كتب رضوان عقيل في صحيفة “النهار”:
خرج اكثر الوزراء في جلسة الحكومة اول من امس عن ادنى اسلوب للتخاطب في ما بينهم، وتصدرت “الموشحات الطائفية” بابها الواسع على خلفية ازمة مديرية أمن الدولة والسجال المسيحي – الاسلامي الذي تحول حيالها مشهداً لم يحدث في اعنف جلسات مجلس الوزراء ما قبل الطائف.
ويروي وزير عتيق ان السجالات التي كانت تدور بين اعضاء حكومة الرئيس الراحل شفيق الوزان في عهد الرئيس أمين الجميل لم تخرج عن قواعد الاداب والاحترام،على رغم المناخات السياسية العاصفة بين الوزراء – بعضهم من قادة الميليشيات- الذين كانوا يلتقون على طاولة واحدة على وقع المدافع واعمال القصف في العاصمة والمناطق، ولم يتبادلوا عبارات نابية وتلك التي تنضح منها الروائح المذهبية. ما يدور في السرايا الحكومية اليوم وصل الى درك غير مقبول. ويحلو لاحدهم ان يتذكر ان وزيرا خاطب الرئيس الراحل عمر كرامي في حكومة 1992 بعبارة “بقتلك”. واستمرت الجلسة على سخونتها ولم تصل الامور الى نبش الحساسيات المذهبية.
ولا يتوانى كثر عند توصيف ما يحدث في حكومة الرئيس تمام سلام في التحذير من الانهيار المنهجي الذي تعيشه قبل سطوع أزمة “أمن الدولة”. ولم يعد هناك اي فائدة من كلاسيكية الحديث عن التضامن الوزاري والمصلحة الوطنية بدليل ان العدد الاكبر من الوزراء يتعاطى مع الملفات المطروحة من زاوية المصالح الضيقة وسياسة العناد والظهور امام الرأي العام والطائفة اولا “نحن هنا” تحت عنوان الذود عن كرامة المذهب بهذه الطريقة بعيدا من عمل انتظام الدستور والمسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة، وان الاحزاب والميليشيات في اعوام الحرب ابقت على شعرة معاوية وحافظت على العلاقات بين الطوائف. وتبين ان ما وصلت اليه الامور اصبح أبعد من مسألة انتخاب رئيس للجمهورية.
ولم يكن ينقص الحكومة سوى “تناسل” حلقات من سلالة مسلسل الفساد في اكثر من مؤسسة مدنية وعسكرية!
ولم يخفِ سفير غربي مؤثر في لبنان انزعاجه من عدم قدرة الكتل النيابية على انتخاب رئيس للجمهورية طوال كل هذه الاشهر من الشغور. ولم يكتف بذلك بل عبر عن استيائه من فضائح الفساد واستشراء هذا الكابوس ومعاينته في اكثر من مؤسسة ولاسيما في الاسابيع الاخيرة. وسأل الحاضرين في لقاء خاص: “الى اين تأخذون بلدكم؟”. وعندما تلقى مرجع هذه الواقعة وما دار فيها على لسان هذا السفير سارع الى القول “معه حق”.
وزاد المرجع من ملاحظاته على الحكومة وجلساتها، واستبعد في الوقت عينه ان تنسحب الاجواء نفسها على جلسة الحوار المقبلة، على رغم التشنجات الحاصلة.
وترى جهات متابعة لمسار العمل الحكومي انه لا يحق للبنانيين تحميل “الوصاية السورية” السابقة مسؤولية ما كان يحدث من اعمال وفوضى في ادارة الملفات وزرع براثن الفساد في اكثر من مؤسسة كانت تشارك فيها شخصيات سورية سياسية وامنية آنذاك. فما الذي يمنع افرقاء الحكومة اليوم من تسيير ملفات المواطنين بعيدا من اسلوب التحدي والمبارزة والدفاع عن الطائفة والبلد يغرق في بحر من الازمات وتعطيل الحياة اليومية للمواطنين وبعيدا من تدخلات السوريين؟
والمفارقة ان الحكومات في “الزمن السوري” لم تكن تشهد في جلساتها هذه النبرة المذهبية، انما كان ثمة وزراء مشاكسون اتقنوا فن مواجهة الرئيس الراحل رفيق الحريري. وعندما كانت تخرج الامور عن الحد المرسوم لها كان الضابط السياسي السوري يدخل على خط المعالجة.
وامام هذه اللوحة السياسية الداخلية والوانها التشاؤمية وتخبط “قبائل” مجلس الوزراء، تتجه الامور الى مزيد من التأزم في ظل عدم التوصل الى حلول، من رئاسة الجمهورية الى التئام الحكومة وصعوبة انتاج قانون انتخاب وتفعيل البرلمان حتى اشعار آخر.