IMLebanon

OECD تذكّر لبنان بأنه غير متعاون في تبادل المعلومات الضريبية بعد “بنما ليكس”

C11N1
هلا صغبيني

«وثائق بنما» او «بنما ليكس»، كما بات معروفًا، هي وثائق سرية تم تسريبها، ويصل عددها إلى 11.5 مليون وثيقة سرية تابعة لشركة «موساك فونسيكا« للخدمات القانونية في بنما التي تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذًا ضريبيا مغريا، والتي اعلنت بالامس انها تعرضت لعملية قرصنة.

كشف تسرب تلك الوثائق تم عبر عمل صحافي استقصائي، كون الشركة تقدم خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤوس الدول وشخصيات عامة وسياسية أخرى، إضافة إلى أشخاص بارزين في الأعمال والشؤون المالية والرياضية.

بحسب التحقيق، فإن 140 زعيماً سياسياً من حول العالم، بينهم 12 رئيس حكومة حاليا او سابقاً، هربوا اموالاً من بلدانهم الى ملاذات ضريبية.

في تعليقه على هذه التطورات، يقول رئيس السياسة الضريبية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، باسكال سانت أمان، ان هذه التسريبات تظهر ان بنما هي من اوسع الملاذات الضريبية في العالم. ويعيد المسؤول في المنظمة الدولي التذكير في تصريحه لوكالة الصحافة الفرنسية بان لبنان من بين الدول غير المتعاونة، حين قال: «من بين الدول التي ترفض تبادل المعلومات تلقائياً، البحرين، ناورو، فانواتو ولبنان«.

علما ان موقف المنظمة هذا ليس بجديد، فهي مارست ضغوطاً كبيرة على لبنان سابقا بهدف دفعه الى التبادل التلقائي للمعلومات المتعلقة بالتهرب الضريبي، بما قد يشكل مساً بالسرية المصرفية. لكن لبنان يردد دائما في ان «لا تهاون في هذا الموضوع«، وانه «مع السرية المصرفية كاملة في ما يتعلق بالمال النظيف، وضدها اذا كان هناك مال وسخ. وهو امر تكفله القوانين المالية اللبنانية«، وآخرها قانون تبادل المعلومات الضريبية الذي اجاز في مادته الاولى لوزير المالية، «عقد أو الانضمام إلى اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف لتبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب الضريبي (Tax Evasion) أو الاحتيال الضريبي (Tax Fraud) «. ويشير القانون بوضوح الى السرية المصرفية ووجوب المحافظة عليها.

منصور

يشرح الامين العام لهيئة التحقيق الخاصة عبد الحفيظ منصور لـ»المستقبل» ان هذه المسألة ليست متعلقة بالهيئة، اذ وفق القانون فان «طلب المعلومات المتعلق بالتهرب أو بالاحتيال الضريبي يجب أن يقدم إلى وزارة المالية من قبل مثيلاتها الأجنبية أو من قبل السلطة الأجنبية المسؤولة عن الشؤون الضريبية«. ويوضح ان الهيئة تتبادل المعلومات مع نظيراتها في دول العالم ومع مجموعة اغمونت لوحدات التحقيق العالمية التي تضم 151 وحدة. وقال منصور ان الهيئة تقوم بتبادل المعلومات مع هذه الجهات فقط.

مرقص

بحسب المرجع القانوني، المحامي الدكتور بول مرقص، فإن بعض التقارير الدولية تُصنف لبنان من الجنّات الضريبية المعزّزة بدرجة متقدمة من السريّة المصرفية، حيث احتلّ لبنان المركز السابع من حيث الأهميّة للملاذات الضريبية بحسب مؤشر السريّة الماليّة Financial Secrecy Index ، وتصدّر العديد من الدول الأوروبيّة والآسيوية والعربيّة.

ويرى مرقص انه بعدما اصبحت بنما حديث الساعات الأخيرة، فإنّه من المتوقّع أن يدرج لبنان مجدّدًا تحت ظلال التشكيك، بحيث يشار إليه في التحقيقات الاوليّة على أنّه من الدول الرافضة لتبادل المعلومات مع السلطات الدوليّة.

ويضيف: «ان القطاع المصرفي في لبنان يمتاز بنظام السريّة المصرفيّة الّتي أقرّ بقانون 3 أيلول 1956 وبقيت قوية مذذاك، ولم تحدّ منها سوى ضرورات مكافحة تبييض الأموال منذ قانون 20 نيسان 2001، وأخيراً، قانون فاتكا الأميركي الذي يرمي إلى تعزيز قدرة الولايات المتحدة على جباية ضرائبها من المكلفين غير المقيمين على أراضيها. فلم يكن من المصارف اللبنانية إلا أن تصرّح عن هؤلاء إلى مصلحة الضرائب الأميركيّة ( IRS). كذلك، فقد تقدم عدد الدول الأوروبيّة من خلال منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية الاقتصادية باقتراح تطبيق لمبدأ مشابه لقانون فاتكا ، يٌعرف باسم «معايير التقارير المشتركة «Common Reporting Standards، والذي يرمي بدوره الى الإفصاح عن الحسابات بحسب البلد الضريبيّ للأفراد والشركات. وعليه، وطالما ان هذه التشريعات ترمي إلى جباية الضرائب ومكافحة التّهرب الضريبيّ، فهي تقلّص السريّة المصرفيّة وتثقل كاهل المصارف اللبنانيّة بكلفة امتثال مرتفعة ومن دون مردود«.

