كتب د.ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
دعا وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الناخبين إلى الاقتراع لاختيار مجالس بلدية واختيارية بدلا من المجالس التي تنتهي ولايتها في مايو القادم، وذلك وفقا لأجندة تبدأ في 8 /5 /2016 مع محافظة بيروت ومحافظة بعلبك – الهرمل وفي 15 /5 محافظة جبل لبنان و22 /5 في الجنوب والشمال، وسيتم في نفس اليوم انتخاب نائب ماروني عن قضاء جزين لكون المركز شغر بوفاة النائب ميشال حلو في يونيو 2015.
يرافق عملية التحضير للانتخابات البلدية مواقف سياسية متعددة، وتشويش يطول التشكيك في حصولها، وتحليلات عن نية للتمديد للمجالس الحالية لمدة تتراوح بين سنتين وست سنوات، تماشيا مع واقعة التمديد للمجلس النيابي لولاية كاملة، ونظرا للشغور الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية منذ اكثر من 20 شهرا.
ويبني هؤلاء تحليلاتهم على اعتبار ان الظروف الاستثنائية التي دفعت الى تأجيل الانتخابات النيابية وتعطل الانتخابات الرئاسية هي نفسها التي قد تفرض تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية.
هذه التوقعات أصبحت في خانة الاجتهادات التي لا تبنى على وقائع ملموسة، فالوقائع تؤكد حصول هذه الانتخابات في مواعيدها، ولا توجد أي قوة قاهرة قد تحول دون حصولها حتى الآن، كما انه ليس بإمكان أي من الكتل النيابية تقديم اقتراح قانون للتمديد للمجالس الحالية، على اعتبار أن ذلك الاقتراح يعتبر نقطة ضعف سياسية، وبالتالي لن تقدم عليه هذه الكتل، وسيفسر اقتراحها، على أنه هروب من مواجهة الاستحقاق الشعبي.
ماكينات التحضير لهذه الانتخابات بدأت فعليا، والأحزاب السياسية انخرطت في تشكيل اللوائح، وفي عقد التحالفات، غير أن حسابات السرايا – أي حسابات القيادات الحزبية والسياسية – شيء، وحسابات «القرايا» – أي حسابات القرى وفعاليات العائلات ومفاتيح الأحياء شيء آخر، وأي اصطفافات سياسية مركزية وفوقية تعقدها قوى سياسية، أو أحزاب، لا تعني بالضرورة أنها ستصرف على واقع الحال، لأن الاعتبارات المحلية في الانتحابات البلدية والاختيارية لها في معظم البلدات والمدن الأولوية على التحالفات السياسية.
والمراقبون للتحضيرات التي تجري لهذه الانتخابات تلاحظ بوضوح ان المعايير التي تحكم التعاون بين القوى ليست واحدة، وفي بعض الأحيان تتفلت الحركة من الضوابط الحزبية – وكلام رئيس القوات اللبنانية د. سمير جعجع عن ان القوات اللبنانية ستتحالف مع التيار الوطني الحر في بعض المناطق وستتحالف مع قوى 14 آذار في مناطق أخرى خير دليل على الفوضى التحالفية، أو على عدم قدرة القوى السياسية على ضبط جمهورها على إيقاع واحد في كل القرى والبلدات، والمؤشرات المتوافرة في بعض الدوائر تبين ان مناصري طرف سياسي واحد يتوزعون على أكثر من لائحة انتخابية متنافسة.
رغم الضجيج الذي تثيره الانتخابات البلدية عادة، فإن الهدوء النسبي يسود حتى الآن معظم المناطق، ورائحة التوافقات تفوح في اكثر من مكان، متجاوزة أجواء الانقسامات السياسية الشديدة التي تعيشها البلاد.
والاعتبارات التي تحكم التعاون في الإنماء المحلي تغلب على الاعتبارات التي تباعد بين المكونات الاجتماعية والسياسية في الانتخابات النيابية.
ولا يعني هذا الأمر عدم وجود معضلات تستدعي تدخل المرجعيات السياسية، خصوصا في المدن والقرى التي يعيش فيها خليط اجتماعي متنوع ينتمي الى طوائف ومذاهب متعددة، وعدم التدخل من قبل هذه المرجعيات قد يعني استباحة التقاليد والأعراف في توزيع المواقع البلدية والاختيارية على هذه المكونات، لأن قانون البلديات رقم 118 /1977 المعمول به حاليا لا يلحظ توزيعا طائفيا للمواقع البلدية والاختيارية، كما هو عليه الحال في قانون الانتخابات النيابية.
التحالفات الفوقية في الانتخابات البلدية تعتبر «شكات» بلا رصيد أحيانا، ولا تصرف في أحياء المدن وزواريب القرى الصغيرة، وفي نفس الوقت استبعاد التأثيرات السياسية عن الانتخابات البلدية فرضية غير واقعية نهائيا، غير أن صناعة الائتلافات، أو خوض الانتخابات المحلية، تحتاج الى مهارة وحرفية عالية قد لا تتوافر عند بعض الهواة.
*القرايا: كلمة تستخدم منذ القدم في الأرياف اللبنانية، أي القرى أو البلدات.