حنان حمدان
فقدت أسعار النفط العالمية نحو 70% من قيمتها منذ بداية تراجعها في منتصف العام 2014، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في العقد الأخير. اليوم، تختلف التوقعات حول تبدّل أسعار النفط في العام 2016، بين تعافي الأسعار أو تهاويها إلى ما دون المستويات التي وصلت إليها. ولكن، ستُحسم هذه التوقعات نتائج اجتماع الدوحة الذي ستعقده الدول المنتجة والمصدرة للنفط في الشهر الحالي. وللوقوف على مجمل التوقعات، ومدى تأثيراتها على الدول المنتجة في الأعوام المقبلة، أجرت “المدن” مقابلة مع الخبير النفطي في لبنان ربيع ياغي. وفي الآتي نص الحوار:
• ما هي توقعاتكم بالنسبة إلى أسعار النفط في العام 2016؟ هل ستشهد الأسعار إنخفاضاً إلى ما دون 30 دولاراً، أم أن هبوط الأسعار قد بلغ نهايته، وستتخطى الأسعار 40 دولاراً؟
إن عدم التوافق سياسياً بين الدول المنتجة للنفط، الأعضاء في منظمة “أوبك” وخارجها، على تحديد سقف الإنتاج، وتحديد الحصص الإنتاجية الخاصة بكل دولة، فإن ذلك يعني أن الأسعار لن تتعافى وستبقى تتأرجح بين 30 و40 دولاراً. أما في حال تم التوافق بين هذه الدول، فإنه من المتوقع أن تتعافى الأسعار لتراوح بين 50 أو 60 دولاراً. وعكس ذلك، فإن الخلاف بين الدول المجتمعة سيؤدي إلى تدهور الأسعار إلى ما دون 30 دولاراً.
بالتالي، فإن التوقعات خارج اجتماع الدوحة، تبقى مجرد فرضيات. ولكن يرجح أن تتعهد الدول بعدم زيادة الإنتاج، وأن تبقى الأمور على ما كانت عليه في شهر كانون الثاني من هذا العام، أي أن يتم الإتفاق على تجميد الإنتاج، وبالتالي يمكن أن نشهد تحسناً في الأسعار لتراوح ما بين 40 أو 45 دولاراً.
• هناك وجهة نظر تقول إن أي إتفاق تكون إيران خارجه، هو إتفاق لا يعول عليه. ما هو رأيكم بذلك؟
عملياً، عاشت إيران سنوات من الحصار الإقتصادي، ولا يمكن مقارنتها مع الدول التي يشكل النفط دخلها الوحيد، إذ تتميز بإقتصاد متنوع وعدة مصادر للدخل غير النفط والغاز. والحال، أن وجود إيران في الاجتماع أو عدم وجودها، لن يبدل في هدف إيران الأساسي وهو إستعادة حصتها في الأسواق العالمية. وبالتالي، لن تلتزم بكوتا إنتاجية، مهما هبطت الأسعار، ولاسيما أن كلفة إنتاج برميل النفط لديها هي أقل بكثير من كلفة إنتاج دول أخرى. إذ تراوح كلفة إنتاج البرميل في إيران مثلاً بين 3 و6 دولارات، بينما تبلغ نحو 10 دولارات في السعودية، ولا تتجاوز 3 دولارات في ليبيا، ولذلك يبقى بمقدور إيران وليبيا تحمل هبوط الأسعار. فيما تحتاج إيران إلى نحو 24 شهراً أو أكثر، لاستعادة طاقتها الإنتاجية التصديرية، لأسباب تقنية، ولاستعادة زبائنها من العملاء لتزيد إنتاجها عن 400 ألف طن يومياً.
