مروان اسكندر
أتيحت لي المشاركة في مؤتمر انعقد في دبي الثلثاء 2016/4/5 ركز ابحاثه على تأثير الازمة النفطية على أوضاع دول مجلس التعاون الخليجي كما على النتائج المتوقعة لتوسع تعميم التطور التكنولوجي سواء في مجال الاتصالات، أم حفظ المعلومات وتنسيقها ودور الروبوتات في تولي وظائف وأعمال روتينية يكلف القيام بها آلاف الوافدين للعمل في هذه الدول.
والمؤتمر ينعقد سنويًا بالتعاون بين شركة اعلامية يقودها ابناء الصحافي اللبناني المعروف ياسر هواري الذي توفي بعد اقامة ونشاط كبير في باريس، وهم يتعاونون مع كلية INSEAD لادارة الاعمال التي تعتبر من أشهر الكليات في هذا الاختصاص ومركزها فرنسا كما ان لها فرعًا ناشطًا في أبو ظبي.
كان القصد من المؤتمر البحث في الامور المستجدة اقتصاديًا وتقنيًا وتكريم عدد من المديرين التنفيذيين من بين 100 مدير تنفيذي لشركات ناجحة في دول مجلس التعاون، وشارك في المحاضرات عدد كبير من الخبراء من الذكور والاناث.
أمضيت في دبي يومين وحاولت تلمس أوضاع هذه المشيخة المميزة بانتظامها، وبأنها، وان كانت تواجه انحسارًا في النشاط، لا تعاني تأثير انخفاض أسعار النفط بقوة. ولا بد من تفحص اسباب تميز دبي عن بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي، وثمة أربعة اسباب تدعو الى توقع استمرار النشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي فيها، علمًا بانها بدأت تواجه مشكلتين بوضوح.
أسباب التميز الاربعة هي:
– إن دبي لا تعتمد على عائدات النفط ومنذ بضع سنوات (بعد صعوبات 2008 و2010) حينما واجهت شركاتها الكبرى ضغوطاً لايفاء ديون كبيرة ساعدت على استيعابها أبو ظبي بتقديم معونات ملحوظة وتملك مشاريع قائمة. حققت حكومة دبي فوائض على حسابات الموازنة في الاعوام الثلاثة المنصرمة اعتمادًا على الضرائب المفروضة على الفنادق وانفاق السياح، وقد بلغ عدد مستعملي مطارات دبي عام 2015 أكثر من عدد مستعملي مطار هيثرو في لندن، علمًا بان نسبة من هؤلاء ركاب ترانزيت. وجدير بالذكر ان الضريبة على القيمة المضافة على تسعيرة الفنادق تساوي 10 في المئة، تضاف اليها نسبة مماثلة للبلدية تعويضًا لخدماتها.
– ان دبي وفّرت الكهرباء، التي تنتج بلقيم الغاز المسيل المستورد من قطر، كما المياه، التي تكرر في معامل انتاج الكهرباء، وتالياً كانت تغطي الرسوم المفروضة هذه الخدمات المرتفعة الكلفة، في حين، أنه حتى منتصف عام 2015 كانت الكهرباء شبه مجانية في غالبية بلدان مجلس التعاون الخليجي كما المياه، واستهلاك الكهرباء والمياه في هذه البلدان يبلغ معدلات تعتبر من الاعلى في العالم.
استوفت دبي ايضاً رسوماً ملحوظة على رخص البناء، ولا شك في ان المشيخة التي تستقبل ملايين السياح وتوفر مرتكزات العمل في منطقة الخليج للعديد من الشركات الدولية، شهدت طفرة عمرانية وتسويقية لم تتحقق في بلدان حاولت ان تركز اقتصاداتها على رسوم ضريبية مناسبة، وان تستقطب السياح والشركات، وكانت دبي سباقة على الصعيدين.
