IMLebanon

لبنان في العاصفة ومئات الشركات والأفراد يتهرّبون من الضرائب ويخفون مليارات الدولارات

panama-papers

موريس متى

 

تواصل الصحف الاعضاء في الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الكشف عن أسماء زبائن مكتب المحاماة البنامي “موساك فونسيكا”، بعد نشر 11.5 مليون وثيقة سبّبت فضيحة مدوّية في العالم مطلع الأسبوع الجاري، وفتحت معها ملف شركات الأوف شور وعملها في العالم.

كشفت فضيحة “أوراق بناما” تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية بينهم 12 رئيس دولة سابق وحالي، و143 سياسي وغيرهم في أعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي، وتبييض الاموال عبر شركات أوف شور التي تسلطت الاضواء عليها وعلى عملها.
يعتبر الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة، “أن ظاهرة التهرّب الضريبي هي نتيجة منطقية للمبدأ الإقتصادي المبني على المصلحة الذاتية العقلانيّة. إلاّ أن المُشكلة تظهر في إختلاف نظرة القوانين الوطنية في الدول لهذا الأمر، فبعض الدول كالليشتينشتاين يعتبر التهرّب الضريبي مخالفة بسيطة، في حين أن الولايات المُتحدة تعتبره جريمة. وهذا الأمر دفع بالشركات والأشخاص للبحث عن أنظمة ليّنة التعامل مع التهرّب الضريبي كبناما والجزر العذراء والبهاماس وغيرها”. ولوضع حدّ لهذه الظاهرة قام عدد من الدول بوضع إطار قانوني لشركات يسمّى Offshore يساهم في التخفيف من الضرائب”، وينبغي عدم خلط هذا الأمر مع التهرب الضريبي.
ويقول عجاقة: “تُستخدم هذه الشركات لمُخالفة القوانين وتمّ إقحامها في عمليات تبييض أموال والتهرب الضريبي وتمويل الإرهاب. والمُشكلة الأكبر هي أنها أصبح لها دور أساسي في الهيكلية المالية لمنظومات فاسدة يتمّ تأسيسها لإخفاء هوية المالك الحقيقي، بما أن مُعظم أعمال الشركة هي في الخارج، لذا تتلقى هذه الشركات أموالاً هائلة رسمياً، تأتي من النشاط الإقتصادي ويأتي فعلياً قسم كبير منها من نشاطات محظورة”. ويتم فتح شركة أوف شور ضمن أطر قضائية بتشريعات محددة لفتح حساب مصرفي غير ظاهر مباشرة من أجل الحصول على ممتلكات من دون كشف هوية صاحبها، ويكون الأمر غير قانوني عندما يكون تأسيس هذه الشركات يهدف إلى اخفاء المستفيد، كما يتم في معظم الاحيان إستخدام أسماء وهمية، ما يسمح بإخفاء هوية المالكين الحقيقيين.

لبنان وشركات “الاوف شور”
تدعى البلاد التي تتعاون في عمل هذه الشركات ملاذات ضريبيّة أو جنّات ماليّة، وغالباً، فإن شركات الأوف شور تقع في بلدان تتمتع بالسرية المصرفية. لكن ما علاقة لبنان بهذا الأمر وكيف تورّطت مئات الشركات اللبنانية بهذا النوع من النشاطات؟ الجواب يكمن في مبدأ المصلحة الذاتية العقلانية، إذ أن أصحاب هذه الشركات تجد فيها وسيلة مثالية لتحقيق إثراء سريع، فيما تشير النظريات المالية الى أن الوقت اللازم لزيادة رأس المال من نشاط إقتصادي إلى الضعف هو بحدود 7 إلى 10 سنوات. وتعتبر شركة الاوف شور في لبنان نوعاً من الشركات المساهمة ويرعاها المرسوم الاشتراعي 8346 كما القانون الرقم 19 الصادر في عام 2008. وهذا النوع من الشركات هو خيار إيجابي للمستثمرين الذين لديهم نشاطات تجارية خارج لبنان أو في المناطق الحرة اللبنانية، لأن هذه الشركات يمكنها ممارسة كل انواع الاعمال وتستفيد من ضريبة مقطوعة بسيطة جداً بغض النظر عن حجم أعمالها وأرباحها، ما يسمح لها بالتهرب من قانون الضرائب اللبناني الذي يفرض على الشركات العادية ضرائب تصل الى 25%، تتضّمن 15% ضريبة باب اول و10% ضريبة على الارباح.
وبحسب بعض الأرقام غير الرسمية، فإن أكثر من 460 شركة لبنانية لنحو 620 لبنانياً يحملون أسهما مُتورطة في فضائح وثائق بناما، اما التقديرات فتشير الى أن حجم رؤوس الأموال اللبنانية موضوع الفضيحة يفوق الـ 100 مليار دولار. هذا الرقم الهائل يطرح السؤال عن الخسائر المُحتملة التي يتكبدها الإقتصاد اللبناني، وعن السبب الذي يمنع وزارة المال من تعقّبهم. ويعتبر عجاقة “أن الإطار القانوني لشركة Offshore يُعطي طابع السريّة على نشاطاتها وتالياً لا يُمكن فعلياً لوزارة المال تعقّب هذا الأمر. كما أن التحويلات المصرفية التي تفرض على المصارف التصريح لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان يُمكن لها أن تكشف النشاط الإقتصادي من النشاط المنافي للقوانين. وعدم كشف الأمر قد يكون ناتجاً من فساد أو عن طبيعة العمليات التي لا تمرّ عبر لبنان بالضرورة.
من هنا لا يُمكن الحديث عن خسارة مالية مباشرة على الخزينة بل عن خسارة إقتصادية ناجمة عن عدم إستثمار هذه الأموال في الإقتصاد اللبناني أو عن تشويه سمعة لبنان وجعله يظهر وكأنه جنّة ضريبية. وهذا الأمر غير صحيح مع إلتزام المصارف اللبنانية كل القوانين الدولية بدون إستثناء”.

