IMLebanon

دولة الرعاية الاجتماعية «حصّالة» لدعم الضعفاء

benefits-cost
مارتن وولف

كيف يتم تبرير “دولة الرعاية الاجتماعية”؟ الجواب المعتاد هو أنها وسيلة للأثرياء من أجل مساعدة الأقل ثراءً. لكن هذا ليس دورها الوحيد. إنها أيضاً بمثابة “حصّالة”، كما يُجادل نيكولاس بار، من كلية لندن للاقتصاد.

لنضع جانباً الإنفاق على الخدمات، مثل التعليم أو الصحة، ولنُركّز على المزايا التي يحصل عليها الأفراد، مثل مزايا الإسكان والإعفاءات الضريبية التي يحصل عليها العاملون والمتقاعدون. في المملكة المتحدة، مثل هذه المزايا تصل إلى مبلغ ضخم: 33 في المائة من الإنفاق الحالي “و12.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي” في العام المالي 2014/2015.

على المدى القصير، الإنفاق على المزايا هو بمثابة إعادة توزيع إلى حد كبير. دور الدولة هذا مهم بلا شك في كل الأوقات، لكنه مهم بشكل خاص في أعقاب أزمة تركت الاقتصاد ككل أصغر بكثير مما توقعه الجميع. استنتج معهد الدراسات المالية، المؤسسة الاستشارية القائمة في لندن، أن التغييرات في الضرائب والمزايا بين أيار (مايو) 2015 ونيسان (أبريل) 2019 ستكون آثارها أشد وطأة نسبياً على الأجزاء الأكثر فقراً من السكان. يُمكن أن يتحمّل الأغنياء نسبياً مزيدا من هذا العبء، لكن الحكومة اختارت خلاف ذلك. ينبغي أن يُقرّر الجميع بأنفسهم ما إذا كانوا يعتقدون أن هذا أمرا مناسبا.

مثل هذه القرارات نفسها يُمكن أن تكون لها آثار كبيرة على المدى الطويل. مثلا، إذا كان تخفيض المزايا من شأنه الحد من قدرة الآباء على دعم أطفالهم، فإن الآثار الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل يُمكن أن تكون مُدمّرة للغاية. لكن عندما ينظر المرء إلى تأثير دولة الرعاية الاجتماعية على مدار دورة الحياة، عندها ربما سيظهر شيء أكثر عمقاً بكثير: دورها هو، كما يبدو، يتعلق بتوزيع الدخل على مدى الحياة بقدر ما هو بين الناس.

الدليل على هذا يأتي من دراسة أخرى أجراها معهد الدراسات المالية، تم نشرها العام الماضي. تناولت الدراسة تأثيرات أنظمة الضرائب والمزايا على الناس الذين ولِدوا بين عامي 1945 و1954 – جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية. وتوصّلت إلى أربعة استنتاجات كبيرة.

أولاً، الدخل أقل تفاوتاً بكثير على مدى الحياة مما هو في عام معيّن. هذا لأن نسبة كبيرة من عدم المساواة مؤقتة، نتيجة إما للاحتياجات المتغيرة مع تقدّم الناس في العمر، وإما نتيجة صدمات انتقالية.

ثانياً، نتيجة لذلك إلى حد كبير، أكثر من نصف إعادة التوزيع التي حققتها الضرائب والمزايا هي على مدى الحياة وليس بين أشخاص مختلفين.

ثالثاً، في سياق حياة الكبار، 7 في المائة فقط من الأفراد يحصلون على مزايا أكثر مما يدفعون من الضرائب، على الرغم من أن 36 في المائة من الناس يحصلون على مزايا أكثر مما يدفعون من الضرائب في أي عام مُعيّن.

أخيراً، مزايا العمل جيدة بقدر مزايا عدم العمل فقط في مساعدة الناس الذين يبقون فقراء طوال حياتهم، لكنهم يُلحقون ضررا أقل بالحوافز من أجل العمل. في الوقت نفسه، معدلات أعلى من ضريبة الدخل تستهدف “الأغنياء طوال الحياة” بشكل جيد نسبياً لأن التنقل في الأعلى يكون متواضعا نسبياً.

النتيجة التي مفادها أن الضرائب والمزايا توزّع الدخل على مدى حياة الأفراد أكثر بكثير مما تفعل بين الأفراد لا ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها تمثل ضررا، بل سمة من سمات دولة الرعاية الاجتماعية.

الحجة هنا هي أن الشرط الضروري لتحقيق الكفاءة الاقتصادية هو “أسواق كاملة”: وهذا يعني، سوق لكل الأصول في جميع الدول المحتملة. من الواضح – بسبب عدم اليقين السائد، والمعلومات غير المتماثلة، وتكاليف المعاملات، وهكذا دواليك – أن الأسواق الكاملة لا وجود لها ولا يُمكن أن توجد. هذا ليس بعض الفضول النظري. نتيجة هذه الإخفاقات، فإن التأمين الخاص ضد البطالة، أو أي فقدان كبير مؤقت للدخل، والاقتراض مقابل الأرباح في المستقبل البعيد، هو أمر صعب إن لم يكُن مستحيلاً.

الدولة في وضع جيد لتصحيح هذه الإخفاقات، جزئياً لأنها تستطيع مراقبة السلوك وتجنّب سوء الاختيار “أي، الانتهاء عالقين مع المخاطر السيئة فقط” بالإصرار على أن ينضم الجميع إلى التأمين. بالطبع، قد تُصمم الدولة مثل هذه البرامج بشكل سيئ للغاية. التأمين أيضاً يخلق “خطرا أخلاقيا”. لكن نستطيع الحد من مثل هذا الضرر في الوقت الذي نُساعد فيه الناس على تجاوز الصعوبات المؤقتة أو المطالب الاستثنائية لبعض مراحل الحياة.

تُشير دراسة معهد الدراسات المالية لعام 2015 إلى أن هذا بالضبط هو ما يفعله نظام الضرائب والمزايا في المملكة المتحدة. الخدمات التعليمية والصحية الممولة من القطاع العام تُعزّز بقوة مثل هذه الآثار: يجني الناس أكبر المزايا من الخدمات التعليمية عندما يكونون صغارا ومن الخدمات الصحية عندما يكونون من كبار السن.

في تصميم هياكل الضرائب والمزايا، مثل هذه الآثار على مدى الحياة لا تقل أهمية عن تلك التي في أي لحظة. هذه الآثار تشمل دور دولة الرعاية الاجتماعية كمؤمّن وبنك. وتلعب الحكومة هذه الأدوار في جميع الدول ذات الدخل المرتفع، بما في ذلك الولايات المتحدة. إنه دور مرغوب، لكن هناك حاجة أيضاً إلى التصميم الدقيق. يجب أن تكون نقطة البداية مصحوبة بوعي أكبر لهذه الحقيقة.