أكد اللواء أشرف ريفي أن “نقاش موضوع القضاء الاستثنائي وعلى وجه التحديد المحكمة العسكرية، يختلف عما عداه”.
وقال ريفي خلال مؤتمر نظمته القوات اللبنانية عن “إشكالية القضاء العسكري وحقوق الإنسان”، في معراب: “إن موضوع البحث في خصائص المحكمة العسكرية لم يعد مطروحاً على أجندة الدول المتقدمة منذ زمن بعيد، ولن نجد من خبراء هذه الدول من يحدثنا عن إشكالية القضاء العسكري وحقوق الإنسان، بإعتبار ان تركيبة هذا القضاء والصلاحيات الممنوحة له في هذه الدول تقتصر على محاكمة العسكريين في قضايا ذات طابع عسكري محض ومسلكي فقط”.
وتابع: “لم نعد نسمع في بلاد الحريات عن ممارسات المحاكم العسكرية بحق المدنيين لأن مثولهم امام القضاء العسكري بات من المحرمات، فصفحة الحقبات الإستثنائية طويت، وأرسيت دولة المؤسسات على قاعدة توزيع المسؤوليات حسب الإختصاص، وحفظت كرامة الناس وحقوقهم الفردية والجماعية، وهذا ينبع من الإيمان لدى الجماعة بأن المؤسسات وجدت لخدمة الصالح العام”.
ريفي أردف قائلاً: “أن القضاء الذي يدير دفة الميزان هو الضمانة للجميع وأن القضاة وحدهم دون غيرهم المؤهلون للعب هذا الدور، إنطلاقاً من أنهم أصحاب الإختصاص في العالمين الحقوقي والقانوني، فقد جرى إعدادهم وتدريبهم ليكونوا منزهين وقادرين على الفصل بين المتقاضين دون تمييز أو تفرقة مع إحترام قواعد المحاكمة العادلة وحق الدفاع”. وأوضح “تماماً كما يعتبر الضباط وحدهم القادرون والمؤهلون لوضع الإستراتيجيات العسكرية ورسم السياسات اللازمة وذلك لحفظ الأمن ومكافحة الجريمة والدفاع عن تراب الوطن عند كل إعتداء”.
ريفي وفي هذا الشأن أكد أن “هذه القواعد إنتهجتها كل دول العالم دون إستثناء، ومن خرج عنها لمدة مؤقتة ولظرف إستثنائي ما لبث أن عاد إليها”.
وقال: “دخل لبنان في العام 1958 في ظاهرة الإستثناء، حين عُلق العمل بصورة مؤقتة ببعض مواد قانون العقوبات، وإستعيض عنها بمواد أخرى انزلت عقوبة الإعدام بكل من يتورط في أعمال إرهابية على ان لا تقل العقوبات في أقل تقدير عن الأشغال الشاقة المؤبد، وجاء قانون القضاء العسكري في العام 1968 ليصب في نفس الإتجاه ودائماً تحت عنوان ضرورة تنظيم هيكلية عمل هذه المحاكم”.
وأوضح “حتى يومنا هذا لم تفلح كل محاولات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان وصرخات المستغيثين من ظلم هذه المنظومة الإستثنائية”. وأشار إلى أن “من ممارستها القائمة على الكيل بمكيالين، ومن مخالفة النصوص المنظمة لها لأبسط قواعد العدالة الدولية وحقوق الإنسان، لم تفلح في تقليص صلاحياتها ومن وضع حد لهذا الاستثناء الذي وجد ليكون ظرفياً ومؤقتاً فإذا بالمؤقت يصبح دائماً وبالإستثناء يتحول الى مبدأ”.
وأضاف: “أمام هذا الواقع، ومنذ ان توليت مهامي في وزارة العدل وضعت نصب عيني ضرورة وضع مشروع قانون لإنشاء محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب.،كما هو الحال في أكثر الدول المتقدمة في مجالي العدالة الجنائية وحقوق الإنسان وأكثرها فعالية في مكافحة الجريمة المنظمة بشكل عام والإرهاب”.
وأشار ريفي إلى أن “الدول لم تكتف في وضع حد لظاهرة المحاكم الإستثنائية من خلال إيلاء القضاء العادي صلاحية الحكم بين الناس في كل القضايا من دون إستثناء، بل راحت قدماً بإتجاه التخصص القضائي تحت شعار أن التطور السريع الذي يشهده عالم الإجرام”. وتابع: “في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات وإنتشار وسائل التواصل التي ألغت المسافات ووضعت بيد المجرمين أدوات تسهل لهم التخطيط والتنفيذ، وتضع عقبات أمام إمكانية كشف الجريمة وملاحقة مرتكبيها”.
