يعيش مواطنون في دولة جنوب السودان أوضاعاً اقتصادية صعبة في ظل الارتفاع الذي تشهده أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، بعد إقدام الحكومة على تبني سياسة تعويم سعر صرف العملات الأجنبية أمام العملة الوطنية المتداولة في البلاد (الجنيه).
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه أسعار النفط الخام تراجعاً كبيراً بنسبة جاوزت 68٪ في السوق العالمية ما أثّر على الموازنة العامة للحكومة التي تعتمد على عائدات النفط بنسبة 90% من الإيرادات المالية، كما تراجعت احتياطات النقد الأجنبي بسبب الإنفاق على الحروب منذ 2013.
وفي ديسمبر/كانون أول الماضي، أعلن البنك المركزي في جنوب السودان تبني سياسة اقتصادية جديدة، ترمي إلى تعويم سعر صرف الجنيه الجنوبي في مواجهة الدولار الأمريكي، عن طريق توحيد سعر الصرف الرسمي للعملة الصعبة (الدولار) في البنك والسوق الموازية، وقفز سعر صرف الجنيه الواحد أمام الدولار من 2.9 جنيه في البنك المركزي، إلى 30 جنيهاً.
وقادت سياسات تحرير سعر صرف الدولار إلى ارتفاع في أسعار السلع الغذائية الضرورية في أسواق بالعاصمة جوبا، وبقية ولايات جنوب السودان، على الرغم من القرار الذي أصدرته الحكومة بزيادة رواتب العاملين بالقطاع الحكومي بنسبة 300%.
وداخل سوق “كونجوكونجو” الذي يعد من أكبر مراكز بيع السلع الاستهلاكية على مستوى البلاد، وصل سعر دقيق القمح بوزن خمسة كيلو، الذي يعتمد عليه معظم السكان في غذائهم إلى 1500 جنيه (50 دولاراً)، بعد أن كان سعره في السابق 600 جنيه.
ويقول “عبدون يحيى” أحد التجار بسوق “كونجوكونجو” للأناضول إن سعر عبوة الزيت سعة 20 لتراً وصلت 950 جنيهاً (32 دولاراً).
“وول شارلس اليو”، رئيس الغرفة التجارية بولاية واو (شمال غرب)، التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية من دولة السودان المجاورة، أوضح في تصريح للأناضول، أن أسعار المواد الاستهلاكية بالولاية أصبحت باهظة نتيجة لارتفاع سعر الدولار بعد تبني الحكومة لسياسات التعويم.
وأشار “اليو” إلى أن أسعار السلع يتم تحديدها بناء على أسعار شرائها من المصدر، وبالتالي فإن الشراء بأية عملة أجنبية أخرى ستكلف التاجر مبلغاً كبيراً بسبب ارتفاع الفروقات في العملات أمام العملة المحلية.
وتأثرت حركة التجارة الحدودية بين السودان وجنوبه بالتوتر في العلاقات السياسية، بعد قيام حكومة الخرطوم بإغلاق حدودها مع الجارة في أعقاب اتهام الأخيرة بدعم حركات التمرد ضدها.
وأدى غلق الحدود إلى فرار آلاف السكان المحليين الى داخل الحدود السودانية بحثاً عن الطعام وخاصة في الولايات الحدودية وهي (شمال بحر الغزال، بانتيو، وغرب بحر الغزال).
ويقول “بيتر ماكول” مواطن من جنوب السودان للأناضول: “أعمل في إحدى الوزارات الحكومية، وأتقاضى راتباً قدره 1500 جنيهاً (50 دولاراً) وهذا لا يكفي حتى لتوفير السلع الضرورية واحتياجات الأسرة.. لقد أصبحنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، كل شئ بات مربوطاً بسعر الدولار في السوق.. سياسة التعويم أضرت بنا كثيراً”.
وقادت الأزمة التي يعيشها جنوب السودان إلى تفاقم معاناة المواطنين المتواجدين في المدن والأرياف، فغياب المواد الاستهلاكية وزيادة سعر الدولار قادت العديد من السكان إلى إحضار أبنائهم الذين كانوا يدرسون بالخارج إلى جنوب السودان.
أما “جيمس مجاك” الذي يعمل في شركة خاصة في مجال البترول بجوباً فيقول “كنت قد أرسلت أبنائي الثلاثة للدراسة بالعاصمة الأوغندية كمبالا قبل أربعة أعوام، لكني اضطررت لإرجاعهم لجوبا لعدم قدرتي على الحصول على الدولار بعد التعويم”.
وتابع: “في الماضي كنت أصرف 1000 دولار بمبلغ 3000 جنيهاً في السوق السوداء، حالياً بات الحصول على ذات المبلغ يتطلب توفير 35 ألف جنيه.. من أين لي هذا المبلغ”.