نال مستشفى البترون الحكومي حصة كبيرة من النقاشات في جلسة مجلس الوزراء ما قبل الأخيرة في 16 آذار الفائت، خصوصاً أن انتقاله من عهدة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي إلى عهدة وزارة الصحة يضع العاملين والموظفين في المستشفى أمام مصير دقيق، باعتبار أن لكل من الجهتين، الضمان ووزارة الصحة، نظاماً مختلفاً عن الآخر في ما يتعلق بالموظفين والشروط والرواتب.
من هذا المنطلق، وحرصاً على وضع الموظفين والعاملين في المستشفى من جهة، ومراعاة القوانين والمصلحة العامة من جهة ثانية، كان لوزير الإتصالات نائب البترون بطرس حرب تحرك في هذا الموضوع، بدأ منذ اتخذ الضمان قراره وقف إدارته للمستشفى حيث لم تهدأ حركته في الإجتماعات المتلاحقة إن مع رئيس الحكومة أو وزراء العمل والصحة والمال ونائبي منطقة البترون والمدير العام للضمان الإجتماعي.
وفي جلسة 16 آذار التي طال النقاش فيها حول الموضوع، أثار الوزير حرب القضية فقال: الضمان الإجتماعي، وخلافاً لاقتناعنا، قرر عدم تجديد عقد تشغيل مستشفى البترون الحكومي، وهذا الموضوع خلق لدينا مشكلة كبيرة على الصعيد الإجتماعي لأن هناك عدداً من الموظفين والعاملين في هذا المستشفى لدى الضمان الإجتماعي كانوا يتقاضون تقديمات معيّنة، وإذا انتقلوا إلى ملاك وزارة الصحة فإنهم سيخسرون كل تلك التقديمات، وسيذهب قسم منهم إلى بيته لأن بعض هؤلاء الموظفين ليست لديه الشروط الكافية التي تطلبها وزارة الصحة، وعددهم يقارب الـ 150 عائلة، ومنهم من تجاوز سنّ الخمسين ولم يعد في إمكانه إيجاد عمل آخر في هذا العمر، ومَن كان يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة شهرياً وحياته مبرمجة على هذا الأساس، يستحيل عليه التكيّف مع راتب يوازي النصف تقريباً مع وزارة الصحة، ولذلك سيصبح وضع هؤلاء الموظفين “بالويْل”.
وأضاف: لذلك مع تأكيدي على ضرورة تحويل مستشفى البترون الحكومي إلى مؤسسة عامة كما يطرح وزير الصحة، إلا أن هناك مشكلة إجتماعية تفرض نفسها علينا ويجب حلّها من دون خلق مشكلة جديدة. وهناك تجربة جديدة، فالضمان الإجتماعي فشل في إدارة هذه المستشفى وهو لم يعيّن مسؤولاً متخصّصاً في إدارة المستشفيات، إنما بنى حساباته على مبدأ الربح والخسارة، واليوم بعدما أصدر وزير العمل قراراً بتعيين لجنة جديدة، كلّف اختصاصياً بإدارة المستشفى وهو غريب عن المنطقة، إنما يبدو أنه بارع في إدارة المستشفيات فاتخذ تدابير معيّنة قلصت مصاريف المستشفى. وبعد تواصلي معه، أكد أن المستشفى سيحقق الربح ولن يخسر، من هنا أقول إنني حاولت على الصعيد القانوني التفتيش عن حل لمشكلة العاملين في مستشفى البترون، لأنه من غير الطبيعي أن يتمتّع الإنسان بحقوق مكتسبة ويعيش على أساس ظروف حياتية معيّنة، ثم ندعوه إلى ترك العمل أو نجبره على خسارة حقوقه، والضمان الإجتماعي هو مؤسسة عامة حتى ولو كان له طابع خاص، والمؤسسات العامة التي تنشئها وزارة الصحة هي أيضاً مؤسسات عامة، وبعد البحث والتدقيق في النصوص القانونية، تبيّن لي أن نظام المؤسسات العامة يسمح بنقل الموظفين من مؤسسة عامة إلى مؤسسة عامة إنما تبقى لدينا مشكلة فرق الرواتب، إذ أن رواتب الضمان الإجتماعي تختلف عن رواتب وزارة الصحة. ولتفادي هذه المشكلة التي طرحت سابقاً في مناسبات عدة، وليس لها شبيه سوى بالقانون 431/ 2002 المتعلّق بخصخصة قطاع الإتصالات والذي تضمّن نصاً بأن الموظفين الموجودين في الوزارة الذين سينتقل عملهم إلى شركة “ليبان تلكوم” لهم الحق في تقديم استقالاتهم وللشركة الجديدة حق اختيار مَن تشاء منهم، فيما تعطي حوافز لمن يشاء المغادرة، ومَن حافظ على موقعه أنشىء له ما يسمى ملاك التصفية، ما يعني أن هؤلاء يحافظون على عملهم بالشروط القديمة ذاتها حتى تقاعدهم، أما الموظفون الجدد فيخضعون للشروط الجديدة مع المؤسسات العامة.
