كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
لا يُسقط العونيون من حساباتهم ورقة الشارع. بنظرهم، يحافظ هذا السلاح الى اليوم على متانته ومدّة صلاحيته، حتى لو اختلفت الاجتهادات حول قدرته على تغيير المشهد المحلي بشقه الرئاسي. ولكن بالنسبة لهم يجوز استخدام «قوة دفعه» في أي لحظة يبدو فيها الأفق مسدوداً، ويمكن عندها اللجوء إليه لتحقيق الاختراق.
وما زاد من معنويات البرتقاليين ورفع من منسوب ثقتهم هو التفاهم مع معراب، ليس طلباً للدعم البشري فقط، ولكن من باب التخفيف من وطأة الاتهام بتعريض المربّع المسيحي لخضات استخدام الحراك الميداني طالما أنّ الحزبين الأقوى في هذا الشارع هما اللذان يحركان الأرض. هكذا بات الحديث عن العودة الى الشارع سهلاً، بل وأكثر من ذلك، ارتفعت قيمة هذه الورقة المعنوية، وصار التهديد باستخدامها جدياً.
بهذا المعنى فُهمت دعوة العماد ميشال عون لمناصريه في ذكرى 14 آذار لتجهيز سواعدهم، تمهيداً لتحديد «ساعة الصفر» التي سيكسر معها سقف الثوابت القائمة منذ دخول الرئاسة في مربّع الشغور القاتل.
ولهذا ثمّة من يعتقد أنّ الجنرال بلغ حافة كوب الانتظار، وقد يلجأ الى رمي الماء خارج الإناء إذا ما صار مقتنعاً أنّ الجمود سيقضم من مكانته الترشحية، وسيلجأ حينها الى أي وسيلة من شأنها تحريك المياه الراكدة، ومن بين تلك الوسائل التصعيد الميداني.
في المقابل، هناك من يظنّ أنّ تجارب استخدام الشارع في لعبة النزاع الداخلية لم تكن يوماً مؤثرة في مسار الأحداث الكبيرة، لا بل يكاد يكون هذا السلاح ذا حديّن قاسيين يصعب اللعب بينهما. وبالتالي إنّ الركون الى ورقة هزّ الاستقرار الداخلي قد لا يغيّر بشكل جذري في المشهدية العامة، فكيف إذا كانت الرئاسة هي جوهر الخلاف؟
على هذا الأساس، يعتقد هؤلاء أنّ هناك أربع ثوابت لا تزال حتى اليوم تتحكم باللعبة الرئاسية، وهي:
ـ ميشال عون مرشح، ونقطة على السطر. ما يعني أن الرجل غير مستعد لصياغة خطة «ب»، مهما بدت الضغوطات عليه كبيرة ومهما تراكمت الحواجز أمامه والتي تحول دون بلوغه قصر بعبدا. بالنسبة للجنرال هي معركته الرئاسية الأخيرة، ولذا هو غير مستعد لتقديم أي تنازل من شأنه أن يسحب ملعقة «الذهب» من فمه، لاقتناعه أن بلعها لم يعد مستحيلاً. على هذا الأساس، يرفض الرجل البحث بأي خطة بديلة أو ترشيح بديل. وطالما أنّ هناك «مستعجلين» أكثر منه لدخول «السرايا»، أي سعد الحريري، فهو المرتاح إذاً ولا حاجة أبداً للبحث عن «خطط إنقاذ».
ـ «حزب الله» داعم للجنرال، وهو أمر لا مجال للمناورة حوله كما يرى العونيون، مع أنّ مؤيدي رئيس «تيار المردة» يرون في كلام الأمين العام السيد حسن نصرلله إضاءة يرفض العونيون الاعتراف بها، وهي التي تترك للقطب الزغرتاوي مكانة على سلّم ترشيحات «حزب الله»، قد لا يكون بنظرهم قد حان وقتها، لكنها تسمح له بالبقاء في المربع الذهبي. ولكن ما يجوز صرفه بالسياسة كما يرى البرتقاليون، هو المعلن مرة ومرتين وثلاث من جانب الحزب، وهو أمر لا مجال للتشكيك به.
ـ لا نصاب رئاسياً، بحيث أنّه مهما حاول سعد الحريري شحذ همم فريقه السياسي وحلفائه ليكونوا حاضرين ومشاركين في الجلسات الانتخابية، فإنّه من غير المرتقب أن تعلن ساعة البرلمان اكتمال النصاب القانوني لافتتاح الجلسة الانتخابية. وفق هذه القراءة فإنّ النصاب القانوني هو تعبير عن تفاهم سياسي لا بدّ أن يكون جامعاً، وليس سباقاً لـ «شمّ الحبق» يصار خلاله الى فرض نصاب على طريقة «التهريبة» ينتخب بواسطته رئيس الجمهورية. هذا السيناريو يستحيل رسمه على أرض الواقع طالما أنّ اللعبة لا تزال تحت سقف الثوابت القائمة منذ الخامس والعشرين من أيار العام 2014.
ـ الحفاظ على الاستقرار الداخلي ولو بصيغته الهشّة، وبالتالي من الصعب استخدام أي من الأساليب المهددة لهذا التوازن الدقيق والذي لم يشهد للحظة انتخاب رئيس للجمهورية.
ـ عدم تجاوز «الأكثرية المسيحية»، كما يعبّر عنها الثنائي العوني ـ القواتي، والتي صارت ممراً إلزامياً لأي خطوة قد يشهدها الاستحقاق الرئاسي، والقفز فوق هذه الأكثرية هو قفز في المجهول.
وعليه، فإنّ استخدام لعبة الشارع قد لا يحصل إلا في حال خرق واحد من هذه القواعد المذكورة، ليحلّ محلها قواعد جديدة قد تفرضها ورقة «الأرض» إذا ما جرى العودة إليها.
وعلى هذا الأساس يعتقد بعض العونيين أنّ مهلة من الزمن بدأت تفرض نفسها على رزنامة الاستحقاق الرئاسي، وقد تستدعي تجهيز السواعد لينزل البرتقاليون وحلفاؤهم الجدد الى الساحة ويقولوا معاً «كلمتهم الأخيرة». وهناك من يتحدث عن أسابيع معدودة قبل تغيير القواعد.