكتلة الشعبية لقمة سائغة أمام الثنائية الحزبية المسيحية المتطلعة إلى هزّ عرش البيوتات السياسية في مكان ما. إلا أن المشهد الزحلي لا يشي بسهولة إقفال النافذة البلدية التي فتحها الوزير إلياس سكاف بعد إغلاق محادل المستقبل والقوات باب بيته النيابي، وإصرار العماد ميشال عون على تسمية كاثوليكيين غيره من قوى 8 آذار لتولي الحقائب الوزارية. فالأوضاع، كما هي اليوم، تنبئ بمعركة ضارية بين الأحزاب والبيوتات السياسية. وكان رئيس حزب القوات سمير جعجع، قد قال في خلال توزيع البطاقات الحزبية على المنتسبين في البقاع في 10 تموز الماضي إن “البطاقة الحزبية مسمار ندقه في نعش التقاليد البالية. فالقوات حزب المشروع ولن تصير حزب المختار ومزراب العين”. وهو ما بدأ يتردد صداه في الشارع الزحليّ، حيث يشعر من يحادث العونيين والقوات بأنه أمام طانيوس شاهين. طانيوس شاهين يعصب جبينه بكوفية برتقالية بدل السوداء ويهتف بين موقف وآخر: “الله، حكيم وبس”.
في الأرقام، يتجاوز عدد الناخبين في زحلة المدينة 65 ألفاً، فيما يفترض أن لا يتجاوز عدد المقترعين 32 ألفاً. أما كتل المقترعين فتتوزع:
نحو 4500 مقترع يلتزم قرار الثنائية الشيعية في ظل تأكيد السيدة ميريام سكاف في مجالسها الخاصة حصولها على وعد قاطع بشأن التزامهم معها في أية حرب إلغاء تُشن عليها. أما العونيون فتقدّر مصادرهم أن يكرر حزب الله ما فعله عام 2010 حين شكل لائحته الخاصة التي تضم مرشح التيار والنائب نقولا فتوش وسائر المرشحين على لائحة الكتلة الشعبية. في وقت ترفض فيه مصادر القوات استسلام العونيين عند هذا الحد، مطالبين بالضغط على حلفائهم لدعم لائحتهم المشتركة كاملة. علماً أن مجلساً بلدياً سكافيّاً سيكون أقرب بكثير إلى حزب الله وحركة أمل من مجلس بلدي تسمّي القوات غالبية أعضائه.
ــ نحو 2000 صوت يؤيدون تيار المستقبل، وتتوقع معظم ماكينات المدينة أن يقترعوا بأكثريتهم الساحقة للائحة سكاف. علماً أن 600 صوت سنيّ ضموا أخيراً إلى زحلة مع ضم بلدة تعنايل إلى أحياء زحلة الـ18. وكان منسق تيار المستقبل في البقاع أيوب قزعون، قد استفسر على هامش احتفالات عيد الفصح الأخيرة في زحلة مرة أخرى إن كان سير سكاف بمرشح القوات أسعد زغيب بوصفه مرشحاً توافقياً، وارداً، وحصل على جواب سلبيّ نهائي. علماً أن علاقة زغيب بمستشار الحريري نادر الحريري وعدة رجال أعمال حريريين مثل ناصر الشماع وطيدة جداً.
ـــ نحو 4500 مقترع قواتي؛ فعدد المنتسبين في كل البقاع إلى القوات يبلغ بحسب تصريحاتهم الرسمية 2200، يرجح أن يكون نصفهم أو أكثر من نصفهم بقليل من زحلة. وغالباً ما تحدد القدرة التجييرية للحزب بضرب عدد المنتسبين بثلاثة.
ـــ نحو 3000 مقترع عوني؛ فعدد المنتسبين الزحليين للتيار يبلغ نحو 920. وفي استفتاء 2010 فاز مرشح التيار طوني بو يونس بـ 6700 صوت، بينهم 1700 مقترع شيعي و242 سنياً و4700 مسيحي، لكنهم ليسوا جميعاً عونيين 100%، فهناك من هم سكافيون انتخبوا لائحة سكاف ومرشح التيار، وهناك من هم فتوشيون لعبوا اللعبة نفسها.
