تحولت الجريمة المالية الالكترونية في لبنان الى واحدة من اخطر انواع الجرائم الرقمية التي تهدد القطاع المصرفي والتعاملات المالية للشركات والافراد. وقد بلغ عدد الاختلاسات المالية الالكترونية العام الماضي نحو 84 فيما بلغت قيمة الخسائر الناتجة عنها نحو 12 مليون دولار. وبغياب قانون للتعاملات الرقمية والتوقيع الالكتروني في لبنان، باتت مهمة المسؤولين عن توفير الحماية الرقمية اكثر صعوبة خصوصا عندما يتعلق الامر بالتعاملات المالية. وسعيا لزيادة التوعية وتعزيز أنظمة الحماية المالية الوطنية، يُعقد في الثاني عشر من الشهر الحالي ورشة عمل تستعرض «دليل مكافحة الجريمة الالكترونية». وتضم هذه الورشة كلا من هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية لدى قوى الأمن الداخلي وجمعية المصارف. وسيستضيف هذه الورشة معهد الماد والحوكمة لدى المعهد العالي للأعمال (ESA).
وتأتي هذه الورشة كتكملة للجهود المبذولة في مكافحة الجريمة الالكترونية في لبنان، التي بدأت مع انعقاد ملتقى مكافحة الجريمة الالكترونية الأول في 12 تشرين الثاني 2015 تحت عنوان «مكافحة الاحتيال والقرصنة الالكترونية في القطاعين المصرفي والتجاري في لبنان». وقد صدر عن هذا الملتقى عدة توصيات ابرزها ضرورة تطوير دليل لمكافحة الجريمة الالكترونية، ليشكل اطارا للقطاعين المصرفي والتجاري كما للافراد في تنفيذ العمليات الالكترونية. ويهدف هذا الدليل الى تسليط الضوء على التدابير الوقائية الواجب اعتمادها من أجل التخفيف من وقع الجريمة الالكترونية وأثرها المتفاقم، كما يكتسب أهمية خاصة وبعداً مهماً في الحد من مخاطر الجريمة الالكترونية وعمليات الاحتيال في لبنان خصوصاً بغياب اي وثيقة من هذا النوع.
وبمناسبة الاعلان عن ورشة العمل الخاصة بدليل مكافحة الجريمة الالكترونية،. قال امين عام هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب في مصرف لبنان عبد الحفيظ منصور أن مواجهة الجريمة الرقمية تحتاج الى مقاربات وطنية شاملة لا جزئية، وعالمية لا محلية، ذلك ان الجريمة الرقمية بطبيعتها عابرة للحدود وتقف خلفها مجموعات الجريمة المنظمة الدولية والتي تتمتع بالخبرات المعلوماتية العميقة التي تتيح لها مقارعة الأنظمة والقوانين الدولية والحكومات حول العالم.
ويضيف عبد الحفيظ منصور ان المواجهة تبدأ بتوفير بنية تحتية قانونية وتشريعية متكاملة، ورفع مستوى التوعية العامة خصوصا في اوساط المؤسسات المالية والشركات على اختلاف انواعها. وان ثمة ثغرتين رئيسيتين تدخل منهما الجريمة الرقمية، الاولى اجرائية تتعلق بالمؤسسات المصرفية والثانية تطبيعية تتصل بمدى المعرفة والكفاءة والوعي الرقمي لدى المستخدمين من افراد ومؤسسات.
ويتابع عبد الحفيظ منصور فيصف الجريمة الالكترونية المالية بأنها «جريمة منظمة تقف خلفها مجموعات دولية لديها القدرة على القيام بالاختلاسات المالية من خلال عدد من الاساليب الاحتيالية»، ويضيف ان لبنان مهدد بالجريمة المالية الرقمية، تماما كما بلدان العالم الاخرى التي بدأت باجراء ترتيبات لزيادة الحماية من خلال مجموعة من الوسائل ولا سيما الوقائية منها.
وحول الاجراءات الضرورية الواجب اتخاذها لحماية القطاع المصرفي اللبناني، يقول عبد الحفيظ منصور: «لبنان بحاجة لتحصين مؤسساته ومصارفه لمواجهة الجريمة الرقمية وثمة قوانين وتشريعات ينبغي اقرارها في هذا الشأن لا سيما قانون التوقيع الالكتروني والتعاملات الرقمية الذي لا يزال في أدراج المجلس النيابي منذ نحو 16 عاما».
وحول الاختلاسات الالكترونية المالةي التي يتعرض لها لبنان، يقول عبد الحفيظ منصور أن البنوك تتحمّل المسؤولية في حالة تنفيذ الحوالات الواردة بواسطة البريد الالكتروني في حالة عدم مراجعة العميل قبل اجرائها وهي تحملت عمليا الخسائر في اكثر من 90 في المئة من الحالات التي ابلغت عنها الهيئة، لان اي عملية تقاضي بينها وبين العميل لن تكون لمصلحتها نظراً لعدم وجود تشريعات للتعاملات الالكترونية كما ذكرنا. اما في النسبة المتبقية من الحالات فيتحمّل العميل الخسارة التي قد تكون احياناً كبيرة بالنسبة له الى درجة تتسبّب بافلاسه.
ويختم عبد الحفيظ منصور فيقول ان هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان (وحدة الإخبار المالي اللبنانية) هي عضو ضمن مجموعة وحدات الإخبار المالي العالمية (Egmont) والتي تضم 151 بلدا، وهي تشبه الى حد بعيد الانتربول المالي. حيث تتواصل وحدات الاخبار المالي هذه في ما بينها وتتبادل المعلومات حول القضايا المتصلة بنشاطاتها. وان هيئة التحقيق الخاصة تتعاون مع باقي وحدات الإخبار المالي حول العالم. ويضيف: «أستطيع القول أن تعاوننا مع باقي الوحدات، يُعد جيداً جداً وحضورنا على المستوى الدولي فاعل. ولهذا السبب تمكنا في لبنان من تبوؤ مركز مهم جدا في هذه المجموعة ولبنان بشخصي يشغل منصب نائب الرئيس في هذه المجموعة وممثّل وحدات الاخبار المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة إغمونت. وتمتلك هيئة التحقيق الخاصة كافة الخبرات والمهارات التي تجعلها تتعامل مع باقي الوحدات على مستوى واحد من القدرات والتميّز.