كتبت رولا حداد
لا يزال لبنان يعيش ارتدادات الإساءات المتكررة التي يرتكبها بعض الأطراف في الداخل بحق دول الخليج العربي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. ومن جهة ثانية يعيش لبنان تبعات عجز الحكومة اللبنانية عن اتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة لوضع حد للمتمادين في إساءاتهم.
قبل أيام انتفض بعض اللبنانيين في مواجهة كاريكاتور نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” واعتبرت فيه أن الدولة اللبنانية هي كذبة أول نيسان. في الشكل، لا يختلف اثنان على أن الكاريكاتور مسيء. ولكن هل يمكن مقارنة مثل هذه الإساءة الى دولة لبنانية عاجزة عن اتخاذ اي إجراء بحق المسيئين للمملكة العربية السعودية، بالإساءات الهائلة والمعيبة التي قام بها “حزب الله” بحق المملكة، بدءًا بتدريب مقاتلين حوثيين في اليمن على قصف الأراضي السعودية، مروراً بالهجوم الكلامي المتكرر للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله على المملكة وقيادتها واعتبارها عميلة لإسرائيل، وصولاً الى هتافات جمهور الحزب “الموت لآل سعود”؟!
أين كانت “الدولة اللبنانية” بكل أجهزتها، الحكومية والسياسية والقضائية والأمنية من كل ذلك؟ أين إجراء تم اتخاذه إزاء كل ما حصل؟
وإذا كان الحسّ الوطني يمنعنا من قبول إساءة “الشرق الأوسط” كرد فعل على الإساءات اللبنانية المتكررة بحق السعودية، فإن ما يجب بالمقابل إدراكه هو أن الدول تتعاطى مع بعضها وفق المصالح أولاً وأخيراً، لا وفق العواطف والأهواء. وعندما نتحدث عن المصالح، فإننا نعني المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المشتركة بين أي دولتين. وفي هذا الإطار لا بد من مجموعة أسئلة عسى أن تلقى أجوبة من أي مسؤول لبناني:
ـ في السعودية وحدها يعيش أكثر من 300 ألف لبناني يعملون هناك، ويرسلون حوالى 5 مليار دولار سنوياً الى لبنان. في المقابل لا يعمل أي سعودي في لبنان، بل كانوا يقصدون لبنان لاستثمار ملايين الدولارات فيه، سواء في مشاريع عقارية أم لأهداف سياحية بامتياز. وبطبيعة الحال أرقام السوّاح السعوديين والخليجيين وأرقام إنفاقهم في لبنان في كل المواسم السياحية موجودة لدى كل الوزارات والإدارات المعنية. فمن يحتاج بالتالي الى الآخر؟ أي اقتصاد يحتاج الى الآخر؟
ـ منذ انتهاء الحرب اللبنانية، قدّمت المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات كمساعدات غير مشروطة الى الدولة اللبنانية، ومن دون أي مقابل. ولولا هذه المساعدات لما تمكنت مؤسسات الدولة اللبنانية من النهوض على قدميها. يكفي أن نذكر لمن تخونه الذاكرة أن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز وضع وديعة مليار دولار في مصرف لبنان خلال حرب تموز لتأكيد الثقة بالاقتصاد اللبناني ومنع انهياره وانهيار الليرة يومها.
ـ ولن ننسى فضل السعودية في إنهاء الحرب اللبنانية، وجهودها سواء من خلال جامعة الدول العربية، أو من خلال استضافتها ورعايتها لمؤتمر “الطائف” الذي خرج منه دستور الجمهورية الثانية.
لا يمكن الإطالة في تعداد الأمثلة والوقائع عن مدى التزام المملكة العربية السعودية في دعم لبنان سياسياً واقتصادياً، ومدى احتضانها لمئات آلاف اللبنانيين العاملين على أراضيها. وأقل الإيمان أن يكون لبنان الرسمي والشعبي حريصاً على مصالحه السياسية والاقتصادية مع السعودية، فلا يدمّر هذه المصالح تنفيذاً لأجندة إيران في المنطقة، ولا يعتبر أن “دعم الحوثيين المظلومين في اليمن” على حدّ تعبير السيد نصرالله، ودعم الانقلابيين في البحرين في مقابل دعم النظام السوري ضد شعبه في سوريا، يستأهل الإطاحة بكل المصالح العليا للبنان واللبنانيين مع السعودية ودول الخليج العربي!