آنا-كاثرين بريجيدا
تقول مقاتلة حرب العصابات السابقة جلاديس جيرالدو إنها أدركت أخيراً أن العنف ليس هو الحل.
عملت السيدة جيرالدو التي تبلغ من العمر 38 عاماً الآن 12 عاماً مع مجموعة مسلحة تعرف باسم القوات الثورية الكولمبية (فارك)، وهي جماعة ثورية يسارية مسلحة. وتتذكر السيدة جيرالدو، التي تركت تلك المنظمة المسلحة قبل عشر سنوات، بأسف أهوال المعارك التي خاضتها.
وتقول إنها انضمت إلى منظمة فارك، والتي تدرجها كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على قائمة المنظمات الإرهابية، منذ سن المراهقة بسبب قلة الفرص المتاحة، لكن في نهاية الأمر قررت أن ما فعلته كان أمرا خاطئا.
وتقول: “ضميرك ينمو وتدرك أنها ليست الطريقة المثلى، وعندما تغادر تندم على كل شيء”.
كانت المشكلة بالنسبة للسيدة جيرالدو تتمثل في أنها بعد مغادرتها تنظيم فارك المسلح، كان من الصعب أن تجد أحداً يقبل توظيفها. وتقول في هذا السياق: “معظم الناس لا يرغبون في أن يعمل لديهم الأعضاء السابقون في فارك بسبب ماضيهم”.
ويرجع الفضل بالنسبة للسيدة جيرالدو إلى هيئة حكومية تدعى الهيئة الكولمبية لإعادة الإندماج (إيه سي آر) التي تكفلت بدفع تكاليف تعليمها الحياكة، مما مكنها من افتتاح مشروعها الخاص.
ومع أن العمل في حياكة القمصان والبنطلونات لمحلات الأزياء في مدينة ميديلين، ثالث أكبر مدينة كولومبية، ليس من شأنه أن يجعلها ثرية، لكنها هي صاحبة العمل، وليست مضطرة لإخفاء ماضيها عن العاملات لديها وعددهن سبعة من أقاربها.
وتقوم مؤسسة “إيه سي آر” التي تأسست عام 2003 وتمكنت من مساعدة حوالي 60 ألفا من مقاتلي منظمة فارك السابقين، وأعضاء سابقين في منظمات يمينية شبه عسكرية، على البحث عن وظائف أو تأسيس شركات خاصة لهؤلاء المقاتلين.
ويأتي استمرار تلك المؤسسة في عملها في وقت يلتقي فيه ممثلون عن فارك، والتي مازالت تضم حوالي 10,000 عضواً من الرجال والنساء، وعن الحكومة الكولمبية في كوبا للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي أكثر من 50 عاماً من القتال.
فإذا تم التوصل إلى اتفاق، سيكون لهيئة “إيه سي آر” الدور المركزي في إعادة دمج ما تبقى من أعضاء فارك في المجتمع.
“أمور فظيعة”
التحق إيفر أوسوريو بتنظيم يعرف باسم القوات المتحدة للدفاع عن النفس (إيه يو سي)، وهو تنظيم يميني شبه عسكري، بعد أن قتل محاربون من تنظيم فارك اثنين من أقاربه. وقد تأسس تنظيم “إيه يو سي” عام 1997 كجيش يقوده مدنيون لمحاربة فارك وغيرها من المنظمات اليسارية المسلحة، لكنه وسع عملياته بعد ذلك مباشرة لتشمل تهريب المخدرات والابتزاز.
ورغم تلاشي منظمة “إيه يو سي” على المستوى القومي عام 2008، إلا أنها أفرزت منظمات إجرامية جاءت بعدها.
يقول السيد أوسوريو البالغ من العمر 51 عاماً، بعد أن قضى عامين مع منظمة “إيه يو سي”، إن مهمته كانت تتعلق بالأمور اللوجستية من قبيل تقديم معلومات عن أعضاء ومناصري فارك والقيام بمهمات عادية مثل تحضير الطعام.
ويقول عن نفسه: “لقد ارتكبت خطأ في السعي إلى الانتقام. لقد قتل مقاتلو حرب العصابات عمي وابن عمي، لهذا السبب التحقت بمنظمة ‘إيه يو سي’، لكنني لم أر أي شيء إيجابي. ففي الصراع المسلح ترى أشياء فظيعة”.
وبعد 24 شهراً مع الجماعة شبه العسكرية، قرر أوسوريو الالتفات إلى نفسه عن طريق بذل الجهد بدلاً من الابتزاز والعنف. لذلك فر إلى حيث لا يستطيع أحد العثور عليه، إلى مزرعة مهجورة في أعالي جبال كولومبيا، تبعد ثلاث ساعات عن أقرب مدينة، ويمكن الوصول إليها فقط عن طريق ضيق غير ممهد.
وكوسيلة للهروب من أعماله السابقة، عمل أوسوريو بجد واجتهاد لتحويل الأرض التي يملكها إلى مزرعة لإنتاج البن.
وقد ساعدت هيئة إعادة الإندماج أوسوريو على الحصول على المهارات الضرورية لفلاحة البن عن طريق تمويل حضوره دروساً ينظمها اتحاد مزارعي البن الكولومبي.
وواصل أوسوريو جهوده حتى تمكن من شراء المزرعة من مالكها الأصلي، بفضل قرض بنكي بقيمة 19 ألف دولار. وهو الآن يزرع ويبيع 7,000 كيلوغرام من البن في كل عام.
“عشت خائفاً”
جواكوين كالي، 44 عاماً، مقاتل آخر في إحدى المنظمات المسلحة، والذي استفاد من مساعدة هيئة إعادة الاندماج.
وقد كان ترتيبه الثالث في هرم القيادة لفرقة تابعة لمنظمة “إيه يو سي” التي أرهبت حي “كومونة 8” في مدينة ميديلين حتى تم تدميره عام 2003.
يقول كالي: “عندما تم حلنا قلنا لأنفسنا ما الذي يجب أن نفعله لكسب ثقة مجتمعنا من جديد. فقررنا أن ننظف الشوارع”. وهكذا بدأ كالي مع 11 مقاتلا سابقا في منظمة “إيه يو سي” إعادة تدوير نفايات المنطقة والعناية بمناطقها الخضراء.
ويقول: “في الماضي عشت في خوف دائم، فاراً من السلطات، محاصراً بحدود خيالية. لكن مع هذا المشروع تغيرت كلياً، ومنذ أن خرجت من التنظيم قبل 12 عاماً لم أحمل السلاح قط”.
يقول البروفسور ويليام دانكين من جامعة بيكر في كانساس بالولايات المتحدة، والخبير في ريادة الأعمال وحفظ السلام، إن الأموال التي تقدمها منظمات مثل هيئة “إيه سي آر” في غاية الأهمية، لأنها “تعطي الناس بدائل للعنف”.
لكن زاخاري كوفمان خبير الأمن العالمي في جامعة هارفارد يقول إن كولومبيا ما زال عليها أن “تعالج المشاكل القائمة والتي سببت العنف من الأصل”.
أما أوسوريو صاحب مزرعة البن فيقول إنه لكي يسود السلام في كولومبيا “فلابد أن تكون هناك مسامحة. وإلا فسنبقى نراوح مكاننا”.