IMLebanon

قصة إنهيار راتبين شهريين

Supermarket2

حنان حمدان

هدى (موظفة) تعمل في قسم المحاسبة في إحدى مدارس لبنان الخاصة، راتبها الشهري ألف دولار. زوجها، عنصر متقاعد في قوى الأمن، يتقاضى معاشاً تقاعدياً يبلغ 700 دولار. يتعاون الزوجان لتأمين مستلزمات الأسرة ودفع مصاريفها. لذلك، يضعان ميزانية ثابتة في كل شهر، ينطلقان منها على أساس تنظيم المصاريف.

تحتفظ هدى بمذكرة صغيرة، تدون فيها المصاريف الشهرية، تضم قائمة باللضروريات. وعلى أساسها، تحاول أن تنظم مصروفاتها الشهرية، وفقاً لدخلها من الموارد المالية، فتبتعد عن شراء أشياء غير مهمة. ومع ذلك تظهر حاجات مفاجئة لم تكن في حساباتها، إذ يصعب ضبط ميزانية أسرتها الشهرية.

ففي بداية كل شهر، تدفع هدى نحو 350 دولاراً بدل إشتراكات وفواتير، وهي تعيش مع زوجها وابنتيها، في شقة “ملك”، الأمر الذي جنبها كلفة الإيجارات المرتفعة، وتتوجب عليها مدفوعات تتعلق بشراء مواد غذائية واستهلاكية أساسية، تقدر بـ600 دولار، إضافة إلى أنها مضطرة إلى سداد 300 دولار من قيمة قرض السيارة شهرياً.

وفق هذه الأرقام، ينفذ أكثر من ثلثي الدخل، أي 1250 دولاراً مع بداية أول أيام الشهر، ويبقى لدى الأسرة من مجمل الدخل نحو 350 دولاراً، مبلغ تحتفظ به لشراء الحاجات اليومية الضرورية كالخضار والبنزين، وفق ما تؤكده هدى.

أسرة هدى لا تزال “أشفى حالاً” من عائلات أخرى تقطن في بيروت، فهي تملك شقة، ولديها ضمان صحي، وأنهت تكاليف دراسة بناتها. ولكن ذلك لا ينفي أنها أسرة تعيش حياة القلق والخوف من المجهول، لأن الظروف لم تساعدها يوماً في الإدخار، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار أولاً، وانخفاض الرواتب والأجور وتراجع قدرتها الشرائية.

في بداية العام 2008، ارتفعت أسعار السلع الإستهلاكية والخدمات، وسجلت حركة الأسعار ارتفاعاً يفوق 5 في المئة في الفصل الواحد. وبحسب إحصاءات “جمعية المستهلك”، فإن الأسعار سجلت ارتفاعاً تدريجياً بلغ 35 في المئة بين العامين 2006 و2008، في حين زادت هذه النسبة نحو 10 في المئة بين العامين 2009 و2010. ما “انعكس سلباً على القدرة الشرائية للأفراد، وساهم في تقليص حجم الطبقة الوسطى في لبنان. ولاسيما أن الأسعار ارتفعت، في حين لا تزال الخدمات الاجتماعية، كالطبابة والتعليم، والتي تشكل الفاتورة الأعلى من مصاريف الأسر في لبنان، شبه معدومة”، وفق رئيس “التيار النقابي المستقل” حنا غريب، الذي ناضل لأعوام من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتصحيح الأجور بما يتناسب مع التضخم الحاصل في الأسعار.

ترافق ارتفاع الأسعار مع تبدل طفيف في حجم الرواتب والأجور، شهده العام 2008، إذ منح العمال والموظفين غلاء معيشة كزيادة على الراتب بقيمة 200 ألف ليرة، وبقيمة تراوح بين 200 و300 ألف ليرة في العام 2011. وبذلك يكون المعدل الوسطي، بحسب الزيادة في المرتين، قد تراوح بين 15 و20 في المئة من الراتب. وذلك، خلال مدة عشرين عاماً، فمع الأيام خسر الراتب من قيمته، كما خسر المواطن جزءاً من قدرته الشرائية. ويرى غريب أن استرجاع القوة الشرائية للرواتب والأجور، يحتاج إلى تعديل الرواتب والأجور في مدة أقصاها عامين، وغير ذلك، فإن الراتب سيخسر من قيمته أكثر فأكثر.

وعوض أن تضع الدولة سياسات تحمي ذوي الدخل المحدود، فرضت ضرائب على معظم السلع والخدمات الاستهلاكية كالضريبة على المحروقات والإتصالات، وحتى المواد الغذائية. وقد تخطت بذلك موضوع السلع، لتصل إلى فرض الضرائب على الرواتب والأجور، وتقدر إيرادات الدولة السنوية منها بـ600 مليار ليرة، فيما تبلغ إيرادات الدولة من ضريبة التوزيعات على الأرباح نحو 250 مليار ليرة سنوياً، وهو ما يعتبره موظف المالية السابق مروان القطب، فعلاً “ينافي مفهوم العدالة الضريبية، التي يفترض أنها تعتمد في تحصيلها على أصحاب الدخل المرتفع وليس المحدود”. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا لو استثنيت معظم هذه الضرائب من المصاريف؟ وهل سيؤثر ذلك إيجاباً على أصحاب الدخل المحدود في لبنان؟ يعتبر غريب أن الطبقة الوسطى أعلنت انهيارها منذ أعوام، فتوسعت طبقة الفقراء، وازدادت إتساعاً بسبب سياسة الحكومات المتعاقبة. فيما يؤكد القطب، أن النظام الضريبي اللبناني، لا يزال يحابي أصحاب رؤوس الأموال، على حساب الفقراء.