– ان دبي كانت ولا تزال مركزاً رئيسياً لاستيراد المنتجات الالكترونية، وقطع الغيار الرئيسية، والمعدات التصنيعية لايران. ومعلوم ان عدد المواطنين ذوي الاصل الايراني في دبي لا يقل عن نسبة 30 في المئة وهم من انجح رجال الاعمال في المنطقة وسوف يكون لهم دور كبير في كفاية حاجات ايران للاستيراد والانفتاح على العالم الصناعي. ودور دبي في الخليج بات يشبه ما كان دور لبنان في منطقة الشرق الاوسط حينما ارتفعت اعداد الاجانب من المقيمين فيه الذين كانوا يتركون عائلاتهم في بيروت ويعودون اليها من الكويت والسعودية اسبوعيًا، وكانت مدارس الجاليات الاجنبية متعددة، منها مدرسة للجالية الاميركية واخرى للجالية الالمانية، وثالثة لليابانيين. وزال سحر لبنان بعد اندلاع الحرب الاهلية عام 1975.
– ان دبي استقطبت لاسباب تاريخية تعود الى تجذر الهنود في منطقة الخليج وتجلي قدراتهم في الخدمات الالكترونية والمحاسبية وتجارة الذهب، عدداً كبيراً من الزوار من الهند. وبما ان الهند تحقق منذ سنوات معدلات نمو مرتفعة، وان كثيراً من الهنود جمعوا ثروات طائلة، وحيث ان دبي لا تبعد عن مومباي قدر بعد بيروت عن دبي، تدفق الزوار والمستثمرون الهنود الى هذه.
وظاهرة مشابهة بدأت تتطور مع الصينيين الذين يجدون في دبي، المناخ المناسب لمتابعة اعمالهم، وهم باتوا على صعيد الاحتياطات المالية أغنى دولة في العالم، وهم يبحثون عن الاستثمار في الشرق الاوسط وافريقيا وصارت دبي الى حد بعيد مركز الانطلاق لهم، وتالياً يمكن القول إن دبي محط اهتمام مواطني الهند والصين، البلدين المستمرين بمعدلات نمو واعدة.
ولكن على رغم النجاح الملحوظ في تخطي ازمة انخفاض اسعار النفط هنالك مشكلتان تواجهان دبي.
المشكلة الاولى هي كثافة السير، على رغم الطرق الفسيحة والمنجزة بمواصفات جيدة. فأعداد السيارات وسهولة استعمالها تتسبب باختناقات مرور تتجاوز ما نشهده في بيروت حيث الشوارع ضيقة والسائقون لا يلتزمون القوانين كما في دبي. وهذه المشكلة التي تهدر من أوقات سكان دبي الى حد بعيد لا يمكن التغلب عليها بسرعة ما دامت الاوضاع الاقتصادية غير متأزمة واعداد السيارات في ارتفاع سريع وكل ذلك يحصل وقد انجزت دبي قطاراً كهربائياً يسير فوق الارض يشبه خدمات المترو.
أما المشكلة الاكثر تأثيراً على مستقبل دبي كمركز للاعمال والنشاط في منطقة الخليج والى حد ما في شرق افريقيا، فهي انها صارت من أغلى الدول للسكن والزيارة. فإيجارات المنازل والمكاتب مرتفعة -علماً بانها انخفضت قليلاً خلال عام 2014 وحتى منتصف عام 2015 – وكذلك اسعار الفنادق الجيدة، واذا توجه الزائر أو المقيم الى مطعم ذي مستوى جيد عليه ان يدفع ما يوازي 80-100 دولار عن الشخص الواحد.
قضية الغلاء من أصعب الامور للمعالجة، ما دام البلد لا يعاني ازمة اقتصادية، ونحن نتمنى ألا تواجه دبي ازمة اقتصادية كبيرة، ونأمل ان تسعى سلطاتها التي ضبطت الامن على نحو باهر الى ضبط مستويات الاسعار.