كتبت صحيفة “العربي الجديد”: مع اقتراب موعد الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف السورية، المقررة الإثنين في 11 الحالي، تتسارع الأحداث والتطورات في الميدان السوري، إذ شهدت جبهات عدة هذا الأسبوع، تصعيداً عسكرياً، لم يدفع أطراف الهدنة لإعلان انهيارها، وإن بدت مع اقتراب بدء المفاوضات، أكثر هشاشة من ذي قبل.
في هذا السياق، يُمكن تقسيم التصعيد العسكري لجزأين: الأول هو فتح المعارضة السورية لمعارك مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، سواء بريف حلب الشمالي أو في بلداتٍ وقرى بمحافظة درعا، بموازاة فتح معارك النظام مع التنظيم، تحديداً في ريف حمص الشرقي وريف حمص الجنوبي الشرقي. أما الجزء الثاني، فهو المعارك التي تشهدها مناطق بريف حلب الجنوبي، بين قوات النظام وحلفائه من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى.
ويبدو القسم الأول من المعارك على جبهات عدة مع “داعش”، أكان من قبل النظام أو فصائل المعارضة، كسباقٍ بين الجانبين، لتثبيت فعاليتهما في دحر التنظيم، وإظهار حرصهما على الصعيد الدولي في محاربة الإرهاب.
في هذا الإطار، حقق النظام تقدماً مهماً قبل نحو عشرة أيام، تمثل بسيطرته تحت غطاء الطائرات الروسية على مدينة تدمر، أتبعها هذا الأسبوع بطرد “داعش” من بلدة القريتين، بريف حمص الجنوبي الشرقي، فيما تتواصل المواجهات بين قواته والتنظيم، في دير الزور. مع العلم أنّه بدءاً من مساء الإثنين اشتعلت مناطق عدة بالقلمون الشرقي، بعد مهاجمتها من مسلّحي “داعش”، في ما يمكن اعتباره ارتدادات لخسارتهم مناطق واسعة خلال الأيام الأخيرة.
أما فصائل المعارضة السورية، وأمام هذا الواقع الميداني، فقد بدت مدركة لضرورة فتح معارك مع التنظيم من جهتها، وهي مواجهاتٌ لم تكن متوقفة في السابق، ولكنها كانت تتخذ طابع الدفاع عن مناطقها من تمدّد “داعش”، خصوصاً في ريف حلب الشمالي، غير أن هذا الأسبوع شهد اتخاذ فصائل بالمعارضة السورية مبادرة لمهاجمة مناطق يسيطر عليها التنظيم.
في هذه الهجمات، حققت المعارضة تقدماً تمثل بسيطرتها على قرى متاخمة للشريط الحدودي مع تركيا، أبرزها تل شعير، وقصاجك، ومزارع شاهين، وتل بطال، ومزارع الأحمدية والكمالية، وباتت على مقربة من بلدة الراعي، الواقعة قرب أهم معقلين لـ”داعش” بريف حلب الشرقي، وهما: مدينة منبج التي تقع غرب الراعي بنحو 50 كيلومتراً، ومدينة الباب التي تقع شمالها بنحو 25 كيلومتراً.
كما اقتربت فصائل المعارضة، بدعم عسكري تركي، من بلدة دابق، ذات الأهمية الرمزية لتنظيم “داعش” بعد تمكنها منذ منتصف الشهر الماضي، من السيطرة على نحو 15 كيلومتراً في ريف حلب الشمالي، على الحدود السورية ـ التركية، بين بلدتي دوديان والراعي.
ولم تقتصر مواجهات المعارضة مع “داعش” أو جماعات مقرّبة منه، على جبهات ريف حلب، فقد شهدت محافظة درعا أقصى جنوبي البلاد، خلال الأسبوعين الماضيين، شنّ فصائل المعارضة هجمات عدة على مواقع وبلدات يسيطر عليها تنظيم “لواء شهداء اليرموك” و”حركة المثنى الإسلامية”.
وتمكنت فصائل بالجبهة الجنوبية التابعة لـ”الجيش الحر”، في الثالث من هذا الشهر، من السيطرة على مواقع للجماعات المقربة من “داعش”، وهي بلدات جلين ومساكن جلين والشيخ سعد والطيرة والمزيرعة، وذلك بعد أسبوعين من المعارك العنيفة، فيما لا تزال بعض بلدات ريف درعا الغربي، خاضعة لسيطرة “لواء شهداء اليرموك”. ويشهد محيط بعضها مواجهات مستمرّة، بفعل سعي المعارضة لإنهاء تواجد الجماعات المقربة من “داعش” هناك.