وأضاف حرب: في خلال الأسبوعين الماضيين، انكبَبت مع فريق عمل على درس الموضوع فلم أتوصل إلى حل، وأعتقد أن المسألة تحتاج إلى مزيد من الدرس، ومع موافقتي على الإنتقال إلى مؤسسة عامة تابعة لوزارة الصحة، فأقترح على مجلس الوزراء إعطاء القضية المزيد من الوقت للدرس ريثما نجد حلاً حتى لا نقع في مشكلة اجتماعية كبرى، إذ لا يجوز رمي ما يقارب 150 موظفاً في الشارع كما لا يمكن خفض رواتب الموظفين الذين طبّعوا حياتهم على أساسها. ودعا حرب وزراء الصحة والعمل والمال إلى مؤازرته بحثاً عن حل للقضية.
بدوره، اقترح وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على إدارة مستشفى البترون أن تعمد إلى توقيع عقد شراكة مع إحدى الجامعات لتأخذ الموظفين على عاتقها. كما دعا إلى تغليب المصلحة العامة على مصلحة الموظفين.
أما وزير المال علي حسن خليل فاعتبر “أننا أمام نموذج خاص جداً في مستشفى البترون، لا تنطبق عليه أنظمة بقيّة المؤسسات العامة، وأقترح تحويل المستشفى إلى مؤسسة عامة ذات طابع خاص، وإذاك فإن تسوية أوضاع الموظفين العاملين حالياً تحتاج إلى قانون خاص”.
وأضاف: بعد تحويل المستشفى إلى مؤسسة عامة، ساعتئذٍ يمكن للمؤسسة العامة أن تقوم بالتعاقد مع مؤسسة جامعية. لدينا الآن ثلاثة خيارات: الخيار الذي طرحه الوزير حرب، وآخر طرحه الوزير باسيل، والخيار المطروح على الجلسة. كلها خيارات تعترضها عقدة أساسية مشتركة وهي وضع الموظفين.
لكن الوزير حرب عاد فأوضح أنه استشار مجلس الخدمة المدنية، ولم يجد حلاً لديه إلا في الإتجاه إلى إنشاء قانون خاص بهذه الحالة. ودعا إلى “تأييد اقتراح رئيس الحكومة تشكيل لجنة من وزراء الصحة والمال والعمل والدكتور سهيل بوجي، إضافة إلى شخص كفوء ومؤهّل يمثل وزير الإتصالات وهو متقاعد من عمله في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وسبق له أن أدار مستشفى البترون لأربع سنوات.
وختم حرب مداخلته بالقول: إذا كنا نقارن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة الضيّقة، فإننا كلنا نريد المصلحة العامة. إلا أن علينا التوفيق بين المصلحة العامة ومصالح الموظفين، وليس المطلوب تحميل وزارة الصحة أعباء. وأي اقتراح سنعتمده، يجب أن ينال موافقة مجلس الوزراء، ربما استلزم الأمر وضع قانون خاص وتحويله إلى مجلس النواب لأن هذا المستشفى فريد من نوعه وهو الوحيد في لبنان الذي يديره الضمان الإجتماعي ولا يوجد أي حالة شبيهة له، وبما أنه استثنائي فإنه يستدعي تدبيراً إستثنائياً، وما يهمنا هو التعاون جميعاً من أجل إيجاد حل لهذه المشكلة.