كتب عمّار نعمة في صحيفة “السفير”:
معركة تلد أخرى…
هكذا هي الحال في مخيم عين الحلوة هذه الأيام. فما ان تنتهي جولة اشتباك حتى تبدأ أخرى.. ويتمثل القاسم المشترك بين تلك الجولات القتالية في ظاهرة سلفية تنمو وتتصاعد في المخيم، وتستشرس في توسيع دائرة نفوذها من دون أن تتمكن الفصائل الأخرى، وعلى رأسها حركة “فتح”، من مواجهة ذلك التوسع الذي يكبر مع كل جولة جديدة من القتال!
وما يزيد الطين بلة بدء تشكل خلايا لتنظيم “داعش”، تضاف الى تواجد “جبهة النصرة”، التي يتغذى “داعش” من انشقاقاتها. وقد بدأ هذا الامر يثير التساؤلات التي تخشى ان يتحول هذا الأمر الى ظاهرة في المخيم، خاصة أن “داعشيي” عين الحلوة، وهم فلسطينيون وسوريون، يستقطبون صغار السن وفتية يغريهم القتال والشهادة في لبنان، خاصة في سوريا، وهو ما حصل بالفعل مع انتقال عدد من شباب المخيم الى محافظة الرقة، عرين “داعش” في سوريا.
وتلفت أوساط فلسطينية النظر الى ان ما يحصل من تصاعد للحالة السلفية في عين الحلوة، يهدد المخيم برمته، خاصة ان تواجد السلفيين في المخيم، الذي بات يناهز نحو الـ 300 مقاتل، لم يعد يقتصر على أحياء ومناطق بعينها، لا بل انه يتوسع تدريجيا، وإن ببطء، عبر قضم أحياء تابعة لـ “فتح” المنقسمة على نفسها مع صعود “تيار إصلاحي” يستقطب الشباب، ناهيك عن التيار الذي يمثله العقيد منير المقدح، وإن كان الأخير ينحو باتجاه جناح “فتح” التي تدين بالولاء الى زعيم السلطة الفلسطينية محمود عباس.
بالنسبة الى باقي الفصائل، لا يبدو حضورها طاغيا، وإن كانت تظهر في المناسبات السنوية عبر استعراضات عسكرية ضخمة، لكنها تبدو أعجز من ان تتحرك لمواجهة السلفيين الذين يتقاطع فلسطينيو المخيم، سواء المنضوين في “منظمة التحرير الفلسطينية” أو خارجها، على تأكيد تلقّيهم دعماً من الخارج، خليجياً على وجه التحديد، في سبيل تعزيز نفوذهم على طريق تشكيل قوة لا تضاهيها اية قوة أخرى في المخيم.
من هنا، يعيد الفلسطينيون ما يحدث في المخيم الى ما يحصل في المنطقة، خاصة على صعيد التوتر القائم على الخط السعودي ـ الإيراني. ويذهب هؤلاء الى وضع النمو السلفي في عين الحلوة في اطار محاولة تشكيل توازن للقوى بوجه “حزب الله” في لبنان، في ظل توتر مذهبي غير مسبوق في المنطقة التي تشتعل في أكثر من مكان، يبدو لبنان بمنأى عنها بسبب المظلة الدولية للاستقرار فيه.. حتى اليوم.
وتلاحظ الأوساط ان المحاولة الخارجية لإرباك “حزب الله” ستتم حيث يمكن الاستفادة من الحاضنة الشعبية المعادية للحزب. وقد جرت محاولات في التجمعات الشعبية الكبرى، كما حصل في مدن طرابلس وصيدا وفي مناطق في البقاع، واذا كانت تلك المحاولات قد نجحت في الاستقطاب سابقا، فإنها عادت وخمدت بعد ان تم كبحها من قبل الدولة اللبنانية.