بموازاة المواجهات مع “داعش”، شهدت مناطق تماس المعارضة والنظام، معارك عدة في الأيام الأخيرة، أبرزها على الإطلاق، في ريف حلب الجنوبي، والذي شهد هدوءاً نسبياً في الهدنة الأخيرة، كسره هجوم مساء الجمعة الذي دام حتى صباح السبت، سيطرت خلاله الفصائل المهاجمة، على مناطق كانت خاضعة لسيطرة مليشيات متحالفة مع النظام، أبرزها بلدة تل العيس الاستراتيجية، المُطلّة على أوتوستراد حلب ـ دمشق الدولي من جهة الشرق. وصباح الأربعاء، فشل هجومٌ لقوات النظام، حاولت خلاله استعادة المناطق التي خسرتها، في الأيام القليلة الماضية.
في هذا الصدد، أفادت مصادر ميدانية في ريف حلب الجنوبي، لـ”العربي الجديد”، أن “قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معه، حاولت التقدم نحو بلدة الزربة وصوامع خان طومان، تحت غطاء من الغارات الكثيفة التي استهدفت المنطقتين مع مناطق إيكاردا، وتل منو، وأوتوستراد حلب ـ دمشق الدولي”.
من جهته، كشف “مركز حلب الإعلامي” عن “مقتل نحو 15 عنصراً من “حزب الله” وقوات النظام، بينهم قيادي، إثر محاولتهم اقتحام الزربة وصوامع خان طومان”، مؤكداً أن “قوات النظام لم تستطع التقدم على أي محور”، داحضاً بذلك بعض ما روّجته وسائل إعلام مقرّبة من النظام، عن استعادة سيطرة الأخير على تل العيس. ويُعدّ هذا الهجوم الأكبر من نوعه لقوات النظام وحلفائه بريف حلب الجنوبي.
مع العلم أن هجوم قوات النظام جاء بعد يومٍ واحد من إسقاط طائرة “سوخوي 22” تابعة للنظام، كانت تنفّذ هجماتٍ بمحيط تل العيس. وهي المرة الثانية التي يتم فيها إسقاط طائرة حربية خلال أيام الهدنة، بعد إسقاط طائرة “ميغ” بريف حماة الشمالي في 12 آذار الماضي.
ولم يكشف أي مصدرٍ عسكري في الفصائل التي تقاتل النظام بريف حلب الجنوبي عن نوعية السلاح الذي أُسقطت به طائرة “سوخوي 22″، وأُسِرَ قائدها، والذي قال خلال مقابلة قصيرة معه بثتها “جبهة النصرة”، إنه “كان ينفذ غارات شمال تل العيس، عندما أصيبت الطائرة بطلق ناري أدى إلى حريق بها، وقد حاولتُ إطفاءه لكنني لم أفلح فقذفت من الطائرة بالمظلة”.
مع العلم أن وسائل إعلام النظام لا تذيع عادة أنباء الخسائر على الجبهات، تحديداً خبر كسقوط طائرة حربية، لكن وكالة “سانا” وفي خطوة نادرة، نقلت يوم الثلاثاء، عن “مصدر عسكري”، قوله إنّ “طائرة حربية تعرّضت لصاروخ أرض جو، أثناء قيامها بمهمة استطلاعية في ريف حلب، ما أدى إلى سقوطها”.
وسواء تم إسقاط الطائرة كما قال قائدها الأسير بـ”طلق ناري” أو كما ذكرت “سانا” بـ”صاروخ أرض ـ جو”، فإنّ مجمل التطورات العسكرية بحلب، والتي ترافقت مع تقدمٍ بارز لفصائل المعارضة، تشير إلى إمكانية أن تكون هذه الفصائل قد تلقت دعماً جديداً هذه الفترة، بعد أن كان قد انقطع خلال الأسابيع الماضية، منذ الأيام التي سبقت الهدنة أو “وقف الأعمال العدائية” في 27 شباط الماضي.
ولم تدفع كل هذه التطورات المعارضة أو النظام، للإعلان عن إنهاء الهدنة، بل تكشف مواقف المعارضة، بأنها متمسكةٌ بها، وبمجمل المقررات الدولية الساعية لتطبيق الحل السياسي في سورية. وذلك على الرغم من أن “الهيئة العليا للمفاوضات” أعلنت الأسبوع الماضي أنّ “الهدنة تلفظ أنفاسها الأخيرة”، مع تزايد خروقات النظام لها، والتي وصلت ذروتها بارتكاب الأخير مجزرة بلدة دير العصافير في ريف دمشق، والتي سقط ضحيتها أكثر من 30 مدنياً بينهم أطفال ونساء.
