Site icon IMLebanon

ملامح الثورة الصناعية الرابعة

Industrial-factory-robots
برنارد مار

في البدء كانت طاقة المياه والبخار، ثم اختراع الكهرباء وخطوط تجميع المنتجات في المصانع، ثم الحوسبة. فماذا بعد ذلك؟

قد يسميها بعض المراقبين “الثورة الصناعية الرابعة” لكن مهما كان اسمها، فهي تتمثل بالمصانع الذكية التي تدار بالآلات وترتبط بشبكة الإنترنت، وبنظام يمكنه تمثل مراحل عملية الإنتاج كلها، وقادر على اتخاذ القرارات بمعزل عن التدخلات الخارجية.

إن هذه الثورة في طريقها إلينا، وسوف تغير المفهوم السائد عن معظم الوظائف في العالم، وفقاً لما يراه كلاوس شواب -مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ورئيسه، كما تختلف اختلافاً كلياً عن الثورات السابقة.

وخلال ذلك، سنواجه تقنيات حديثة تجمع العلوم الفيزيائية أو المادية بالرقمية والبيولوجية. وستؤثر هذه التقنيات الحديثة في كل التخصصات والمجالات والاقتصادات والصناعات. فيما يُعتقد استمرار هذه التقنيات الحديثة بربط مليارات الأشخاص بالشبكة العنكبوتية العالمية، وأن تحسن بصورة ملحوظة، كفاءة الأعمال وإدارة المنظمات، وإعادة إحياء البيئة الطبيعية عبر الإدارة الأفضل للأصول والموجودات. والأهم أنها لن تحدث الضرر والأذى الذي أحدثته الثورات الصناعية السابقة.

ومن الطبيعي أن يكون لهذه الثورة مخاطرها أيضاً، وهذا ما يعبر عنه كلاوس شواب حين يعرب عن قلقه من فشل المنظمات أو إحجامها عن التأقلم مع هذه التقنيات الحديثة، وإخفاق الحكومات في توظيفها بطريقة ملائمة وضبطها وتنظيمها. فضلاً عن أن انتقال السيطرة والنفوذ من موضع إلى آخر قد يجلب معه تحديات أمنية من نوع مختلف، ومن المحتمل تعاظم قضية التفاوت وعدم المساواة، إذا لم تدر هذه التقنيات الحديثة على نحو مناسب.

فمع تزايد الاعتماد على الآلات، ستحل أجهزة الحاسوب وغيرها من الآلات محل الأيدي العاملة في العديد من الصناعات. وبالتالي، يرى الخبراء أن الثورة الصناعية الرابعة ستفيد طبقة الأثرياء وتحرم طبقة الفقراء، سيما أن الوظائف منخفضة الأجور التي تتطلب مهارات متواضعة ستختفي لتحل محلها الآلات.

بيد أن هذا الأمر ليس جديداً، ففي بداياتها تسببت الثورات الصناعية عبر التاريخ، بقدر كبير من الظلم والإجحاف وعدم المساواة، ثم تبعتها فترات من التغيرات السياسية. لقد تسببت الثورة الصناعية التي بدأت في أوائل القرن الـ19 بتركيز الثروة والنفوذ، قبل أن تتبعها فترة من التغيير استمرت 100 عام، وصولاً إلى انتشار الديمقراطية وظهور اتحادات العمال، وإنشاء نظم الضمان الاجتماعي.

ويمكن القول هنا، إن نظمنا السياسية والتجارية والاجتماعية قد لا تكون مستعدة أو قادرة على استيعاب كل التغيرات التي ستجلبها الثورة الصناعية الرابعة، كما لن يكون تفادي التغييرات الرئيسة التي ستطرأ على صميم بنيتنا الاجتماعية أمراً ممكناً.

وللنجاح باستيعاب مضامين هذه الثورة، لا بد لقادة الأعمال من بذل الجهود لتوسيع مداركهم بمعزل عن منجزات الماضي، والإتيان بأفكار ونظم جديدة ومبتكرة. وعليهم الشروع بالتساؤل بشأن كل شيء حولهم، بدءاً بإعادة التفكير باستراتيجياتهم ونماذج أعمالهم، إلى اكتشاف الاستثمارات الصائبة والمناسبة في مجال التدريب.

إن المستقبل يتشكل من حولنا. ويتعين علينا أن نكون بمستوى التحدي لاستعادة التوازن في زمن الثورة الصناعية الحديثة.