كتبت رنا سعرتي في صحيفة “الجمهورية”: سلّطت فضيحة “أوراق بنما” الضوء على خطورة وحساسية شركات الاوفشور في تبييض الاموال، او اخفاء الثروات، لكن هذه الشركات قانونية وموجودة في عدد كبير من بلدان العالم، بما فيها لبنان. كيف تعمل هذه الشركات؟ ولماذا أصبح تأسيس أوفشور في لبنان من رابع المستحيلات رغم ان القانون يسمح بذلك؟
تعني كلمة offshore “أوفشور” باللغة العربية “قبالة الساحل”، أي “خارج الاراضي” المحلية. وبالتالي فان شركات “الأوفشور” هي شركات مسجلة في بلدٍ لا يكون المالك مقيماً فيه، ولا يحق لتلك الشركات ممارسة أي نشاط اقتصادي تابع لها في البلد الذي تتخذه مقرّا لها.
من أجل تأسيس شركة أوفشور، فإن “الأمر يمكن ان يكون بسيطا جدا، كما يمكن ان يكون معقدا جدا”، وفقا للباحث في معهد العلاقات الدولية “ايريس” ومؤلف كتاب “التهرّب الضريبي والملاذات الضريبية “برس ايريك فيرنييه الذي أوضح انه يمكن أن يتم ذلك من خلال مكاتب محاماة متخصصة بعضها له شهرة عالمية واسعة، ولكن أيضا من خلال شبكة الإنترنت عبر نقرات قليلة وبعض المال.
- هل تعتبر غير شرعية؟
لا يعتبر تأسيس شركات أوفشور غير شرعي، يملك الجميع الحق في تأسيس شركة أوفشور، طالما يتم التصريح عن الأرباح، وطالما يتم الاعلان عن النشاط الحقيقي وراء حسابات شركات الاوفشور، ومصدر تدفقاتها المالية.
يكمن الهدف من تأسيس هذا النوع من الشركات، في تحسين الوضع الضريبي وليس التهرب الضريبي كما هو شائع. لأن الهدف هو ضمان أن التصريح عن الأرباح يحصل على أراضٍ تكون الضرائب فيها متدنية أو غير موجودة، مما يسمح للشركات بزيادة أرباحها.
لذلك، يتم تأسيس هذه الشركات بشكل عام في دول تكون ضرائبها مغرية، أي في ما يسمّى “الملاذات الضريبية”، مثل البهاماس والجزر العذراء البريطانية وبنما، وأيضا في ولاية ديلاوير في الولايات المتحدة.
كما يمكن ان يكون الهدف من تأسيس شركات أوفشور، تسهيل بعض المعاملات التي ليست بالضرورة غير شرعية، ولكنها تتطلب سرية معيّنة تضمنها تلك الملاذات الضريبية.
- هل هناك نظام “أوفشور” في لبنان؟
محلياً، تعتبر شركة الاوفشور نوعا من الشركات المساهمة ويرعاها القانون المرسوم الاشتراعي 8346 كما القانون الرقم 19 الصادر في عام 2008.
وتعتبر شركات الاوفشور في لبنان خيارا مناسبا لرجال الأعمال الذين لديهم أعمال ونشاطات تجارية وعمليات تجارية مثلثة خارج لبنان أو في المناطق الحرة اللبنانية، لأن شركة الاوفشور اللبنانية يمكنها ممارسة كافة انواع الاعمال من تجارة وغيرها، وتستفيد من ضريبة مقطوعة بسيطة قيمتها 667 دولارا أميركيا بغض النظر عن رقم الاعمال أو الأرباح التي تحققت في الشركة.
يوضح مرجع قانوني لـ”الجمهورية” ان هناك عددا كبيرا من شركات “الأوفشور” في لبنان تقوم بعمليات تجارية خارج الاراضي المحلية، وقد عمدت الى تأسيس هذا النوع من الشركات لتحاشي تكبّد دفع ضرائب على أعمالها، كون القانون الضرائبي في لبنان يفرض على الشركات العادية ضرائب تصل الى حدود 25%، تتضّمن 15% ضريبة باب اول و 10% ضريبة على الارباح.
