سامر زعيتر
مع ضعف السياحة اللبنانية وارتفاع أسعار خدماتها، يتحوّل اللبنانيون إلى سياحة خارجية في دول قريبة الجوار، تتدنّى فيها التكاليف وتسهل إمكانية الدخول إليها، لتنشط معها السياحة للمدن الأثرية والاستجمام…
وفي الوقت نفسه، تنشط السياحة الدينية لزيارة الأماكن المقدّسة، وعلى رأسها مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة في المملكة العربية السعودية، والتي تترافق أيضاً مع زيارة العتبات والمقدّسات الإسلامية والمسيحية في إيران والعراق وسوريا، رغم الوضع الأمني في البلدين الأخيرين…
كل ذلك، يسهم في تنشيط عمل شركات السياحة والسفر، ولكن من خلال سياحة عكسية لا تستفيد منها قطاعات أخرى داخل البلد، فيما الأوضاع الأقتصادية والأمنية في لبنان والمنطقة تلقي بثقلها على كاهل اللبنانيين، تأتي العطلات الرسمية لتحرّك بعضاً من الجمود التجاري…
واقع قد يرى البعض فيه فرصة إيجابية، لكنه يحتاج إلى المزيد من التمحيص والبحث لمعرفة خبايا وأسرار السياحة وإنعكاس المنافسة والأوضاع على سائر القطاع…
«لـواء صيدا والجنوب» يُسلّط الضوء على السياحة الخارجية بشقّيها الاستجمامي والديني، فعاد بهذه الانطباعات…
الوضع الإقتصادي والفوضى
* واقع شركات السياحة والسفر في لبنان يعاني الأمرّين جرّاء أسباب متعدّدة وفق ما أوضح صاحب «شركة الأسعد للسياحة والسفر» هشام الأسعد بالقول: «نعمل في مجال السياحة منذ ما يقرب من 25 عاماً على صعيد الجنوب، حيث تتواجد مكاتبنا في أكثر من منطقة، ونرى تراجعاً ملحوظاً، قد يبرّره البعض نتيجة الوضع الأمني في لبنان، ولكن هذا الوضع ليس لديه تأثير لأنّ السياحة خارجية، لكن انعكاس الوضع الأمني خارج لبنان هو الذي انعكس على وضع السياحة اللبنانية، لأنّنا كقطاع نعتبر من الكماليات، فعملنا يقف أول شيء وهو آخر قطاع يبدأ عمله. ومنذ عامين أثّر الوضع الاقتصادي على قطاع السياحة، وأدّى إلى تراجعه، فضلاً عن الفوضى في هذا القطاع، حيث نرى «دكاكين» عديدة تعمل في هذا القطاع، بينما وزارة السياحة التي توفد مفتشين إلى الشركات لقياس حجم المكاتب بشكل مستمر فضلاً عن موفدين من الضمان والمالية، كلهم يغضّون النظر عن المكاتب غير المرخّصة والتي تحظى بدعم جهات نافذة. فعلى سبيل المثال هناك 4 مكاتب فتحت العام الماضي في صيدا كان أصحابها من التجّار المفلسين، وإثنان منها كان أصحابها في السجن، فقاموا بتغيير إسم المكتب وأعادوا الافتتاح دون ترخيص».
وأضاف: «هذا الواقع يؤثّر على عمل سائر المكاتب الأخرى، لأن البعض يقوم بعمليات احتيالية مما يقلّل ثقة الزبائن بالمكاتب السياحية، لأن الزبائن تعمّم نظرتها على سائر المكاتب، لأنّ الزبائن قد لا يتنبّهون إلى مَنْ يؤدّي الدور المطلوب منه في العمل، بل يهتمون للسعر الأرخص، ولكن عند حصول أي مشكل معهم يعمّمون ذلك على سائر مكاتب السفر، فعلى سبيل المثال أحد المكاتب قام بإيهام الناس بسعر أرخص ممّا قدّمناه، ولكن بعد وصولهم إلى تركيا غيّر المنطقة وأقنعهم بأنّه لم يستطع تأمين حجز في نفس الفندق المتفق عليه، وهذا أمر قد ينطلي على البعض ولكن أنْ تصل إلى ادّعاء البعض بأن الطائرة لم تأتِ ويُترك الزبائن ينامون في المطار، فهذا أمر لا يليق بمن يحترم نفسه، وهنا لا يوجد من يحاسب».
