كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
بغَضّ النظر عمّا إذا كانت الانتخابات البلدية ستجري في موعدها، أم أنّها ستؤجّل لتصبح جزءاً من مسلسل التجديد للموجود والفراغ السائد في البلد على حساب تفعيل العمل بمبدأ تداول السلطة، فإنّ انتخابات بلدية زحلة تَحظى باهتمام خاص وربّما استثنائيّ، وذلك من بين كلّ البلديات الأخرى.داخل كواليس ما يحصل في الاتصالات الخاصة بانتخابات بلدية زحلة، يلاحظ أنّ الاهتمام بها ليس فقط داخلياً، بل يتّصل أيضاً بقضايا خارجية لها تعبيراتها العملية في لبنان.
وعلمت «الجمهورية»، أنّ المحطة التي أطلقَت رحلة لفت النظر الداخلي والخارجي لهذه الانتخابات تمثّلت في حدثين، أوّلهما معلومات عن خلفيات خارجية يشاع أنّ لها صلة بانتخاباتها، وثانيهما زيارة الرئيس سعد الحريري إلى زحلة والتي نبّهت كلّاً من دمشق و«حزب الله» إلى ضرورة بذلِ جهدٍ انتخابي موازٍ فيها، والتحرّي إلى أين تذهب تحالفاتها من جهة، وما هي نسبة صدقية المعلومات عن وجود خلفيات خارجية لها.
في آخر معركة انتخابية نيابية، مثّلت زحلة أمَّ المعارك وبيضة قبّان الربح والخسارة بالنسبة إلى فريقَي «8 و14 آذار». آنذاك كان هناك في «8 آذار» مَن ألقى مسؤولية فوز لائحة «14 آذار» في زحلة على كاهل أنّها نتاج تفاهم السين – السين (السعودي – السوري)، أمّا اليوم فهناك محاولات لاستكشاف صحّة ما إذا كانت انتخابات البلدية في زحلة ستكون بيضة قبّان لها صلة بوجود مشروع دولي لتغيير ديموغرافي كبير في لبنان؟
ماذا في التفاصيل؟
على ذمّة ما يدور من همس في كواليس عميقة مهتمّة بالإعداد لمعركة انتخابات بلدية زحلة، وهو همسٌ نُقِلت معطياته أخيراً إلى مراجع وأحزاب سياسية متدخّلة أو مشاركة في انتخاباتها، فإنّه يتمّ إيراد الوقائع الآتية تحت «زعم» أنّها معلومات خاصة:
أوّلاً – أبلغت جهات من داخل زحلة مراجع حزبيّة في «8 آذار» أنّ الصراع على رئاسة البلدية ليس داخلياً أو بلدياً صرفاً، بل توجد في ثناياه اتصالات تُجريها جهات تدعَم مرشّحاً بعينه لرئاسة البلدية مع دوَل أوروبية، وخصوصاً مع باريس، مِن أجل هندسة نتائج الانتخابات على نحو يُنتج مجلساً بلدياً لعاصمة البقاع الأوسط لا يُعارض لاحقاً تنفيذ مشروع لا يزال غير معلن، وموجود الآن في أدراج الاتحاد الأوروبي، ويرمي إلى إسكان عشرات الآلاف من النازحين السوريّين في منطقة في تعلبايا تبلغ مساحتها مئات آلاف الأمتار وتعود ملكيتها إلى السفارة الفرنسية، وذلك منذ زمن الانتداب الفرنسي للبنان.
وتضيف هذه المعلومات التي نُقلت إلى مراجع سياسية وحزبية لبنانية، أنّ منطقة البقاع الأوسط ستكون هي المنطقة المعتمدة دوليّاً ليتمّ فيها إطلاق عملية إنشاء بنية تحتية ودورة اقتصادية خاصة بالنازحين السوريين في لبنان، تؤمّن لهم إقامة بمواصفات أنّهم لاجئون وليسوا نازحين.
وهذا المشروع يُعتبر أبرز الأفكار الدولية الجديدة التي طرَحتها الدول المانحة لإغاثة النازحين السوريّين في مؤتمرها الأخير الذي عُقد في لندن خلال شباط الماضي، والذي يتوجّه تحديداً لكلّ مِن لبنان وتركيا لكي يُغيّرا من استراتيجياتهما المعتمدة حتى الآن في تعاملهما مع النازحين السوريين فوق أراضيهما.
وبات معلوماً أنّ المطلوب من لبنان الموافقة على صرفِ المساعدات المالية من الدول المانحة على إنشاء بنية تحتية ودورة اقتصادية خاصة بالنازح السوري وقادرة على تقديم خدمات المعيشة والعيش له لمدّة تتراوح بين 10 و15 عاماً. وبحسب المعلومات فإنّ باريس ستكون مستعدّة لتقديم أرض تملكها في تعلبايا عبر استئجارها من الأمم المتحدة لمصلحة إقامة بنية تحتية فيها للنازحين السوريين مموّلة أوروبّياً.
ويحضّ ناقلو هذه المعلومة الجهات السياسية التي رفعوها إليها على أن تتحرّك الخارجية اللبنانية للتأكّد منها، وأقلّه لتنبيه الجهات الخارجية بأنّ مثلَ هذا المشروع يخلّ بالتوازن الديموغرافي في منطقة البقاع الأوسط، الشديدة الحساسية.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه في ظلّ الوضع الراهن، فإنّ مسيحيّي هذه المنطقة يتوجّسون من حجم وجود النازحين السوريين بين ظهراني مجتمعهم، حيث جرى خلال السنوات الثلاث الأخيرة إنشاء عشرات المخيّمات تنتشر ما بين نقطتي كفرزبد والفاعور في البقاع الأوسط، ويقيم فيها حتى اليوم نحو 150 ألف نازح، واللافت، حسب «إحصاء خاص»، أنّ نسبة عالية جداً من مجموع هؤلاء النازحين هم شباب يبلغ عمرهم دون الأربعين عاماً ولا تقيم معهم عائلاتهم!
