من الغباء عدم الاعتراف بأن النظام اللبناني بصيغته الحالية مهترئ ومتعفّن، وهو بات اليوم يتحلّل بشكل كامل. وهذا الواقع تحديداً هو ما يسمح بنسبة الفساد على كل المستويات، والتي حطّمت كل الأرقام القياسية وباتت تعكس انهيار الدولة الكامل.
وفي استعراض سريع للواقع، يدرك اللبنانيون أن الفساد في جسد الدولة ومؤسساتها ينخر على كل المستويات، وبات أخطر من السرطان الخبيث حين ينخر جسد الانسان.
فعلى الصعيد الحكومي، أكثرية من الوزراء باتت رمزاً للفساد، وهؤلاء الوزراء يستعملون نفوذهم لمنع فضحهم، مع أنهم صاروا مكشوفين للرأي العام، لأن درجة الوقاحة في فسادهم تخطت كل المعقول.
الفساد نفسه يعصف بالمؤسسات القضائية، ويكفي أن نعرف أن آليات المحاسبة القضائية للقضاة معطلة منذ عقود لمصلحة المحاسبة السياسية للذين لا يخضعون لمرجعياتهم الطائفية المذهبية والحزبية. هذا الفساد يضرب أيضاً المؤسسات الأمنية، كما الإدارة اللبنانية والمؤسسات الرقابية، بحيث باتت إمكانية المحاسبة معدومة بالكامل.
ولتكتمل حلقة الفساد في لبنان، لم يتمّ توفير المؤسسات الإعلامية الأسيرة بين حدي الإقفال أو الرضوخ للمال السياسي، ما يعطّل دورها كـ”سلطة رابعة”.
ما سبق ليس توصيفاً سطحياُ على الإطلاق، بل يعكس حالة الموت السريري للدولة والمؤسسات اللبنانية، بالتوازي مع تغييب الممارسات الديمقراطية كالانتخابات النيابية لمنع محاولة إحداث أي تغيير. وهذا الواقع يترافق مع عطب دستوري يتمثل في الفراغ الرئاسي منذ سنتين، إضافة الى خضوع أمني لسلطة دويلة “حزب الله”!
بكل بساطة، لم تعد تنفع المسكنات لعالجة واقعنا. فنظامنا ضربه الاهتراء الى حد بات من المستحيل إصلاحه، أيا تكن الشعارات. وأياً يكن، ثمة استحالة لأي إصلاح في ظل حكم الطبقة السياسية الحالية التي باتت أشبه بعصابات مترابطة المصالح ويستحيل اختراقها. وهذه العصابات أو المافيات تحكم البلد في ما بينها على قاعدة تبادل المصالح وغض النظر المتبادل عن الفساد والارتكابات، على قاعدة الحمايات الحزبية والمذهبية والطائفية للمرتكبين.
والأسوأ من كل ما تقدّم أن المجتمع اللبناني بات أسير هذه العصابات والمافيات، بحيث أضحى مضطراً لإعلان ولائه لإحداها لكي يحصل على الحماية ويؤمن الحد الأدنى من مصالحه ومتطلبات استمراره في هذا البلد. وفي ظل هذه المعادلات تصبح المحاسبة والمساءلة مستحيلة، حتى ولو جرت انتخابات نيابية!
بناء على ما تقدّم يبقى السؤال: ما الحل؟ بكل صراحة لا يبدو أن ثمة حلاً قريباً في الأفق. وفي العمق، وأيا تكن التسويات التي سترسو عليها صورة المنطقة، ولبنان من ضمنها، لا يمكن البحث بأي نظام لبناني إذا كان سيقوم على الطبقة السياسية نفسها، لأن أي نظام سياسي سيسقط إذا كان قائماً على شبكات مصالح ومافيات وفساد.