وقال: “إن هذا التطور غير المسبوق يتطلب جهوزية لا يمكن أن تتحقق إلا بالتخصص ومواكبة الحداثة التي شهدها عالم الجريمة، فضلاً عن أن ظهور انواع جديدة من الجرائم المركبة والمعقدة التي تتخطى في تداعياتها حدود الأوطان كالإتجار بالبشر والجرائم السيبرانية، إضافةً الى بعض الظواهر الناجمة عن إنتشار الإرهاب مثل ظاهرة المقاتلين الأجانب التي باتت محور إهتمام وهاجس دول العالم أجمع، جاء ليجعل من التخصص القضائي ضرورةً وحاجة ملحة لتأمين الإستقرار داخل المجتمعات أكثر منه ترفاً حقوقياً او قانونياً”.
وأوضح “أن كل هذه العوامل وغيرها فرضت نفسها على طاولة المعنيين في مجالي العدالة الجنائية ومنع الجريمة فكان التوجه نحو التخصص في مجال مكافحة الجرائم”.
وأكد “”كما تعودنا، ومع كل مرة تنطلق فيها المطالبات بإحترام سيادة القانون وتطبيق معايير العدالة الدولية بما يحفظ كرامة الناس ويحقق عدالة موضوعية بعيدة عن الضغط والقمع والترهيب تسارع أبواق المستفيدين من هذه الظاهرة غير الصحية”. وقال: “عنيت بذلك ظاهرة المحاكم الإستثائية لتدعي الحرص على إستمرار المحكمة العسكرية في ممارسة مهامها وسطوتها على الجميع. وتنهال الحجج، ولأنهم لم ولن يجدوا حجة قانونية واحدة ولو ضعيفة تعزز موقعهم في ظل توافق تام قضائي وفقهي وقانوني على مستوى العالم بأن ممارسة المحاكم العسكرية لصلاحيات واسعة وعلى المدنيين يشكل مساساً فاضحاً بمعايير العدالة الدولية ولحقوق الإنسان”.
وشدد على “أن أسوأ وأتفه النغمات تلك التي تلعب على وتر حماية الجيش وصون كرامته والحفاظ على تماسكه ودوره الوطني”، وفي هذا الشق بالتحديد قال: ” إن تعزيز دور الجيش لا يكون بمصادرة دوره من خلال خلق ميليشيات حزبية مسلحة تدعي وتزعم الدفاع عن الوطن، وتطعن كل يوم بقدرات الجيش في مواجهة العدو، وحماية البلد من المخاطر، ونحن المؤمنون بالدولة وبمؤسساتها أول من أطلق صرخة عاليةً لنقول “لا”.
ريفي تابع قائلاً “إزاء إفلاس المدافعين عن اداء المحكمة العسكرية وإستمرارها في مصادرة صلاحية القضاء العدلي في الحكم في قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى، وخلو أوراقهم من أي حجة او سند قانوني يعزز موقفهم، يبقى من الضروري الوقوف على اداء هذه المحكمة”. وقال: “إن مثول المدنيين أمام القضاء العسكري يشكل بإجماع اهل القانون والناشطين في مجال حقوق الإنسان وعلى مستوى العالم، وبنظر المتقاضين أيضاً. وأشار إلى “أن أداء المحكمة العسكرية في قضايا مفصلية ومهمة تعني كرامة الجيش اللبناني بالتحديد كان أكثر من مخيباً”.
وأعلن: “لا يخفى عليكم ان ملف محاكمة ميشال سماحة كان احد أسباب استقالتي من الحكومة. لقد شعرت انه يراد لي كوزير للعدل أن احمل وزراً لا يرضاه ضميري، ولا يقبل به اي مخلص لوطنه. هذه المحكمة العسكرية ارتكبت جريمة، تفوق جريمة ميشال سماحة وعلي المملوك وبشار الاسد، فالمجرم سيحاكم على جريمته اما العار الكبير، فسيبقى على جبين الجالس على قوس العدالة، اذا تخاذل او جبن أوخضع للترهيب او الترغيب”.
وأضاف: ” لقد رفضت أن أغطي هذه الفضيحة، ليس فقط وفاء لدم الشهيد اللواء وسام الحسن، بل حفظاً لدماء أهلنا واولادنا، لقد رفضت في كل مسيرتي اي مساومة على المبادئ. تمسكت دائماً بالدولة والمؤسسات، واليوم أؤكد على هذا النهج، في مواجهة الدويلة وابواقها”. وقال: ” إن ما انجزناه في هذه المؤسسة هو مدعاة للفخر والاعتزاز. هذه المؤسسة الكبيرة تشهد اليوم محاسبة لبعض التجاوزات والمتجاوزين، وهو امر صحي”.
وشدد ريفي على “أن استقالته اتت كي لا يكون شاهد زور على نحر العدالة، استقلت كي لا أكون شاهد زور على محاكمات صورية للذين يفجرون الكنائس والمساجد”.
وختم: “امام خطر استمرار مفاعيل الوصاية، وتهديد مقومات الوطن، لا يمكن لنا بحكم مسؤوليتنا الوطنية والاخلاقية”، مؤكداً أن الدويلة تفتت سيادة الدولة وهيبتها، وتضرب المؤسسات، ورائحة الفساد تزكم الانوف، وقصر بعبدا رمز البلاد فارغ بالقوة القاهرة”.