ويشير الى انه يمكن لشركة الاوفشور ان تكون مملوكة بالكامل من قبل أجانب الذين يستفيدون بدورهم من معاهدة عدم الازدواج الضريبي التي وقعت بين بلادهم ولبنان مثل الجزائر، أرمينيا، البحرين، روسيا البيضاء، بلغاريا، كوبا، قبرص، جمهورية التشيك، مصر، فرنسا، الغابون، إيران، إيطاليا،الأردن، الكويت، ماليزيا، مالطا، المغرب، باكستان، بولندا، قطر، رومانيا، روسيا، السنغال، السودان، سلطنة عمان، سوريا، تونس، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، أوكرانيا، اليمن.
ايجابيات الاوفشور في لبنان
هناك مجموعة من الميزات لشركات الاوفشور، منها:
– يمكن أن تكون مملوكة ومدارة من قبل أجانب بشكل كامل، وتقتصر مسؤولية أصحابها على أسهمهم في الشركة.
– تتمتع الشركة بنطاق عمل واسع.
– لا حاجة لاجازة عمل لمدير أو رئيس مجلس ادارة الشركة في حال لم يكن مقيماً.
– يعفى الموظفون غير اللبنانيين من اجازة العمل اذا تجاوزت الميزانية العمومية الإجمالية للشركة 667000 دولار أميركي.
– سرية مصرفية مطلقة على حسابات المصارف.
في هذا الاطار، يلفت المرجع القانوني لـ”االجمهورية” الى انه بعد أن كشفت شبكة مكافحة الجرائم الماليّة في وزارة الخزانة الأميركية في العام 2013 “شبكة تابعة لحزب الله تقوم بنشاط تجاري لتبييض الأموال يتضمّن شراء السيارات المستعملة في الولايات المتّحدة لتصديرها إلى غرب أفريقيا وإدخال الاموال بصورة شرعية الى لبنان”، أصبح القطاع المصرفي في لبنان أكثر تشدّدا في ما يتعلّق بحسابات شركات الاوفشور، وبات يرفض تدريجياً فتح حسابات لتلك الشركات، إلا في حالات نادرة تتعلّق بعملائه الموثوق في أعمالهم وحساباتهم المصرفية.
جبيلي
من جهته، أكد المسؤول الرئيسي لمجموعة الشؤون القانونية والتحقق في بنك عوده شهدان جبيلي لـ”الجمهورية” أن موضوع شركات “الاوفشور” في لبنان يتفرّع الى عنوانين رئيسيين، الاول مرتبط بالاجراءات القانونية الشكلية لفتح حساب مصرفي لشركة أوفشور، والثاني بالاجتهادات التي تقوم بها المصارف للتأكد من شرعية النشاط الاقتصادي الذي تقوم به تلك الشركات.
وشرح جبيلي ان تأسيس شركة “اوفشور” في لبنان تقوم بنشاط تجاري خارج لبنان ليس بصيغة كلاسيكية عموماً، وبالتالي لدى المصارف التزاماً ومسؤولية في معرفة هوية العميل ونوعية نشاطه الاقتصادي واعادة تصنيفه وزيارته للتأكد من شرعية نشاطاته.
واشار الى ان التحديات في موضوع شركات الاوفشور تتفوّق على القانون، خصوصا ان هذا النوع من الشركات يقوم بعمليات مصرفية مع الخارج، وبالتالي ستخضع المصارف اللبنانية لمساءلة من قبل البنوك المراسلة حول أدق تفاصيل العمليات والتحويلات المالية والمصرفية.
وشرح جبيلي ان طبيعة العلاقة والتعامل بين المصارف المحلية والعالم وما يستوجبه ذلك من التزام تام في تطبيق القوانين الدولية، صعّب عملية فتح حسابات “اوفشور” في لبنان بسبب وجود اجراءات ضمان ووقاية على المصرف القيام بها للتأكد من تطبيق المعايير والقواعد المالية العالمية.