• هل تتحمل “أوبك” مسؤولية هذا التهاوي في الأسعار؟
ساهمت الخلافات السياسية بين الدول، كما النشاط الحربي لكبار منتجي النفط في هبوط أسعاره، إذ تتمسك هذه الدول منذ بداية الأزمة في إنتاج أقصى طاقاتها، بالرغم من الأسعار المتدنية، كي تحافظ على مداخيلها من النفط. وقد خالفت الدول الأعضاء في “أوبك” ما تم الإتفاق عليه سابقاً، وهو أن لا يتخطى مجموع إنتاج دول المنظمة 30 مليون برميل يومياً، إذ يقدر إنتاجها اليوم، بـ33 مليون برميل يومياً. ما يعني وجود 3 ملايين برميل فائض في السوق يومياً. وبالتالي، فإن المنظمة تتحمل مسؤولية هذا الإنهيار، كونها تسببت بوجود تراكم إغراقي في السوق، أدى إلى انهيار الأسعار. ويشكل إنتاج أوبك عالمياً نحو 40% من الطلب أو الإستهلاك العالمي.
• هل بدأت تتأثر إقتصادات الدول المنتجة للنفط بهذا التهاوي؟
بالطبع، فقد بدأت بعض الدول فرض ضرائب على بعض السلع والخدمات، وتجميد أو إلغاء مشاريع مكلفة، ما يدل على أن الواقع الإقتصادي لهذه الدول غير مريح. كالسعودية مثلاً، التي جمدت بعض المشاريع، وقلصت بعض النفقات. ورغم ذلك، لا تزال معظم الدول تصر على أعلى مستويات للإنتاج، بحكم الظروف السياسية والإقتصادية، حتى بات النفط اللاعب الأكبر في الساحة الدولية.
• من هي الدول الأكثر تأثراً بهذا الإنخفاض؟
الدول الأكثر تأثراً، في “أوبك” هي دول الخليج، وخارجها هي روسيا. ولكن تمتلك هذه الدول صناديق سيادية يوجد فيها مئات المليارات من الدولارات، عوضت من خلاله العجز في ميزانياتها، واستطاعت أن تواجه هذا الإنخفاض. كالسعودية مثلاً، إذ يحتوي صندوقها السيادي نحو 700 مليار دولار. ولكن، إلى متى تستطيع هذه الدول التي تعتمد مداخيلها على النفط فقط، أن تتحمل هذا التهاوي في الأسعار؟ ولذلك، فإنه من المؤكد، أن هذا الضعف سيكون له إنعكاساته السلبية على المدى المنظور والمتوسط، حتى ولو بقيت الأسعار على معدلها الحالي (38 دولاراً للبرميل)، إذ ليس سهلاَ أن تعود الأسعار إلى 100 دولار، وإن حصل ذلك فإنه يحتاج إلى أعوام. وبما أن إقتصادات الدول الخليجية تعتمد على إنتاج الطاقة أكثر من غيرها. بالتالي، فإنها ستكون أكثر تأثراً من غيرها. فيما يقدر تراجع عائدات دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 200 مليار دولار سنوياً.
• هل استفاد لبنان من هذا الإنخفاض؟
لبنان بلد مستورد ومستهلك للنفط، ولا شك في أن هبوط الأسعار أثر إيجاباً على فاتورة المحروقات في لبنان التي انخفضت كلفتها من نحو 7 مليارات دولار إلى أقل من 4 مليارات دولار. ولكن غياب المخزون الإستراتيجي، والخطط الإستراتيجية في هذا المجال، حرم اللبنانيين الإستفادة من تخزين النفط الذي وصل إلى أدنى مستوياته العام الفائت.
وفقاً لذلك، إستفاد المواطن في لبنان من إنخفاض أسعار المحروقات، كالمازوت والبنزين مثلاً، والتي انخفضت بنسبة 50% تقريباً. ما عدا ذلك، لم يلحظ المواطن أي إنخفاض في أسعار الخدمات الأخرى التي تدخل الطاقة في خدمتها التشغيلية، كفاتورة الكهرباء، وتعرفة سيارات الأجرة، وذلك لا يرتبط بأسعار النفط، بقدر ما يرتبط بسوء الإدارة وغياب الرقابة عن القطاع الخاص في لبنان.