القوانين اللبنانية…
يؤكد الأستاذ في القانون ورئيس “جمعية جوستيسيا للإنماء” الدكتور بول مرقص أنّ شركات الـ Offshore تصنّف على أنها عالية المخاطر لناحية مكافحة تبييض الأموال ( high risk ) وتحذر المصارف من التعامل معها أو تخضعها لضوابط مشددة وهو ما يسمى “العناية الواجبة المعززة ” (Enhanced due diligence) على اعتبار أنّ هذا النوع من الشركات وكما يدلّ عليها اسمها يؤسس في بلاد يمنع عليها فيها ممارسة النشاط الا ما هو محدد واستثنائي، فتكون بذلك خارج الرقابة الفعلية للسلطة الضريبيّة لبلاد المنشأ، وكذلك خارج رقابة الدول الأجنبية التي يحق لها ممارسة عملها فيها رغم الإيجابيات التي تتمتع بها هذه الشركات حيال ملاءمتها لمقتضيات المرونة والسهولة في تقديم خدمات التجارة الخارجية. وتخضع للمرسوم الاشتراعي 83 الشركات المغفلة اللبنانية التي تتعامل، على سبيل الحصر، النشاطات الآتية:
1- التفاوض وتوقيع العقود والاتفاقات في شأن عمليات وصفقات يجري تنفيذها خارج الاراضي اللبنانية، وتعود الى أموال موجودة في الخارج او في المناطق الجمركية الحرة.
2- ادارة شركات ومؤسسات محصور نشاطها خارج لبنان انطلاقاً من لبنان وتصدير الخدمات المهنية والادارية والتنظيمية وخدمات وبرامج المعلوماتية بكل أنواعها الى مؤسسات مقيمة خارج لبنان وبناء على طلب تلك المؤسسات.
3- عمليات التجارة الخارجية المثلثة أو المتعددة الطرف الجارية خارج لبنان، لذا يمكن لشركات الاوف شور اجراء التفاوض، وتوقيع العقود، وشحن البضائع، واعادة اصدار الفواتير لاعمال وعمليات خارج لبنان، او من المناطق الجمركية الحرة في لبنان واليها.
4- القيام بأعمال ونشاطات النقل البحري.
5- تملك اسهم وحصص وسندات ومشاركات في مؤسسات وشركات اجنبية غير مقيمة، واقراض المؤسسات غير المقيمة التي تملك شركة الاوف شور اكثر من 20 % من رأسمالها.
6- تملك و/أو الانتفاع من حقوق عائدة لوكالات مواد وبضائع وتمثيل لشركات اجنبية في اسواق خارجية.
7- فتح فروع ومكاتب تمثيل في الخارج.
8- بناء واستثمار وادارة وتملّك كل المشاريع الاقتصادية باستثناء المحظورات الواردة في المادة الثانية من هذا القانون.
9- فتح الاعتمادات والاقتراض لتمويل العمليات والنشاطات المشار اليها اعلاه من مصارف ومؤسسات مالية مقيمة في لبنان او في الخارج.
10- استئجار المكاتب في لبنان وتملك العقارات اللازمة لنشاطها، مع مراعاة قانون تملك الاجانب لحقوق عينيّة عقارية في لبنان.
كما يحظر على الشركات المنصوص عليها في المرسوم المذكور، تعاطي عمليات التأمين بمختلف انواعها والعمليات والاعمال التي تزاولها المصارف والمؤسسات المالية والمؤسسات الخاضعة لرقابة مصرف لبنان، كما يحظر عليها القيام في لبنان بالاعمال غير تلك المشار اليها في المادة الاولى من القانون. كذلك يحظر عليها جني أي ربح او ريع او ايراد من اموال منقولة او غير منقولة موجودة في لبنان، او من جراء تقديم خدمات لمؤسسات مقيمة في لبنان، ما عدا ايراد حساباتها المصرفية والايرادات الناتجة من الاكتتاب في سندات الخزينة اللبنانية والتداول بها.
رغم تورّط مئات الشركات والشخصيات اللبنانية لم يتمّ فتح تحقيق بعد، في حين أن العديد من المسؤولين في العالم بدأوا الإستقالة على غرار رئيس وزراء إيسلندا الذي استقال بمجرد ورود إسمه ضمن الوثائق.