وأكد جبيلي ان التشدد في تطبيق القواعد الدولية لا يعني ان تأسيس شركة “اوفشور” يكون لاغراض غير مشروعة.
ولفت الى ان مكافحة تبييض الاموال تُلزم المصارف اعادة تصنيف عملائها. وأكد على انه وفقا للمعايير العالمية، تُصنّف إجمالاً حسابات “الاوفشور” ذات مخاطر عالية، بما يستدعي ان تترافق اجتهادات المصارف مع هذا التصنيف.
وأوضح جبيلي أنه لا وجود لأي مشكلة في القانون اللبناني في ما يتعلّق بشركات “الاوفشور”، إلا ان القواعد المالية العالمية المفروضة على عمل المصارف وعلاقتها مع المصارف المراسلة هي التي تشكل ضغطاً نوعا ما سواء على عملية فتح حسابات اوفشور أو على العمليات المصرفية لتلك الحسابات.
ورأى جبيلي ان الحلّ يكمن في تعاطي العملاء بشفافية تامّة مع المصارف تسمح للمصرف بتشكيل قاعدة معلومات كافية ودقيقة.
تشدّد دائرة الضرائب
اكد المرجع القانوني لـ”الجمهورية” ان مصلحة الضرائب في وزارة المالية اللبنانية متشددة في ملاحقة وكشف شركات الاوفشور التي تخالف القانون وتمارس نشاطا اقتصاديا في لبنان، وهي فعالة في هذا الاطار حيث يتوجب على الشركة المخالفة دفع الضرائب المتوجبة عليها اضافة الى غرامة تصل الى نسبة 50 % من حجم الضرائب التي تهرّبت من دفعها، ويصار الى تحويل الشركة من “أوفشور” الى شركة ش م م.
مصدر الشُبهة
أوضحت محامية الضرائب في مكتب المحاماة “فيدال” غاييل مونو-لوجون إنه “يتم فتح شركة أوفشور ضمن أطر قضائية بتشريعات محددة لفتح حساب مصرفي غير ظاهر مباشرة، من أجل الحصول على ممتلكات من دون كشف هوية صاحبها”.
وفي الغالب، فإن شركات الأوفشور تقع في بلدان تتمتع بالسرية المصرفية. كما إنها غالبا ما تستخدم أسماء وهمية، ما يسمح بإخفاء هوية المالكين الحقيقيين.
Trust law و”أوراق بنما”
سلّطت فضيحة “أوراق بنما” المتعلقة بتسريب وثائق شركة “Mossack Fonseca “ التي تدل على تورط عدد من ممثلي النخبة السياسية على مستوى العالم في الشبكات المالية غير الشرعية العاملة في الملاذات الضريبية “أوفشور”، الضوء على عمل شركات الاوفشور ووضعتها في خانة الشبهات وعدم الشرعية.
لكن المرجع القانوني كشف لـ”الجمهورية” أن تهريب الاموال واخفاء هوية مالكي تلك الشركات الفعليين لم يتمّ من خلال شركات “اوفشور” بل وفقا لقانون يُعرف باسم trust law قائم في الولايات المتحدة وبريطانيا ويتم من خلاله ابتكار نوع من تركيبة قانونية لشركات تتاجر مع كافة دول العام، بحيث يكون المؤتمن trustee على الشركة مُعلن الهوية، أما المستفيد الحقيقي من الشركة beneficiary فيكون مجهول الهوية.
وبموجب “قانون الائتمان” او trust law، يكلّف احد الاطراف، طرفا آخرا كمؤتمن على ملكية شركاته او عقاراته. ويحوّل المكلّف، ملكيته وكافة حقوقه الى المؤتمن، وبالتالي تصبح الملكية القانونية تابعة للمؤتمن، وتعود المنافع والارباح للمستفيدين الذين يعيّنهم أيضا المكلّف.