الأرقام تبين أن “كتلة” الملتزمين في التيار والقوات تعادل “كتلة” الملتزمين بقرار حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل. وفي ظل تصفير الثنائية الشيعية وتيار المستقبل لعدادات القوات والتيار الوطني الحر، يصبح التحدي الرئيسي عند الفريقين استقطاب الرأي العام الزحليّ غير المتحزب. علماً أن التعداد السابق للأحجام لم يحسب الكتلة الشعبية التي تتجاوز قدرتها التجييرية ثلاثة آلاف صوت. فالكرة في ملعب الزحليين: حزب طانيوس شاهين أم حزب البيك؟
في جهة القوات والعونيين، لم يحسم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل موقف حزبه بعد. وهو فاجأ غالبية المحتفلين بزيارته للمدينة أمس بحديثه عن خصوصية المدينة على نحو أوحى بوقوفه في صف سكاف. علماً أن سكاف مقتنعة بوجوب التنسيق أكثر مع الجميّل ومطالبته بتسمية مرشح أو أكثر لعضوية المجلس البلدي، من دون أن يكونوا بالضرورة حزبيين. والجدير ذكره أن القوة التجييرة للكتائب لا تتجاوز مئتي وخمسين صوتاً، فيما يقارب عدد البطاقات الكتائبية الحزبية المئة فقط. أما رأس حربة الثنائية المسيحية، فهو مطران زحلة الكاثوليكيّ عصام درويش الذي يجمعه بمرشح القوات أكثر من مجلس إدارة مستشفى تل شيحا. فهما مقربان جداً، ورغم الاتهامات الكثيرة للمطران بأنه سوريّ الهوى، يرفع المطران راية التفاهم بالرغم من عدم حماسة المرجعيات المقربة من النظام السوري كثيراً له. وقد حرص المطران أمس على دعوة حشد كبير من الفعاليات الكاثوليكية إلى الاحتفال الذي أقامه على شرف النائب سامي الجميّل، لدحض ما تشيعه ماكينة الكتلة الشعبية عن افتقاد الفريق الآخر للمشروعية الكاثوليكية الضرورية زحلياً. أما النائب نقولا فتوش، فلم يتحدد موقفه بعد. في ظل استصعاب القوات مصالحة فتوش مجدداً وتداول ناشطيها مع العونيين في نظرية تقوم على أساس تمويه المرشحين الفتوشين إلى عضوية المجلس ببطاقات حزبية عونية، فيضاف مقعدان إلى حصة العونيين، يذهبان فعلياً لفتوش الذي تخجل القوات، كما يبدو، من التحالف معه.
في الجهة الأخرى، خلف الكتلة الشعبية هناك: أولاً، تيار المستقبل بكل وزاراته وأجهزته. ثانياً النائب سليمان فرنجية بكل رجال أعماله. في ظل تقدير رئيس ماكينة الكتلة الشعبية يوسف الزرزور (بو عزيز) تكلفة الفوز بالمعركة بثلاثة ملايين دولار. ثالثاً، عدة رجال أعمال زحليين يهابون من خطر الثنائية المسيحية عليهم. ورابعاً، مجموعة عائلات يتقدم ممثليها الوزير السابق خليل الهراوي. ويرى مصدر مقرّب من ميريام “أن ميريام ليست لقمة سائغة وشخصيتها من حديد ولن تقبل توافقاً لا يعطيها رئاسة المجلس ونصف أعضائه، فزحلة تحب الأقوياء”. لكن، يتابع المصدر: “زحلة عاطفية أيضاً إلا أن رئيسة الكتلة الشعبية لم تثر عاطفتها بعد أو تفكر في اللعب على هذا الوتر الأساسي”. وهي ما زالت تبحث عن أعضاء المجلس البلدي في الكتلة المؤيدة تاريخياً لآل سكاف، فيما المطلوب الخروج قليلاً لجذب أسر جديدة وتبني مرشحين من خارج النادي التقليدي. علماً أن الوزير الراحل كان يعد قبيل كل انتخابات “لائحة الزعلانين” ليقوم بأكثر من مئتي زيارة لمنازل هؤلاء، فيما السيدة سكاف تمضي غالبية وقتها في الحازمية، تزار ولا تزور. والجدير ذكره ختاماً أن مرشح الكتلة الشعبية لرئاسة البلدية هو عضو المجلس البلدي حالياً يوسف سكاف، شقيق زوجة النائب السابق إيلي الفرزلي. علماً أن خطوط الاتصال بين سكاف والرابية لم تنقطع بعد، في ظل استغراب كثير من المحيطين بالجنرال قبول مبدأ التسويات في مدن أساسية أخرى مثل جبيل والجديدة وبيروت وغيرها، ملاحظين أن ميل العونيين إلى التسوية هناك يسهل فوز رؤساء مجالس بلدية أقرب إلى 14 آذار، فيما بات حلمهم في زحلة هو تأمين انتصار القوات.
يُجمع خبراء الانتخابات على صعوبة تقدير المزاج الانتخابيّ الزحليّ، مقارنة بسائر المناطق. فتأييد التيار عام 2005 تحول تأييداً للقوات عام 2009. وتأييد الأحزاب عام 2009 انقلب تأييداً للعائلات عام 2010. ومقارنة نتائج الأقلام خلال عام واحد تبين تقدم قوى 14 آذار بأكثر من 160 صوتاً على سكاف في حوش الزراعنة عام 2009، فيما تقدم سكاف على 14 آذار بأكثر من 400 صوت في الحيّ نفسه عام 2010 رغم تعيين 14 آذار وزيراً ونائباً من هذا الحيّ. وفي حوش الأمراء كانت قوى 14 آذار متقدمة على سكاف بأربعمئة صوت عام 2009، فيما تعادلت معه عام 2010.