ورأى «أن الوضع الاقتصادي فضلاً عن عدم قدوم المغتربين من الخليج، أثّر على الحجوزات، حيث كان العاملون في الخليج يحجزون رحلاتهم إلى خارج لبنان قبل مجيئهم نتيجة لاعتبارات كثيرة، فضلاً عن تدنّي الوضع الاقتصادي للعاملين في افريقيا بسبب تدهور العملة وتضرّر مصالحهم، وعدم مقدرة عدد من المغتربين تحويل أموالهم إلى لبنان من الدول الافريقية، ما أثّر على عملنا، علماً بأنّ هذا القطاع يضم مئات العائلات، لذلك نطلب فرض ضوابط على العاملين في هذا القطاع، إضافة إلى تأثّر مدينة صيدا ببعض الأحداث التي مرّت على المدينة، فنطالب غرفة التجارة وجمعية التجار والهيئات الاقتصادية العمل على توعية الناس وضرورة تحريك العجلة الاقتصادية في المدينة، ففي السابق كانت صيدا تعتمد على حركة أهل الجنوب والجوار، ولكن اليوم نرى مناطق الجنوب وشرق صيدا ومخيماتها تكتفي ذاتياً، فيما أهالي صيدا يشترون مستلزماتهم من بيروت ما أثّر على التجار في المدينة، وبالتالي أثّر على الحركة التجارية فيها، فيما مناطق أخرى لديها حرص على الشراء من نفس المنطقة التي يعيشون فيها لتحريك العجلة الاقتصادية».
وختم الأسعد: «إنّ السعر قد يكون أرخص في صيدا من العاصمة، ونحن نستفيد من المناسبات والأعياد ولكن التوتّرات الأمنية تُعيد الركود للحركة التجارية، فضلاً عن تلاعب البعض بالزبائن، وهنا يجب أنْ يكون هناك وعي من قِبل الجميع وهذا الأمر حذّرنا منه في السابق ونرى أن مخاوفنا على هذا القطاع باتت تتحقق، فهناك مَنْ يبيع بخسارة فقط لغسل الأموال وآخرون يحتالون على الزبائن، فنحن بحاجة إلى وعي المجتمع كي يستمر هذا القطاع، فضلاً عن أن سوريا كانت المتنفس الأول لأبناء الجنوب، فنطلب من القائمين على صيدا المبادرة عبر الهيئات الاقتصادية والاجتماعية إلى توعية الناس على أهمية تحريك العجلة الاقتصادية في المدينة».
نشاط ملحوظ للسياحة الدينية
* أما السياحة الدينية فقد نشطت على أكثر من صعيد، وفق ما أكد صاحب حملة «المهاجر إلى الله ورسوله» المختار إبراهيم عنتر بالقول: «السياحة بشكل عام تقسم إلى قسمين، الأولى السياحة إلى الأماكن التاريخية والدول التي تتمتع بالمناظر الخلابة، وهناك الشق الآخر الذي يسمّى بالسياحة الدينية، فهناك الكثير من الشعوب تختار وجهات مقدّسة للقيام بزياراتها، فبالنسبة إلى إخواننا النصارى يختارون الأماكن المقدّسة في فلسطين وروما، ولكن وجهتنا كمسلمين هي مكة المكرّمة وفق ما حثّنا النبي محمد #».
وأضاف: «في هذه الأيام هناك زخم وتحوّل لزيارة المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية ومكة المكرمة حيث بيت الله الحرام، وذلك لأداء مناسك العمرة، وتنشط هذه الحركة خلال الاجازات، لأن هناك العديد من الشرائح التي تعمل في المجال الوظيفي فتكون الاجازات غالباً في رأس السنة أو مع بداية الربيع أو في شهر رمضان المبارك، علماً بأن أداء العمرة مفتوح في سائر الأيام باستثناء ما بعد رمضان إلى بداية موسم الحج، وفي مدينة صيدا ومحيطها ومخيماتها تُعد الزيارة الدينية ناشطة رغم التدنّي الملحوظ في المستوى المعيشي بسبب الواقع الاقتصادي لدى الناس، ولكن الناس تقوم بالادّخار للتوجّه لأداء مناسك العمرة».