ويشدد مرقص على ان القطاع المصرفيّ في لبنان ينشط في بيئة استثمارية وظروف تشغيلية عالية المخاطر نسبةً للدّول المُجاورة، وهو ما حدا بمجلس النواب إلى إقرار مجموعة من القوانين في تشرين الثاني2015، في ما سمّي جلسة «تشريع الضرورة» لمجلس النواب، أبرزها:

– قانون التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود،

– قانون تبادل المعلومات الضريبية،

– قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب (الصيغة الجديدة للقانون الحالي المعدّل رقم 318/2001 تاريخ 20/4/2001 وتعديلاته المتفرّقة)،

– قانون الاجازة للحكومة اللبنانية الانضمام الى الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الارهاب الموقعة في نيويورك بتاريخ 9/12/1999.

ولعلّ أبرز القوانين التي تعنينا في مضمار القضية الراهنة، بحسب مرقص، هو قانون «تبادل المعلومات الضريبية» استناداً للمادة 62 من الدستور، والذي «أجاز لوزير المالية في مجال التعاون الدولي عقد اتفاقيات أو الانضمام لها، ثنائية كانت أو متعددة الأطراف، بهدف تبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب الضريبي (tax evasion) أو بالاحتيال الضريبي ،(tax fraud) ضمن أصول تشريعية وشروط محددة«. اذ يقدَم طلب المعلومات المتعلق بالتهرب أو بالاحتيال الضريبي من وزارة المالية في البلد الأجنبي، أو السلطة المسؤولة عن الشؤون الضريبية في هذا البلد، الى وزارة المالية في لبنان.

ويُشترط بحسب القانون الجديد أن يستند الطلب إلى المعلومات التالية :

– حكم مبرم بتجريم المستعلم عنه بالاحتيال أو بالتهرب الضريبي،

– وقائع جدية،

– أو قرائن دامغة على ارتكاب المستعلم عنه الجرم المذكور في البلد مُقدّم الاستعلام.

ويجب أن يتضمن الطلب، معلومات كافية عن حسابات المستعلم عنه المصرفية في المصارف العاملة في لبنان. وفي حال كانت هذه المعلومات مشمولة بقانون سرية المصارف، أو بالمادة 151 من قانون النقد والتسليف، عندها يحال الطلب المقدم الى «هيئة التحقيق الخاصة»، فتتخذ القرار المناسب مع مراعاة الأحكام القانونية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بتبادل المعلومات المتعلقة بالتهرب أو بالاحتيال الضريبي. فإذا قررت تزويد الجهة مقدمة الاستعلام بالمعلومات اللازمة، تبلغ المستعلم عنه خطياً قرارها، ويعود له أن يقدم اعتراضًا خلال مهلة 15 يوماً من تاريخ الابلاغ وذلك امام مجلس شورى الدولة. وعندها، يعود لمجلس شورى الدولة بمهلة ثلاثة أشهر أن يبت بصحة توافر الشروط القانونية، وفي حال لم يبت خلال هذه المهلة يعود للهيئة تنفيذ الاجراءات المطلوبة.

وبذلك، قال مرقص، أبرز لبنان حرصه على التقيّد بالمعايير والأنظمة الدوليّة بهدف الحفاظ على الاستقرار الاقتصاديّ والماليّ، «بينما تسمية لبنان على أنّه من الدول غير المتعاونة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتّنمية يؤدي خلاف ذلك تماماً، ويسهم في تردّي الوضع الاقتصاديّ وتفاقم خطر قطع بعض المصارف المُراسِلة لعلاقاتها التاريخية مع المصارف اللبنانيّة. أضف إلى تأثير ذلك لجهة مخاطر انخفاض تدفّق رؤوس الأموال الخاصة إلى لبنان وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر الى مستويات متدنية وتراجع نسبة الودائع في المصارف وخصوصاً تلك المرتبطة بغير المقيمين«.

يذكر أخيراً ان لجنة الشؤون المالية قررت في العام 2009، حذف الدول الثلاثة (أندورا، وإمارة ليختنشتاين وإمارة موناكو) من قائمة الجنات الضريبية غير المتعاونة في ضوء التزاماتها تنفيذ معايير منظمة التعاون والتنمية من الشفافية والتبادل الفعّال للمعلومات والجدول الزمني الذي وضعته لتنفيذها.