كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تنشط الحركة الديبلوماسية حول لبنان وفي اتجاهه على نحو لافت، وسط تقديرات متباينة لما قد ينتج عنها، خصوصاً لجهة تأمين نصاب اقليمي – دولي يتيح ملء الفراغ الرئاسي القابض على آلة الحكم ومؤسساته، بفعل احتجاز عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ مايو 2014 والشلل الذي أصاب تالياً المؤسسات الدستورية كالحكومة والبرلمان.
وتسجّل مفكّرة الحركة الديبلوماسية التي تولي لبنان اهتماماً خاصاً محطات بارزة، كانت آخرها المحادثات التي اجراها زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، والتقارير التي تحدثت عن ان لبنان كان على الطاولة في اللقاء الذي ضم امس، الرئيسين الاميركي باراك اوباما والفرنسي فرانسوا هولاند، وسط انتظار لزيارة هولاند لبنان منتصف الشهر الجاري.
ويتم التعاطي في بيروت، التي زارها اخيراً ايضاً الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، مع هذه الحركة الديبلوماسية، انطلاقاً من مقاربتين متناقضتين هما:
* الاعتقاد بأن ثمة جهوداً لتحضير المسرح اللبناني لتسوية ما على وهج حراك دولي – اقليمي في اتجاه الأزمات اللاهبة في المنطقة، كالدفع المضطرد للمفاوضات بين النظام والمعارضة في الملف السوري، والتحضيرات الجارية لحوار تستضيفه الكويت بين طرفيْ الصراع اليمني.
وتنطلق هذه المقاربة من إمكان توظيف مناخ الحلحلة في الأزمات الأكثر تعقيداً في المنطقة، لإمرار اختراق في جدار الأزمة اللبنانية، خصوصاً في ظل الحرص الدولي المتزايد على الاستقرار في لبنان لتمكينه من استمرار احتضان نحو مليون ونصف المليون مهجّر سوري والحيلولة دون أي اضطراب، من شأنه دفع هؤلاء الى الإبحار في اتجاه شواطئ أوروبا.
ويسود انطباع لدى أنصار هذه المقاربة بأنه لم يعد في الإمكان ضمان استقرار الحال اللبنانية بمعزل عن انتخاب رئيس للجمهورية، لا سيما أن تحديات متعاظمة في الداخل اللبناني أصبحت تضغط على الواقعين السياسي والأمني، لا يمكن مواجهتها بمعزل عن كسر المأزق الرئاسي.
أما المقاربة الأخرى، فتتعاطى مع “الطفرة” الديبلوماسية الجارية على أنها حرَكة بلا برَكة، نظراً لأن مصير الأزمة في لبنان يرتبط في شكل وثيق بالأزمة السورية، التي من السابق لأوانه توقُّع أي تطور حاسم في شأنها، يمكن ان ينتج عن المفاوضات الجارية، خصوصاً ان العقدة المتمثلة بمصير الرئيس بشار الأسد ما زالت مستعصية على الحل، رغم التقارير عن تفاهمات أميركية – روسية.
وثمة اعتقاد لدى الدوائر المؤيدة لهذه المقاربة بأن إيران ما زالت على تمسّكها بالأسد، الذي يتحدد مصيره عبر الانتخابات لا عبر التفاهمات المسبقة، الأمر الذي من شأنه تعريض المفاوضات الجارية لمزيد من “الكر والفر” في الميدان والديبلوماسية لتكريس وقائع تخدم خيارات هذا الطرف أو ذاك.
ونشطت في بيروت امس، عملية “تدقيق” في نتائج زيارة الحريري لموسكو، وسط تقارير افادت انه لمس خلال اللقاء الموسع مع بوتين تصميمه على الحل السياسي في سورية بدءاً بإقرار دستور جديد وحكومة انتقالية وصولاً إلى انتخابات نزيهة، عملاً بقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بحل الأزمة السورية، ناقلة عن الرئيس الروسي انه أكّد التزام بلاده وحدة لبنان واستقراره وتنوعه، وأن بلاده ستبذل جهدها في سبيل الحفاظ على هذه القيم والمبادئ، كما انه على الرغم من حرصها على عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية، فإنها ستبذل جهداً للمساعدة في الحد من التأثيرات السلبية الإقليمية على لبنان، والمساعدة على إنهاء الشغور الرئاسي.
وبحسب هذه التقارير، فإن بوتين استمع باهتمام إلى الشرح الذي قدمه الرئيس الحريري حول ظروف الشغور الرئاسي وتداعياته السلبية على عمل المؤسسات والنشاط الاقتصادي والاستقرار الأمني، متوقفاً عند دور أصدقاء لبنان، وفي مقدمهم الاتحاد الروسي للمساعدة في إنهاء هذا الشغور.
ولفتت التقارير نفسها الى ان مجرّد حصول اللقاء بين بوتين والحريري، وهو لم يكن مقرَّراً حين وصل الأخير الى موسكو للقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف، يعكس اهتمام موسكو بألا تكون الحلول في المنطقة على حساب لبنان، وبأن يُصار في أقرب وقت الى ملء الشغور الرئاسي لتكون بيروت “مكتملة النصاب المؤسساتي” في ملاقاة التحولات في المنطقة.
وكان بارزاً في بيروت، عشية اسبوع مثقل بمحطات داخلية، أبرزها جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، التي تحفل بملفات خلافية مثل جهاز أمن الدولة وتمويل التجهيزات لتحسين الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي، إطلالة المرشح الرئاسي زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية من طرابلس، التي زار مرجعياتها الروحية قبل ان يستقبله مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في دارته ويولم على شرفه، في حضور شخصيات سياسية وفاعليات من المنطقة.
وحرص الشعار في كلمته الترحيبية على مخاطبة فرنجية، الذي يحظى ترشيحه بدعم الحريري، بـ”فخامة المرشح والزعيم”، رافضاً شعارات أن “رئيس الجمهورية يختاره الموارنة أو المسيحيون والأكثرية المسيحية هي التي تفرز مَن هو رئيس الجمهورية والرئيس هو صاحب الأكثرية النيابية المسيحية ليس له علاقة لا بالدستور ولا بالأعراف”.
أما فرنجية، الذي اكتسبت إطلالته من “الخزان السنّي” لتيار “المستقبل” في طرابلس دلالات عدة، لجهة الرغبة في تسويق ترشيحه على انه “عابر للطوائف”، فلفت في كلمته الى ان “التمثيل المسيحي اتفقنا عليه في بكركي، والمسلمون وافقوا على هذا الاتفاق، واذا كان لفريق (14 اذار) اليوم مرشح آخر يحظى بالتوافق، واذا وضعت بكركي اليوم مواصفات اخرى، فانني في الحالتين ملتزم، ومسألة الاقوى في كل طائفة هو امر خطير، لان الاعتدال قد لا يكون بالضرورة هو الاقوى، والتطرف يصبح مفروضاً، وهذا أمر أخطر. والمرشح القوي لرئاسة الجمهورية يجب ان ينبثق من طائفته ويمثّل بيئته ويكون مقبولا من الفئات الأخرى”.