اليوم، تبدو المخيمات عنصر استقطاب هام بالنسبة الى هذه التيارات، والامر لا يقتصر على عين الحلوة، اذ ثمة خاصرة رخوة في اكثر من مكان على صعيد الشتات الفلسطيني في لبنان، كما هو الحال في مخيمات لا تخضع بالكامل للديموغرافيا الشيعية المجاورة، وتبدو مخيمات برج البراجنة وشاتيلا والبداوي أماكن استهداف محتملة في سبيل التأجيج بوجه “حزب الله”، مما يتخوف منه البعض ان يشكل نهر بارد أو يرموك آخر.
من هنا تأتي خشية شرائح فلسطينية كبيرة مما تقول إنه حالة استقطاب في المخيمات، تستفيد من غياب الدولة والعلاقة التاريخية السيئة مع لبنان وخصوبة الجذب المذهبي في ظل ما يحصل في المنطقة، إضافة الى غياب برنامج وطني فلسطيني مواجه للحالة السلفية. وتطرح الأوساط تساؤلات حول موقف الكثير من الفصائل الفلسطينية التي تخرج بخطاب مواجه للحالة السلفية، لكنها لا تجابهها على الأرض، ما يشير الى ان موقفها يخرج عن كونها عاجزة عن مواجهة السلفيين نحو كونها شريكة لهم في المخيم دعما وتسليحا.
هذا الامر يفسّر، برأي الأوساط، تعزز الحالة السلفية وانتشارها، علما انه تم السماح بذلك لتلك الحالة بأن تتحول الى مشروع شرعي مع نشوء ما يسمى بـ “الشباب المسلم” الذي تنضوي في اطاره تجمعات مسلحة تحت إطار ما يراد تظهيره بـ”الاعتدال” ليصبح بعدها مقبولا كما حصل مع “عصبة الأنصار”، كمثل “فتح الإسلام” و”جند الشام” و”كتائب عبد الله عزام”، واليوم عبر “داعش” و”النصرة” (استقطب “داعش” مؤخرا العديد من عناصر “النصرة” بعد الضربة العسكرية التي تلقتها الأخيرة في شهر رمضان الماضي). وبذلك، يتم العمل على توفير الغطاء لشخصيات سلفية في المخيم كبلال بدر وأسامة الشهابي وهيثم الشعبي وهلال هلال ورامي ورد وجمال حمد.. علما ان ثمة شخصيات أخرى غير منضوية في تلك التجمعات ومنها من تم القبض عليهم، ومثال على ذلك التوأم كعوش “الأميران” في “داعش”..
وتخشى الأوساط من سيناريو خطير يعد لمخيم عين الحلوة الذي قد يصبح جزء كبير منه، اذا استمرت الأوضاع في تصاعد على هذا النحو، تحت إمرة السلفيين والتكفيريين، ما قد يؤدي الى صدام مع الجيش اللبناني.. لذا، فالمطلوب، حسب هؤلاء، هو تشكيل شراكة حقيقية مع الجيش ووحدة فلسطينية في سبيل مواجهة ما يعد للمخيم، والشروع في تأمين ضمانات اجتماعية للفلسطينيين، بشكل “قانوني” هذه المرة، وعدم اعتبار ان الخطر قادم من المخيمات بل اليقين بأن الفلسطينيين هم معرضون أيضا لخطر التجاذبات اللبنانية، سواء على الساحة اللبنانية او خارجها.
وبذلك، يمكن اجتذاب الفلسطينيين ليشعروا بأنهم كأبناء البلاد، مع الاحتفاظ باللاءات الثلاث حول التواجد الفلسطيني في لبنان: لا جنسية، لا حق للانتخاب وللترشح، ولا حق في الوظيفة العامة.
بهذه الشراكة الفلسطينية اللبنانية، إضافة الى حوار فلسطيني داخلي يراعي الحساسيات العائلية والعشائرية، يمكن مواجهة خطر التوطين الذي بات “كليشيه” يستعمله الجميع من دون معنى، حسب الأوساط التي تتخوف، في حال استمرت الأمور على سوئها، من “انفجار كبير” في عين الحلوة.