IMLebanon

القضاء على الفقر… وسؤال التمكين أو المساعدة

tabaneh

بشير مصطفى

“أفعال” هو الإسم الجديد لمشروع القضاء على الفقر والعوز في لبنان، الدولة التي سحقت فيها الحرب الأهلية الطبقة الوسطى وخلقت هامشاً كبيراً من التفاوت الإقتصادي بين من يملكون ومن لا يملكون.

المشروع الذي تبناه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري ليس جديداً، إنما إنطلقت فكرته في إطار المعالجات التي إقترحت لإحداث نهضة إقتصادية في طرابلس. ويوضح صاحب الفكرة النائب روبير فاضل، أن المشروع يشمل الأراضي اللبنانية كلها ولا يقتصر على منطقة معينة. وحسب الرؤية المقترحة فإن حل مشكلة الفقر تكون بمساعدة نقدية مشروطة بتعليم الأولاد وتدريب الأهل، المساعدة النقدية قيمتها ثلث الحد الأدنى، أي 225 ألف ليرة كل شهر لكل عائلة تحت خط الفقر. ولكن الإنتساب إلى المشروع مشروط بتعليم العائلة أولادها القاصرين، وكذلك التحاق الأهل بدورات مجانية للتدريب المهني ليكسبوا مهارات جديدة ويتمكنوا من إيجاد فرص عمل.

والمستفيدون “الأكثر فقراً” يفترض أن يكونوا ممن يعيشون دون 9 آلاف ليرة يومياً، وتشير الدراسة التي أعدها البنك الدولي بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي في عام 2011 إلى أن 235 ألف مواطن يعيشون بأقل من 5.7 دولارات يومياً. وهناك نحو مليون مواطن يعيشون بأقل من 8.7 دولارات يومياً. وتدل الأرقام على أن 27% من اللبنانيين هم من الفقراء الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم المعيشية الأساسية. وتتزايد نسبة الفقر في مناطق الأطراف لتبلغ 36% في شمال لبنان و38% في البقاع، وفق مؤشرات دائرة الإحصاء المركزي التي يمكن اعتبارها متفائلة إذا ما رأينا أن في منطقة كالشمال تتجاوز نسب الطلاب في المدارس الرسمية الـ 65%.

وللإستفادة من “أفعال” لن يُكتفى هذه المرة بالاستحصال على ورقة فقر حال من المختار والتي تتعرض لحملة تشكيك كبيرة في مدى شفافيتها، لذلك فإن للتأكد من الحالة، سيتم اعتماد استمارة لجمع المعلومات التفصيلية عن المحتاج. وفي عملية حسابية بسيطة فإن قسمة مبلغ 225 ألف ليرة على أعضاء عائلة مؤلفة من 5 أشخاص من أب وأم وثلاثة أبناء، فستكون حصة الفرد منهم 45 ألف ليرة، وهو ما يوازي 30 دولاراً، وبالتالي فإن المساعدة تبلغ دولاراً أميركياً للفرد يومياً، فيما ستكون الحصة الفردية أقل من ذلك بكثير بالنسبة إلى الأسر التي تزيد فيها نسب الولادات.

نسخة مطوّرة من “حلّا”
في عام 2004 عقد الرئيس رفيق الحريري مؤتمراً وطنياً لبحث ظاهرة الفقر في لبنان. وعام 2007 تقدمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ببرنامج إقتصادي لمؤتمر باريس 3 كانت إحدى نتائجه اطلاق البرنامج الوطني لإستهداف الفقر بالتعاون مع البنك الدولي “حلّا”.

ومشروع “أفعال” اليوم الذي يدخل ضمن نطاق الخطط المؤقتة، هو تطوير لفكرة مشروع “حلّا” من الناحية الواقعية والذي أقره مجلس الوزراء في 23/11/2011 تأمين التغطية الصحية في المستشفيات الحكومية، وكذلك كلفة الأدوية للأمراض المزمنة، إلى جانب مجانية تسجيل الطلاب في المدارس والكتب، وحسم 20 ألف ليرة على فاتورة الكهرباء لمؤسسة كهرباء لبنان.

ولكن الإضافة الجديدة التي حملها فاضل هي التقديمات المالية النقدية. وتبلغ كلفة المشروع السنوية 70 مليون دولار سيستفيد منها 250 الف لبناني حسب تقديرات فاضل. ومن شأن هذا المشروع نقل عبء تمويل مشروع “حلّا” بحلته الجديدة من هبات ومساعدات البنك الدولي إلى الميزانية اللبنانية العاجزة أصلاً.

مخاوف مشروعة
هناك تيار واسع في الرأي العام لا يرى أن التقديمات النقدية قادرة على القضاء على الفقر. من هنا، تؤكد نقيبة موظفي المصارف في الشمال مهى المقدم أنها ضد المساعدات النقدية لأن المساعدات الحقيقية تكون بخلق فرص العمل، مضيفةً أن “المساعدات النقدية هدفها شراء الذمم”. هذا الموقف له ما يؤيده في الواقع العملي، ففي كل مناسبة إنتخابية تنفق الأحزاب الأموال في حملاتها على شكل مساعدات وهبات،ولكن “هذا لم يقضِ على الفقر لا بل زاده”،. وهناك إنتقاد آخر يوجه لسياسات البنك الدولي التي زادت معدلات الفقر في كثير من البلدان، وبالتالي فإن القضاء على الفقر يكون باعتماد سياسات عامة وإعادة هيكلة الإقتصاد واعتماد تنمية الموارد البشرية. وسلسلة الإنتقادات لا تنتهي، وترتبط أيضاً بممارسات الإدارات العامة، فبطاقة “حلّا” مثلاً لم يحصل عليها جميع المستحقين. وهذا قد ينسحب على “أفعال”. فوفق المواطنة ماري س. التي تعمل حاجبة في مؤسسة تربوية، لم تحصل على بطاقة “حلّا” بالرغم من تقديمها المعاملة المطلوبة منذ سنتين، والتي تثبت حاجتها وأنها معيلة لأسرتها وزوجها المقعد.

ومن الناحية الدستورية، لا يمكن إغفال أن “أفعال” ما زال مشروع قانون يحتاج إقراره إلى أغلبية في مجلس النواب، وهو ما سيدخله في دائرة المزايدات السياسية. وفي ظل النظام السياسي القائم على المحاصصة بين الأحزاب والطوائف فإن توزيع نسب المستفيدين قد تتوزع على غير مستحقيها وتكون على أساس الحظوة السياسية والمقربين.

في الخلاصة، إن خشية كبيرة تنشأ من التعاملات السابقة مع المشاريع التي تقترحها الجماعات السياسية، ومن هنا يلفت قول الناشط المدني سامر دبليز أن “العبرة بالأفعال”. ففي الأمس القريب شهدت ساحة التجاذبات السياسية سباقاً بين فريقي الحريري و(الرئيس نجيب) ميقاتي لإيجاد حل لمشكلة الكهرباء، ولكن سرعان ما غاب الموضوع من دائرة الاهتمام، وحلّت مكانه قضايا جديدة ومستجدة للسجال.