وأشار إلى أنه «في السابق كان الوصول إلى هذه الأماكن الدينية صعباً، لكن المملكة العربية السعودية مشكورة سهّلت تأشيرات الدخول للناس، إضافة إلى وجود مكاتب متخصصة لعملية العمرة والحج، التي قامت بحملات ترويج لهذه الرحلات الدينية، ومع نجاح التجارب شجّع الناس بعضهم بعضاً، حيث يتحدثون بعد عودتهم عن سرورهم بزيارة الرسول والأماكن المقدسة، فضلاً عن عدم المقدرة في أيام الحج عن مشاهدة بعض الأماكن بالشكل الذي يرغبه الناس، فأصبح هناك مكاتب متخصصة تمكّن هذه الشريحة لأداء العمرة».
وختم المختار عنتر: «كنا في السابق نرى عائلات بأكملها تؤدّي هذه المناسك من خلال السفر براً عبر سوريا، ولكن بسبب الأوضاع الأمنية في المنطقة وارتفاع التكلفة بات العدد يتقلص ولكن لا يزال مقبولاً مقارنة بالسابق، وعند رؤية الأماكن الجميلة شيء جيد، ولكن المكاسب الدنيوية والأجر الذي يكتسبه الإنسان بزيارة الأماكن المقدسة أكبر، حيث يقوم الإنسان بتجديد إيمانه ورؤية مشاهد جديدة عليه، منها زيارة أماكن خياطة كسوة الكعبة والمتحف الإسلامي التاريخي في مكة المكرمة، إضافة إلى الأماكن الأخرى مما يسرُّ الإنسان بهذه المشاهد ويأخذ أجر أداء المناسك، وهي هواية نمارسها في طاعة الله ونرافق من يرغب بالصعود إلى مكة والمدينة».
اختيار الأرخص والأسهل
* بدوره صاحب «مؤسسة كلاس ترافل للسياحة والسفر» نادر العر شدّد على أهمية السياحة بالقول: «لبنان بلد سياحي، لكن الأوضاع الأمنية تجعل الناس تبحث عن البديل، والبحث يكون عن الأسهل، أي الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة، لذلك كان الضغط يتحوّل إلى تركيا وفي السابق كانت سوريا، ولكن الوضع الأمني في سوريا غيّر الوجهة إلى تركيا التي تعفي اللبنانيين من تأشيرة الدخول، ما يجعل الحجز سهلاً، كذلك دبي التي تحتاج إلى تأشيرة، لكن الحصول عليها للبنانيين يكون خلال 3 أيام من خلال شركات الطيران وعدم الحاجة للتوجّه إلى السفارة للحصول على التأشيرة، والطبقة الشعبية تذهب إلى القاهرة بسبب تدنّي العملة ما يجعل التكاليف أرخص، ولكن المشكلة هي في الحصول على التأشيرة التي تتطلّب 15 يوماً، ما يؤخّر عمليات الحجوزات وربما إلغاء بعضها، وتم التواصل مع السفارة المصرية لهذه الغاية، التي أعلمتنا بأن الذهاب إلى شرم الشيخ لا يحتاج إلى تأشيرة بالنسبة للبنانيين، ولكن لم يتم إلغاء التأشيرة للبناني إلى مصر».
وأضاف العر: «من المعروف أن اللبناني يحب الترفيه عن نفسه وهو يستدين لأجل ذلك، فكانت السياحة الداخلية اللبنانية ناشطة، لكن شهدت تراجعاً بسبب الوضع الأمني وارتفاع التكاليف في لبنان، فيما التكاليف في تركيا أرخص وبالتالي نحرص من خلال عملنا على تأمين السعادة للأهالي الذين يحبون «شم الهوا»، فقدّمنا أسعاراً تشجيعية في متناول الجميع، فضلاً عن التقسيط الشهري، وبالتالي نشهد اقبالاً على السفر سواء من قبل الموظفين الذين يختارون مواسم العطل، أم من أصحاب المهن الحرة الذين يختارون الأوقات التي تقل فيها الأسعار، ونحن نشعر بسعادة حين نرى أن الناس تستطيع التنفيس عن نفسها في ظل الأوضاع السياسية الصعبة التي لا تخفى على أحد، وهناك نوع آخر يطلب الهجرة وهذا أمر محزن حين نرى الناس الذين يسافرون للعمل، لأن أملنا أن يبقى الناس في بلدهم وأن تكون وجهة السفر للسياحة للاستجمام أو الزيارة الدينية».
نشاط ملحوظ للسياحة الخارجية، يطرح التساؤلات عن مدى صمود القطاع السياحي الداخلي في ظل تواصل الأزمات الاقتصادية والأمنية في لبنان والمنطقة!