ثانياً – تلاحظ هذه المصادر أنّ اتّخاذ قرار إجراء أيّ انتخابات في لبنان مرهون بحصول ضغط خارجي فعلي؛ وفي حال شعرَت الأحزاب المقرّرة عدم وجوده فإنّها تتوافق على عدم إجرائها. وتتساءل المصادر عن وجود قرار خارجي بإجراء الانتخابات البلدية بهدف جعلِ بنية الاجتماع البلدي في لبنان في مناطق معينة قادرة على التكيّف مع خطط استيعاب النازحين السوريين وفق الرؤية الدولية الجديدة.
وتنفي هذه المصادر أنّها تنزع إلى المبالغة في إطلاقها لهذا الاستنتاج أو السؤال، وهي تلفت إلى أنّ تركيا رضَخت للشروط الدولية بخصوص تغيير استراتيجيتها حول النازحين السوريين، واضطرّت أخيراً إلى أن توقّع اتفاقاً مع الاتحاد الاوروبي لا ينسجم مع معايير القانون الدولي وينصّ على إجراء تبادل مهاجرين بين تركيا وأوروبا، بحيث تفتح أنقرة أبوابها للنازحين السوريين الذين وصَلوا من تركيا إلى الدول الأوروبية عشوائياً، في مقابل أن يستقبل الأوروبيون نازحين جدداً في مقابل من أعادتهم، شرط أن يكونوا مطابقين لمواصفات أمنية أوروبّية (أعمارهم، سيرتهم الجنائية، يتقنون لغات أجنبية، الخ…).
وتختم هذه المصادر أنّه إذا كانت تركيا، الدولة الكبيرة، قد رضَخت للضغط الدولي لتقبلَ شروطه بخصوص التعامل مع النازحين السوريين، فهل سيكون لبنان قادراً على دفع الشروط الدولية عنه؟
ثالثاً – داخل ملف انتخابات بلدية زحلة، يتوقع أن يتمّ أوّل اختبار لردّة فعل الشارع المسيحي على تحالف «القوات اللبنانية» مع «التيار الوطني الحر»، وذلك انطلاقاً ممّا إذا كان سيعتبر هذا التحالف إشارة قوة للمسيحيين كما ينظر مهندسو هذا الاتفاق، أم انّه سينظر اليه بوصفه محاولة لإنشاء «احتكار حزبي مسيحي» يلغي التعبيرات السياسية المسيحية الاخرى الحزبية والعائلية والمستقلة.
ولم تكن نتائج اختبارات جسّ النبض لهذا الامر، مرضية لـ»القوات» وللعونيين، حيث أظهرت أنّ تحالفَهما الانتخابي البلدي في زحلة سيَدفع عائلات المدينة وقواها العائلية والاجتماعية والأحزاب الأخرى إلى إبداء ردّ فعل سلبي ضدهما، وذلك من باب رفض أخذ المدينة الى معادلة الخضوع للاحتكار الحزبي الثنائي.
ويُفسح هذا التوجّس «العوني القواتي» من ردّة فعل زحلة ضدّهما، المجال أمام ولادة تفكير جديد من قبلهما يسعى إلى خوض الانتخابات فيها انطلاقاً من صيغتين: إمّا توسيع مروحة التحالف الحزبي بضمّ الكتائب إليهما ومن يقبل من الأُطر شبه الحزبية، أو طرح «صيغة التوافق مع الكتلة الشعبية».
وبحسب المعلومات فإنّ أحجام التصويت التجييري في زحلة تتوزّع كالآتي: 3000 صوت تجييري للعونيين والقواتيين ومعهم الكتائب؛ 4000 صوت لـ«الكتلة الشعبية». القوة التجييرية لـ«حزب الله» تبلغ 2000 صوت شيعي ولتيار «المستقبل» 2000 صوت سنّي.
ويوجد أيضاً 10 آلاف صوت عائم، ويُعتقد أنّ هؤلاء سينحازون الى جانب «الكتلة الشعبية» في حال قرّر «العونيون» و«القواتيون» خوض معركة كسر عظم حزبية في المدينة، في مواجهة عائلاتها وقواها التقليدية. وفي حال حصَل التوافق، فإنّ تصويتهم سيتوزّع بين لوائح عدة.
من جهته، يُبدي «حزب الله» حيرةً إزاء كيف يتصرّف في زحلة، وهو يميل لأن يشكّل لائحته التصويتية من أسماء له صلاتٌ فيها موجودة داخل كلّ اللوائح المتوقّع أن تتنافس. دمشق لديها أيضاً قوّة تجييرية داخل زحلة تتكوّن من 3 إلى 4 آلاف مسيحي زحلاوي يقيمون في حيَّي القصاع وباب توما في دمشق، ولن يتوانى النظام عن حضّهم على التصويت لصالح لائحة يتّفق معها مسبقاً على مسائل سياسية وثوابت بلدية.
ويطرح في سوريا سؤال عن الدور الذي ستلعبه مدينة زحلة في المرحلة المقبلة: هل ستكون عاصمة تقدّم الخدمات إلى النازحين السوريين، وهذا سيأخذها الى تقديم غطاء لدور أوروبي بين نازحي سوريا في لبنان، أم ستكون عاصمة كاثوليك المشرق الذين ترى دمشق أنّ النظام وحليفَه «حزب الله» يشكّلان ضمانةً لحمايتهم من «داعش» ومن تبِعات سياسات أوروبا الخاطئة في سوريا؟